"الاقتصاد الاسرائيلي" يغرق بـ "طوفان الأقصى"
بوابة اقتصاد فلسطين
اليوم الخامس والأربعون للمحرقة الاسرائيلية في قطاع غزة، إنها ليست حربا عادية، إنها كتل من النيران تتساقط من السماء على رؤوس المواطنين الغزيين، إنها جثث ملقاة على أرصفة الشوارع، أشلاء متناثرة للأيدي والأرجل التي كان لها مسارها في الحياة...وأنفاس يخنقها ردم المساكن على رؤوس من فيها.. إنها ما لا عين رأت!
تخوض اسرائيل حربها هذه على المشافي، ومراكز الإيواء، تحارب الخُدج، وتمنع الماء والغذاء والدواء عن مواطنين عزل، مجزرة تختلف عن أي مجزرة ارتبكتها بحق الفلسطينيين من قبل، حيث ينغمس العدو في الدم الفلسطيني من رأسه لأخمص قدميه بتخبط وهمجية على مرأى العالم..
اسرائيل لديها ساعة تنتظرها وتسعى اليها، وهي ساعة إنهاء المقاومة في غزة، والمقاومة لديها ساعة البقاء والصمود تتشبث بها في مواجهة أعتى آليات الدمار الاسرائيلي والعالمي.
بدت اسرائيل في خطتها في المرحلة الأولية تعد لثلاثة أسابيع من القصف الجوي للبنى التحتية للمقاومة كما تدعي، مما يتيح لقواتها الوقت للخروج من صدمة الحدث والتجمع والتدريب وإعداد الخطط لمواصلة الحرب.
المرحلة الثانية مرحلة العدوان البري الذي بدأ في 27 أكتوبر، الذي رجحت مصادر عبرية استمراره لثلاثة أشهر، بعد استدعاء 350-300 ألف من جنود الاحتياط، هنا تبدأ مؤشرات الاقتصاد الاسرائيلي في الانهيار لارتفاع كلفة الحرب ولسحب هؤلاء من أماكن عملهم ومن موقعهم في السوق الاسرائيلي، حيث يمثل هؤلاء ما نسبته 8% من إجمالي القوى العاملة في إسرائيل.
اعتمدت اسرائيل الخطط التكيفية حيث ما تواجهه قوات الاحتلال من خسائر ومواجهة شرسة من المقاومين تبدد مطامع الخطط اليقينية، ما يعني تعمق الخسائر الاسرائيلية.
احدى صور هذه الخسائر أن ثمن دبابة Merkava Mk. IV للجيل الأخير التي تستخدمها اسرائيل في عدوانها على غزة يبلغ 7 ملايين دولار، بينما لا يزيد ثمن درون دمرها عن 500 دولار، مع العلم أن هناك 3 أنواع من الآليات العسكرية الإسرائيلية المتوغلة في غزة، وهي دبابات ميركافا، وناقلة النمر المدرعة، والجارفة.
هذا اذا تحدثنا عن خسائر في آليات الاحتلال، في الجهة المقابلة تتطلع اسرائيل لعودة جزء كبير من جنود الاحتياط لديها لأماكن عملهم محاولة إنعاش الاقتصاد الاسرائيلي، لكن ما تواجهه على أرض الواقع من خسائر يجعلها تغرق وتغرق بشكل أكبر، كما يجعل من المدد الزمنية التي تضعها للانتعاش الاقتصادي أضحوكة، على الاقل الحل السحري بشأن الأنفاق، بات خيارا مستبعدا لديها، وقد تختار إسرائيل سلسلة من "الانتصارات" الصغيرة.
مكامن الخسارة للاقتصاد الاسرائيلي:
ما يعمق أطماع اسرائيل بتحقيق مكاسب من الحرب هو ما ترى فيه حليفا طبيعيا لها، حيث تقع غزة على حدود البحر الأبيض المتوسط ما قد يمنح إسرائيل "ميزة" في نهاية الصراع.
واذا ما عاودنا استذكار الأحداث قليلا فإن اسرائيل كانت على صفيح اقتصادي ساخن بفعل ما أسمته خطة الاصلاح القضائي الذي تمضي حكومة بنيامين نتنياهو قدما في تنفيذها والتي تحد من سلطة القضاء لصالح السلطة التنفيذية.
بشأن الحرب على غزة، في تصريح لوزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قبل بضعة أيام قال فيه أن اسرائيل تستدين نحو7.8 مليارات دولار منذ بدء العدوان على غزة، أكثر من نصف المبلغ ديونا مقومة بالدولار جُمعت في إصدارات بالأسواق الدولية.
كبير الاقتصاديين في شركة "ميتاف" الاسرائيلية- أليكس زبينسكي- أشار الى أن أضرار الحرب ستفوق 18 مليار دولار، وهو ما يشكل حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي.
"طوفان الأقصى" رفعت نفقات اسرائيل بهدف تمويل جيشها وصرف تعويضات للشركات القريبة من الحدود، ولدفع تعويضات أيضا لأسر الرهائن المحتجزين لدى المقاومة في قطاع غزة، بينما الدخل من الضرائب أظهر تراجعا.
العجز في الموازنة الاسرائيلية ارتفع خلال آخر 12 شهرا إلى 2.6%. نتيجة العدوان على غزة.
من جهة أخرى تحذر وكالات تصنيف ائتماني من امكانية تخفيضها لتصنيفات إسرائيل إذا تدهورت المؤشرات الخاصة بالدين، ما يعنيه ذلك من ارتفاع لقيمة القروض والسندات، في وقت تشير المعطيات إلى تفاقم عجز ميزانية الاحتلال (خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي) بـ7 أضعاف مقارنة بالشهر ذاته من العام السابق.
حسب مصادر عبرية فإن الحكومة الإسرائيلية تقدر التكلفة اليومية للحرب بنحو 260 مليون دولار، لحرب دون أفق واضح، ودون جدول زمني معروف.
تقرير لبنك "جي بي مورغان تشيس" الأميركي، قال فيه إن الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11% على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، بسبب العدوان، أضف الى ذلك الخسائر الكبيرة لاقتصاد اسرائيل في الربع الرابع من العام 2023 بتبديد جميع ما حققه اقتصاد الاحتلال من مكاسب خلال العام الجاري بسبب العدوان على غزة.
أبرز الخسارات الاقتصادية لاسرائيل:
مع مرور 45 يوما على الحرب لا يوجد دخل للحكومة، حيث فقدان إيرادات اسرائيل بسبب الأضرار التي لحقت بالنشاط الاقتصادي، وذلك لاعتمادها على الضرائب، تقوم الحكومة بصرف ميزانياتها المتضررة أساسا من الحرب، بالتالي ستقتص الحكومة من ميزانيات لمشاريع ثقافية وبنى تحتية.
وقد شهدت عملة الشيكل الاسرائيلية تراجعا كبيرا أمام الدولار الامريكي ليصل سعرف الصرف إلى 4.08 شيكل/ دولار أثناء "الحرب". وبالعودة قليلا لمرحلة ما قبل الحرب نجد أن اسرائيل تعاني عانت أساسا من التضخم المالي في ظل ارتفاع سعر الدولار جراء حرب أوكرانيا وروسيا، والفائدة المرتفعة على القروض، وازدياد التضخم المالي وخاصة فترة الحرب.
وحاول بنك إسرائيل المركزي ضخ نحو 45 مليار دولار في محاولة لتحقيق استقرار في سعر صرف الشيكل، لكن محاولته أخفقت.
كما تراجعت القيمة السوقية لبورصة تل أبيب بنحو 25 مليار دولار بداية العدوان، كما تراجعت أسهم كبرى بنوك اسرائيل بنحو 20%
وشهد مؤشر بورصة تل أبيب تراجعات قدرت بنحو 15% خلال العدوان على غزة، كما تراجعت أسهم شركات اسرائيلية بنحو 35% مقارنة بفترة ما قبل العدوان.
وعلى جانب الأمن الغذائي، فإن اسرائيل تعتمد بشكل كبير على "أراضي المستوطنات" في غلاف غزة كمصدر زراعي هام، حيث 75% من الخضار في اسرائيل تأتي من هذه الاراضي، اضافة الى خسائرها من مزارع الدواجن والمواضي والأسماك، ما عرض أمنها الغذائي الزراعي للخطر.
وفي الجهة المقابلة بسبب التوترات مع حزب الله تعرضت مساحات زراعية على الحدود مع لبنان لتأخر القطف، وبالتالي خسارات كبيرة.
ولعل قضية العمال هي الضاغط الأكبر على حكومة الاحتلال، حيث هناك 300-350 الف تم استدعاؤهم للجيش وهم بالاساس قوى عاملة، اضافة الى 140-150 الف عامل فلسطيني كانوا يعملون قفي اسرائيل بمجالات البناء والزراعة وغيره، ناهيك عمن تركوا اعمالهم ليرافقوا أبناءهم في ظل الحرب الحالية، هذا العدد الكبير من الأيدي العاملة خسره الاقتصاد الاسرائيلي، والذي يحاول انقاذ نفسه بعقد الاتفاقات مع دول أخرى لجلب عمال لتعويض حاجة السوق، وهو ليس بالأمر الهين، حيث لا بديل لمهارة الأيدي العاملة الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى تكلفة جلب العمال من الخارج عالية، اضافة لأسباب اخرى تتعلق بخروج اجور العمال من السوق الاسرائيلي للخارج.
وتدرس حكومة اسرائيل اعادة عدد من جنود الاحتياط لتحريك الاقتصاد الاسرائيلي ومنعه من الانهيار، لكن ذلك يعتمد على سير "الحرب" وما تواجهه قوات الاحتلال من مقاومة شرسة في قطاع غزة.
ولا يمكن تجاهل المخلفات للحرب التي انعكست على الجانب النفسي لدى أصحاب المصالح التجارية، اضافة الى تعطل اعمال جنود الاحتياط والعمالة الفلسطينية وما نجم عنه من تجميد مخططات تأسيس وإقامة مشاريع تجارية بسبب حالة الحرب والترقب.
خبراء اقتصاديون في اسرائيل أشاروا الى أن 50% من الشركات تأثرت بشكل مباشر بسبب العدوان، و50% منها انخفضت نسبة المبيعات لديها حوالي 50%. أضف لذلك اجازات العمال التي لم يتضح بعد آلية التعامل معها، وان كانت مدفوعة الأجر أم ماذا؟ والى متى؟ حالة من الفوضى تعيشها الشركات الاسرائيلية في ظل الاحداث الحالية.
بشكل عام يبدو الاقتصاد الاسرائيلي هشا معرضا لمزيد من الانهيار في الأيام التالية، كل دعائم الاقتصاد في مرمى تأثيرات "الحرب"، حيث من الطبيعي أن ما كان قبل ال"حرب" لن يعود كسابق عهده، وبالتالي سيكون تعافي اقتصاد الاحتلال مرهونا بعدة عوامل، معظمها قائم على نهاية المطاف، وحجم التحكم في الغريزة الدموية لقادة الاحتلال التي ستقودهم لمزيد من الخسائر.