هل ستكون الخسائر الاقتصادية على إسرائيل سببا لإنهاء الحرب؟
إن ما شهده العالم من مجازر بحق الشعب الفلسطيني بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من شهر أكتوبر لعام 2023 لم يسبق له مثيل من حيث حجم الدمار وكمية الأسلحة ونوعيتها التي اسقطت فوق رؤوس المدنيين من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وأيضا، كان من اللافت انه بالرغم من نوعية الأسلحة المستخدمة وكافة الدعم العسكري والاقتصادي والتكنلوجي التي تتلقاه إسرائيل من الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية الا ان جيش الاحتلال لم يستطع تحقيق نصر حقيقي واحد على ارض المعركة وذلك بشهادة الخبراء العسكريين من مختلف انحاء العالم ومنهم أيضا من داخل إسرائيل.
وأمام هذا الدعم اللامتناهي للاحتلال الإسرائيلي عسكريا وماليا نتساءل: هل سيكون التأثير الاقتصادي على إسرائيل ومن يدعمها سببا لانهاء الحرب؟
سعر الصرف
هبطت قيمة الصرف للشيكل الإسرائيلي مباشرة في اليوم الأول من الحرب بنحو 3% ليصبح الشيكل مقارنة بالدولار 3.97 أي ما يقارب 4 شيكل لكل دولار اواحد ما استدعى البنك المركزي الإسرائيلي لضخ 45 مليار شيكل (11.4 مليار دولار ) لوقف النزيف والانهيار في سعر الصرف لتصل خسائر الشيكل في الأسبوع الأول الى 7 مليار دولار.
الأسهم وحجم الكارثة
يظهر سوف الأسهم الإسرائيلي حجم الكارثة الاقتصادية الموجودة ليس فقط بعد عملية طوفان الأقصى وانما منذ بداية العام 2023 وبشكل أساسي بسبب مشروع التعديل في القضاء وما صحبه ذلك من مظاهرات واحتجاجات في الشارع الإسرائيلي. فقد شهد الاقتصاد تراجعا بمقدار 60% من الاستثمارات الأجنبية منذ مطلع العام ليأتي بعدها يوم السابع من أكتوبر لتخسر البورصة الإسرائيلية 6% في خلال الأسبوع الأول فقط.
قطاع الطاقة
ولنتكلم الان عن قطاع الطاقة في إسرائيل وتحديدا موضوع الغاز وهنا سأسلط الضوء على القرار الذي اتخذته شركة شيفرون المشغل لحقل الغاز الطبيعي تمار، حيث أعلنت الشركة عن اغلاق حقل الغاز بسبب الحرب وهو اهم مصدر في إسرائيل للتصدير وانتاج الطاقة وخصوصا الى مصر والأردن وبالتالي فقدت إسرائيل مصدرا مهما ولو بشكل مؤقت من مصادر الدخل القومي.
حركة التجارة العالمية
ولو نظرنا أيضا الى أيضا الاستيراد والتصدير البحري سنجد ان ما يفعله اليمنيون يشكل الضربة القاسمة للظهر فيما يتعلق بتجارة إسرائيل البحرية الامر الذ استدعى الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا للاستعانة بدول عدة لمحاولة تأمين القوافل البحرية المارة من والى إسرائيل والى الان لم تنجح هذه الخطة الى حد بعيد .
قطاع التكنلوجيا
يشكل قطاع التكنلوجيا الذي يعد مفخرة هذا الكيان 18% من الناتج المحلي و تقريبا 30% من عائدات الضرائب لخزينة الدولة. يقدر ما يصدره الاحتلال من سلع وخدمات تكنلوجيا بنسبة 51% من صادارات إسرائيل بمبلغ 85 مليار دولار .
كما هو معلوم فإن إسرائيل بذلت الكثير لتحقيق التفوق التكنلوجي وخصوصا في ما يعرف بـ "الهاي تك" من خلال الدعم الحكومي المباشر وأيضا من خلال حث كبريات شركات التكنلوجيا للعمل داخل إسرائيل حيث هناك مقرات لشركات مثل ابل ومايكروسوفت وانفيديا و جوجل وغيرها.
والان من هم المهندسون والتقنيون العاملون في هذه الشركات او في الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التكنلوجيا هم نفسهم جنود الاحتياط الذين تم تعبأتهم بسبب الحرب.
بنظرة بسيطة يقدر عدد جنود الجيش الإسرائيلي النظاميين بكافة تشكيلاته البرية والبحرية والجوية بنحو 150 الف عسكري فقط فيما تم استدعاء 300 الف من جنود الاحتياط للمشاركة في الحرب على قطاع غزة.
وبالنظر الى المهن والوظائف التي تم اخراجهم منها للالتحاق بصفوف الجيش نلاحظ مدى تأثير ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي .
وفي السياق، وأعلنت شركة انفيديا انه تم استدعاء 12% من العاملين لديها للخدمة العسكرية
كما ابلغت 70% من شركات التقنية عن اضرار في عجلة الإنتاج بسبب استدعاء الاحتياط.
وبحسب تقديرات الخبراء فإن 10% من موظفي التقنية تم تجنيدهم في الاحتياط وكانت النسبة متفاوتة من شركة الى أخرى فوصلت في بعض الشركات الى 30%
وبالتالي يجب الاخذ في الاعتبار تباطء العملية الانتاجية في هذه الشركات التقنية من خلال تأخير تسليم الطلبات ما يؤثر سلبا على تقييم هذه الشركات وبالتالي تراجع أدائها الاقتصادي مما يؤثر سلبا على سعر السهم وربحية وموثوقية هذه الشركات.
الانكماش الاقتصادي
لو نظرنا الى الأرقام الصادرة من جهات اقتصادية حول انكماش الاقتصاد الاسرائلي سنفهم ذلك الامر. فمثلا، مؤسسة ستاند اند بور أعلنت ان الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بمقدار 5% خلال الربع الأخير من 2023
اما بنك جي بي مورجان تشيس قال ان الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بمقدار 11% خلال الربع الرابع من 2023
النزوح الداخلي
وفقا للمعطيات تم اجلاء اكثر من 300 الف مواطن إسرائيلي من الحدود الشمالية مع لبنان ومن الجنوب مع غزة وهو ما يضع ثقلا على الخزينة لانه يجب استيعاب هذه الاعداد وتأمين المسكن والمأكل والصحة لهم خلال فترة الحرب.
وفي ظل الشلل في الاقتصاد وتوقف عجلته سيكوم من الصعب على دولة الاحتلال الاستمرار في هذا الوضع لفترة مطولة.
وكل هذا أيضا هو نتاج جبهة واحدة فاعلة بشكل كبير وهي الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة دون ان يكون هنالك تركيز كبير على الجبهة الشمالية مع لبنان
فماذا لو توسعت الحرب لتشمل الجبهة الشمالية بشكل أوسع مما هو عليه الوضع الان فكيف ستكون النتائج والأرقام عندها.
قطاع السياحة
اما بالنسبة لقطاع السياحة الذي كانت تعول عليه إسرائيل في الفترة الأخيرة بشكل كبير فقد تلقى ضربة مؤلمة فحسب جهاز الإحصاء المركزي زار إسرائيل في النصف الأول من 2023 2011 مليون سائح ووصل معدل انفاقهم الى 3.1 مليار دولار
وكان من المتوقع بناء على معطيات النصف الأول من العام 2023 ان يصل الدخل الناتج من السياحة في نهاية الماضي تقريبا 6 مليار دولار .
بل ان التأثير فاق الدخل الناتج من الانفاق ليصل الى الخطوط الجوية العالمية فمنذ اندلاع الحرب أوقفت كبرى الشركات العالمية للنقل الجوي الرحلات المتوجهة الى إسرائيل مما أدى الى خسارة مادية للعديد من الشركات وبحسب مؤشر بلومبيرغ للخطوط الجوية كان هناك هبوط بنسبة 2.6% على المؤشر بعد توقف الرحلات الجوية المتوجهة الى إسرائيل.
والخطوط الجوية الوحيدة المتبقية في الخدمة هي شركة العال الإسرائيلية لنقل الافراد للانخراط في التجنيد الاحتياطي للجيش الإسرائيلي مما يضيف تكلفة إضافية على خزينة الدولة ناهيك عن الخسارة من توقف قطاع النقل.
التكلفة المباشرة للحرب
أعلنت وزارة المالية الاسرائيلية انه تم تسجيل عجز في الميزانية قدره 17 مليار شيكل أي ما يعادل (4.5 مليار دولار) في شهر نوفمبر 2023.
وتحدث امير بارون محافظ البنك المركزي الإسرائيلي ان خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من الناتج المحلي ستصل الى أكثر من 10% أي ما يعادل 52 مليار دولار
في اقل التقديرات وفي الأيام التي تشهد تخفيف وتيرة العمليات العسكرية تكلف الخزينة 240 مليون دولار يوميا.
في المقابل فإن الخسائر اليومية نتيجة نقص العمالة المباشرة لجنود الاحتياط تكلف الدولة ما يقارب 100مليون دولار يوميا.
ولو اضفنا هذه الأرقام الى توقف العجلة الاقتصادية نتيجة توقف السياحة والطاقة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ونتيجة أيضا لوقف العمالة الفلسطينية في القدس وداخل الخط الأخضر ستظهر المشكلة الحقيقية التي تعاني منها إسرائيل خلال هذه الفترة والتي ستمتد الى ما يقارب عامين من التعافي للوصول الى 85% مما كانت عليه الأوضاع الاقتصادية ما قبل الحرب.
كل هذه التكاليف والخسائر، تجعل صناع السياسة النقدية والمالية في إسرائيل امام خيارين احلاهما مر لسد العجز الحاصل في الميزانية وهما كما يلي :