سياسية فك "الاتصال" مع البنوك الفلسطينية انعكاساتها ومآلاتها
بوابة اقتصاد فلسطين
لم تأت دعوة وزراء مالية دول مجموعة السبع خلال اجتماعها في ايطاليا أواخر الشهر الماضي لحكومة الاحتلال الاسرائيلي من فراغ، وان لذلك تداعياته وإرهاصاته. فقد طالب الوزراء بضمان الخدمات المصرفية للبنوك الفلسطينية. والحفاظ على "المراسلة" بين البنوك الاسرائيلية والفلسطينية، و"الإفراج عن عائدات المقاصة المحتجزة للسلطة الوطنية الفلسطينية، في ضوء احتياجاتها المالية العاجلة، عقب قرار وزير المالية الاسرائيلية بتسلئيل سموتريتش قطع "التراسل"، وتجميد تحويل عائدات الضرائب. وشاطر وزراء مالية الدول السبع الرأي نائب وزير الخارجية الامريكي كيرت كامبل، معتبرا ذلك أمرا غير مقبول. وحذرت وزيرة الخزانة الامريكية جانيت يلين من احتمال ازمة انسانية إذا ما تم عزل البنوك الفلسطينية. كما حذر مسؤولون في الامم المتحدة من أن فك الاتصال سيشل الاقتصاد الفلسطيني.
الدول "السبع" المذكورة هي الولايات المتحدة الاميركية وكندا واليابان وايطاليا وفرنسا والمانيا وبريطانيا وهي الدول الحليفة للإسرائيل، والداعمة لها في المحافل الدولية، والتي باتت ترى بوضوح ان استمرار الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية ما هو الا ضغط على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ومفاقمة تردي الاوضاع الاقتصادية، والتخوف من ازمة انسانية لها تبعاتها الحياتية والاجتماعية والسياسية. وانه ليس من الحكمة المجازفة بالضغط على الشارع الفلسطيني القابل للانفجار في اية لحظة.
كما ان هذه الدول تدرك بأن وقف التواصل، الذي هو بطبيعة الحال انتهاك لاتفاقية أوسلو و"بروتوكول باريس الاقتصادي"، سيعزز من خطر انهيار السلطة الوطنية ماليا، وهذا الخطر يضع هذه الدول امام مسؤولياتها القانونية والسياسية في الحفاظ على بقاء السلطة الوطنية ومؤسساتها، للوفاء بواجباتها الخدماتية والتمويلية للقطاعات الصحية والتعليمية وغيرها تجاه مواطنيها. الامر الذي يؤدي بطبيعة الحال الى زيادة الضغوط على المجتمع الفلسطيني برمته. كما انه امعان في تجاوز دور السلطة وتقليص نفوذها واعطاء مبرر للإسرائيل لتجاهل التزاماتها تجاهها.
وبطبيعة الحال فالقنوات المصرفية بين البنوك الفلسطينية، ضرورية لمعالجة المعاملات المالية المتعلقة بالواردات الاساسية من اسرائيل ولا سيما الكهرباء والمياه والوقود والغذاء، والتي تشكل احتياجات ضرورية واساسية لمقومات الحياة الطبيعية لاي مجتمع طبيعي، فماذا لوكان هذا المجتمع يعيش بين براثن الاحتلال وسياساته القمعية؟ فالهدف الاسرائيلي وراء ذلك يرمي الى تقويض المؤسسات الفلسطينية ولا سيما القطاع المصرفي، فإضعاف النظام المصرفي يقود بطبيعة الحال الى اضعاف ثقة المواطن به. ومشاكل في المعاملات المالية وخاصة الحوالات الخارجية الصادرة والواردة وزيادة تكاليفها. وضرب قطاع الاستثمار، وتقليل الامكانيات التنافسية بين الشركات، وبطبيعة الحال فمعدلات الفقر والبطالة سترتفع، بالإضافة الى تردي القدرة الشرائية.
وفي حقيقة الامر بعض الكتاب الاسرائيليين يرون بان سياسة فك "الاتصال" سيعود بالضرر على اسرائيل، وسيكون له أثره على الاقتصاد الاسرائيلي، الذي يسيطر على كافة المعاملات المالية من خلال عملته والتي يتداولها ملايين الفلسطينيين، بالإضافة الى ان الحكومة الاسرائيلية كانت معنية بالحفاظ على هذا للسيطرة على الفائض النقدي في الشارع الفلسطيني، جراء اموال العمال الفلسطينيين، التي كانت تمرر الى الضفة بدون وساطة بنكية. الامر الذي انعكس سلبا على الاقتصاد الاسرائيلي. ناهيك عن اعطاء مبرر مشروع للسلطة الوطنية لطباعة عملة خاصة بها وفك الارتباط بـ "الشيقل". فحجم الواردات للسلطة الوطنية الفلسطينية حوالي 8 مليارات شيقل سنويا، وصادراتها حوالي 2 مليار سيقل سنويا. كما ان السوق الفلسطيني هو الثالث لإسرائيل بعد اوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
قد تفعل الحكومة الاسرائيلية وتفك اتصال البنوك الاسرائيلية بالفلسطينية، وقد لا يحدث ذلك، ولكن ومن نافل القول، انه ومهما تمادت الحكومة الاسرائيلية في اجراءاتها وسياساتها، الا ان الشعب الفلسطيني مصمم على الصمود والتحدي مهما كلفه من ثمن، فالصراع وجودي وليس اختياريا، فلا يوجد خيارات اخرى سوى الصمود والتصدي للممارسات والسياسيات الاسرائيلية التي تستهدف الكل الفلسطيني.