الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
14 تموز 2024

المطلوب إعطاء الأولوية للقطاع الزراعي في الوقت الحالي

بقلم: د. عقل أبو قرع

 حسب معطيات حديثة، ازداد التوجه نحو القطاع الزراعي، أو بالادق نحو العمل في القطاع الزراعي كمصدر للدخل بحوالي 30% مقارنة بما قبل الحرب على قطاع غزة، وبالطبع فأن الأوضاع الاقتصادية ومنها توقف العمل في الداخل وتضاؤل فرص العمل في مناطق الضفة الغربية، هي من أهم الأسباب لذلك، وبغض النظر عن الأسباب فأن زيادة الإقبال على القطاع الزراعي كقطاع انتاجي مستدام، وما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأرض وعلى النظام البيئي وأهمية العمل بكرامة وإنسانية للآلاف من العمال، والحفاظ على استقرار الأسواق، وتحقيق مفهوم الامن الغذائي، كل ذلك يتطلب من الحكومة ومن الجهات الأخرى العاملة في المجال الزراعي، منح الأولوية لهذا القطاع وتقديم كافة أنواع الدعم والمساعدة، لكي يتم الاحتفاظ بهذا الزخم بشكل مستدام ومع نتائج بعيدة المدى على الاقتصاد والأمن الغذائي.  

وفي بلادنا، يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الانتاجية التي نستطيع الحفاظ عليها ودعمها والتخطيط لها وبالأخص هذه الفترة مع تركيز الحكومة الحالية أكثر على الاعتماد على الذات في ظل شح الدعم الخارجي، ومع التوجه أكثر نحو الانفكاك تباعا عن الجانب الاسرائيلي في مختلف المجالات، ومع أهمية الاستثمار في قطاعات إنتاجية مستدامه، تدر الدخل وتشغل الايادي العاملة وتحقق الامن الغذائي وتزيد التصدير الى الخارج، وفي خضم ذلك من المفترض أن يحتل القطاع الزراعي الفلسطيني الأولوية لمشاريع وخطط الحكومة، سواء أكانت قصيرة أو بعيدة المدى. 
ونحن نعرف ان القطاع الزراعي في بلادنا،  كان له دور هام، وساهم بنسبة هامة في الناتج المحلي الاجمالي، ولكن حسب تقارير حديثة، فأن مساهمة القطاع الزراعي الفلسطيني في الناتج المحلي الاجمالي قد تقلصت الى اكثر من النصف، اي من حوالي 9% في عام 1999 الى فقط حوالي 5% او أقل من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية، ومن الأسباب لذلك هو القيود للوصول الى الأرض والمياه، خاصة في المنطقة المصنفة "ج"، ولكن هناك أسباب اخرى، يمكننا التحكم بها، ومن خلالها يمكن ايلاء الاهتمام المطلوب لهذا القطاع الانتاجي الهام، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي، وكذلك في تحقيق الامن الغذائي من حيث توفير المنتج الوطني،  والحد من الارتفاع المتواصل في الأسعار وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة.
وتكمن قوة او استدامة النمو الاقتصادي لأي بلد، او ثبات وتواصل النمو في الناتج القومي الإجمالي السنوي، أو أداء الاقتصاد الكلي، بمدى بتنوعه، اي بمدى تنوع القطاعات التي يعتمد عليها، من خدمات ومن سياحة وصناعة وزراعة ومن غيرهما، وهذا ربما يفسر سر نمو وتنامي قوة أداء اقتصاديات بعض الدول، وبل صعودها المتواصل الى احتلال مواقع متقدمة ضمن أقوى اقتصاديات العالم، وهذا يعني الاستثمار في قطاعات مختلفة، وبالأخص قطاعات انتاجية، تنتج للاستهلاك المحلي وكذلك للتصدير، وتشغيل الايادي العاملة، وتحافظ على الامن الغذائي، وتساهم في الناتج القومي الاجمالي، ومنها قطاع الزراعة، وهذا ينطبق على قطاع الزراعة في بلادنا، سواء أكان في المجال النباتي اي فواكة وخضار، او في المجال الحيواني.
وبالإضافة الى التسهيلات الضريبية والمالية للعاملين او المستثمرين في الزراعة، فأن دعم القطاع الزراعي يمكن ان يشمل استصلاح الأراضي أو شق الطرق للوصول اليها أو توفير المياه اللازمة للري من خلال مد الشبكات أو حفر الابار لتجميع المياه، والقيام بتوفير المواد التي تتطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك وأسمدة ومبيدات بأسعار مناسبة، والمزيد من الإرشاد الزراعي و بأنواعه والذي لا يكفي الموجود منها حاليا، الإرشاد فيما يتعلق باختيار المحصول والارض، والارشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، والإرشاد فيما يتعلق بالقطف والتسويق، والدعم يشمل المزيد من التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والارض، ومن حيث الاستهلاك المحلي او التصدير.
والدعم للقطاع الزراعي يمكن ان يشمل التنسيق لحماية المزارع والمنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات او اصدار المواصفات او الفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الابحاث العلمية التطبيقية، التي تعمل على تلبية حاجات هذا القطاع وحل مشاكلة المحددة، والعمل على ايلاء التدريب الزراعي الأهمية بدأ من المدارس وحتى الكليات التخصصية، والعمل على تقديم الحوافز والضمانات للقطاع الخاص للتوجه للاستثمار في الزراعة، وكذلك العمل على إزالة تلك النظرة الى القطاع الزراعي بأنه ليس أولوية وليس مربح وليس بالخيار الاول للعمل او الاستثمار فيه.
وتوفير الدعم والتخطيط المدروس في القطاع الزراعي يعني الحفاظ على الاستقرار، ومن ضمن ذلك  استقرار الاسعار، لأنه حين تتناقص او يقل عرض السلع، تبدأ أسعار السلع بالارتفاع،  ومن ضمنها السلع الزراعية من خضار وفواكه ولحوم وألبان ودجاج وما لذلك من علاقة بالإنتاج الزراعي، النباتي والحيواني وهذا ما شهدناه خلال فترات متعددة، وحين ترتفع أسعار منتجات الزراعية ، فأن أسعار العديد من المنتجات التي تتداخل بشكل او بأخر مع المنتجات الزراعية ترتفع كذلك، ومن يدفع ثمن هذا الارتفاع في المحصلة هو المستهلك أو المواطن أو المجتمع. 
ومع زخم الاقبال أو العودة الى  الأرض للإنتاج الزراعي، وفي ظل الأزمات الحادة التي أفرزتها وما زالت تفرزها الأوضاع الحالية في بلادنا وبالأخص على صعيد الامن الغذائي، فأن التخطيط العلمي ودعم القطاع الزراعي يعني الدعم لمنطقة الأغوار الفلسطينية، السلة الغذائية لفلسطين، التي هي في معظمها يتم تصنيفها مناطق ج، وغيرها من المناطق ذات القابلية الزراعية المهملة،  وهذا يدعونا الى التفكير والتخطيط الاستراتيجي، والى ايلاء قطاع الزراعة وبالتحديد الزراعة في الأراضي الخصبة التي تحوي المياه الجوفية الأهمية في اي خطط تنموية استراتيجية، لان هذا النوع من التخطيط هو كفيل، بتوفير المزيد من الفرص للعمل وتحقيق الاستقرار المجتمعي، والحفاظ على الأرض وعلى التربة والتنوع الحيوي وعلى الاسعار، وتوفير المنتج الوطني وبالتالي حماية الامن الغذائي من تداعيات وأحداث نحن الأكثر هشاشة في التعرض لها.

كلمات مفتاحية::
هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟