الرئيسية » مجتمع واقتصاد »
 
26 حزيران 2023

حوار مع رجا الخالدي | التكامل الاقتصادي بين شطري الخط الأخضر رافعة لتعزيز الحضور الفلسطيني

بوابة اقتصاد فلسطين

في نطاق رؤيته لإعادة توحيد الاقتصاد العربي في فلسطين يقول الباحث الاقتصادي رجا الخالدي، إن أحد أهم ركائز الحركة الاستعمارية الصهيونية كان تحديد ملامح اقتصاد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، من خلال تقسيمه، لتسود عليه بسيطرتها على الجغرافيا والموارد والأسواق ورأس المال، وعبر فرض أنظمة قانونية تميّز بين مختلف المناطق تحت هيمنة السيادة الإسرائيلية.

وهذه السياسة حققت نجاحات في عزل ما كان يشكل اقتصادا عربيا متناغما ومتصلا في فلسطين الانتدابية، وكان يشكل في حينها جزءا من "الاقتصاد الثنائي" للانتداب البريطاني في فلسطين، حيث أصبحت اليوم مكونات هذا الاقتصاد كلها تعتمد "اعتمادا مفرطا" على المركز الإسرائيلي.

وفي السياق، فإن إعادة رسم الصراع السياسي الفلسطيني بعدسة جامعة للفلسطينيين جميعهم تعني وجود حاجة لا تقل إلحاحا عن الدوافع السياسية الوطنية، لإعادة التفكير في مجمل الثقل "العربي" في توازن القوى الاقتصادية مقابل اقتصاد إسرائيل، ومن أجل تعزيز هذا الموقف في الصراع بغية التحرر الوطني والانعتاق من تبعية المحيط للمركز، ينبغي على أي إستراتيجية مستقبلية لتوظيف الاقتصاد أن تشتمل على هذا الجزء غير المحسوب حسابه لما يسمى بـ"الاقتصاد العربي" في إسرائيل.

ويصر الخالدي في إطار ما يسميها روايته البديلة، على بقاء فعلي لـ"اقتصاد عربي" ضمن أرض فلسطين التاريخية، حيث يتعايش فعلا نموذجين اقتصاديين متمايزين في هذه الأراضي، ولكن دون أي ملامح تكافؤ بينهما، أو إمكانية أن تتوقف عن الاتساع الفجوةُ التنموية بينهما، فهناك، كما يقول، اقتصاد يهودي لدولة إسرائيل مهيمن ومعولَم ويعتمد على الصناعة والمال والتكنولوجيا، وهناك أيضا "اقتصاد إقليمي عربي" صمد من الجليل حتى النقب ضمن الغلاف الاقتصادي والأمني والاستعماري الإسرائيلي.

وبطبيعة الحال، فإن الاستعمار الصهيوني هو مَن حال دون متابعة مسيرة تطور الاقتصاد الفلسطيني منذ ما قبل العام 1948، بعد أن شوّه الواقع الجيوسياسي، إلا أن هذا الاقتصاد الفلسطيني هو حقيقة على الأرض فعليا، رغم أنه ليس متجانسا وبالكاد يتواصل جغرافيا، كما أنه لا يشكل وحدةً واحدة مترابطة على شاكلة نظيره اليهودي الإسرائيلي.

فقد أصبح الاقتصاد الفلسطيني، كما يقول، مكونٌا من أقاليم أو مناطق تركيز عربية مختلفة متباعدة ضمن الاتحاد الاقتصادي المفروض عنوة، وغير المتكافئ مع اقتصاد إسرائيل (اليهودي)، وعلى الرغم من الاستنزاف أو التدهور الاقتصادي فقد قاومت هذه الأقاليم الاقتصادية بوسائل قانونية وديموغرافية وسياسية المنطق الإقصائي المطلق للزحف الاستعماري، وها هي أطلال الاقتصاد العربي الأصيل لفلسطين وهي أربعة إن لم يكن أكثر، معازل اقتصادية جغرافية غير مترابطة مبعثرة من البحر إلى النهر، كلها تحت سيادة دولة إسرائيل.

ويعيش كلٌ من هذه المعازل الاقتصادية مساره الخاص من التبعية أو الاستقلال عن اقتصاد المركز الإسرائيلي (المتروبول)، بعد أن فقد تواصله التاريخي ووحدته الذاتية، والتي كان من شأن استمرارها المحافظة على سيناريو الاقتصاد الثنائي ضمن اتحاد اقتصادي متوازن.

ضمن هذه الرؤية يعقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" الذي يديره الخالدي بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ندوة تحت عنوان "عودة تلاحم الاقتصاد العربي في فلسطين" وذلك بحضور شخصيات سياسية وأكاديمية من طرفي الخط الأخضر، حيث سيتم خلالها إطلاق ورقة سياسات اقتصادية حول آفاق التعاون الاقتصادي والتكامل الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر.

وتأتي هذه الندوة بالتزامن مع المؤتمر الذي عقده مركز "مدى الكرمل" في الناصرة الأسبوع الفائت تحت عنوان "العلاقات بين الفلسطينيين في فلسطين التاريخية"، لتعزز هذا التوجه الذي يتنامى في الآونة الأخيرة.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، رجا الخالدي، حول هذا الموضوع.

الخالدي: أنا أتحدث وأكتب عن هذا الموضوع منذ عقود واليوم نستطيع القول إننا أمام مشروع يقوم به ويرعاه معهد "ماس" بالتعاون مع "المركز العربي" للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسات بحثية واقتصادية في مناطق الـ48، وهو يحتوي على دراسة شاملة تتضمن مسحا شاملا للمعطيات الاقتصادية داخل الخط الأخضر وفي مناطق السلطة الفلسطينية وتشخيصا للتحديات وأبحاثا ميدانية.

في الأسبوع القادم سنطلق "منصة بيانات" تتضمن نتائج المسح الشامل الذي أجريناه بالتعاون مع جمعية "الجليل"، للمنشآت الاقتصادية في مناطق الـ48، كما سيصدر عن الندوة التي سنعقدها بالتعاون مع "المركز العربي" للأبحاث ودراسة السياسات، ورقة توصيات تعالج معضلة الاقتصاد العربي الفلسطيني في سياق الهيمنة الإسرائيلية الشاملة والسيادة الإسرائيلية الشاملة.

وفي النهاية سيتم جمع مفردات المشروع في كتاب يصدر قريبا عن "المركز العربي" للأبحاث ودراسة السياسات ويشمل المسح الميداني لمنشآت مناطق الـ48 الاقتصادية ومعطيات عن الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية بما يشمل أبحاث ميدانية ومقابلات مع رجال أعمال بالإضافة إلى التوصيات وورقة السياسات.

الخالدي: صحيح، ولكن من المفيد الإشارة إلى أننا نتحدث عن واقع قائم نحاول تسهيل طريقه وترشيده بما يخدم التعاون والتكامل الاقتصادي وأهدافه السياسية، فكلنا يعرف أن أهلنا في الـ48 يتدفقون في نهاية الأسبوع وخلال أيام الأسبوع إلى أسواق جنين ونابلس وطولكرم ويدعمون بحجيجهم للقدس اقتصاد المدينة، مثلما يستثمرون في السوق العقاري في روابيط وأريحا وغيرها.

بالنسبة لإسرائيل النقد الذي يتدفق إلى أسواق الضفة الغربية هو بمثابة "تبييض أموال" ولكن بالنسبة للسلطة الفلسطينية هو استثمار شرعي في اقتصادها، ومن الجدير التنويه أن حجم هذا الاستثمار، وفق درسة اجراها د. عاص أطرش لصالح "سلطة النقد الفلسطينية" يقدر بـ1.5 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر من الصادرات الفلسطينية المسجلة ويعادل نصف عوائد الـ250 ألف عامل فلسطيني الذين يعملون في إسرائيل.

ولكن هناك الكثير من المجالات المغلقة أمام فلسطينيي الـ48، فهم ممنوعون من الاستثمار في الأرض ومن الاستثمارات البنكية وغيرها العديد من مجالات الاستثمار التي لو فتحت كلها أو بعضها أمامهم لازداد حجم هذا الاستثمار عما هو عليه الآن.

بالمقابل هناك العديد من المنتجات التي تستوردها مناطق السلطة الفلسطينية أو من الممكن استيرادها، من منشآت اقتصادية في مناطق الـ48 لتعزيز هذا التبادل والتكامل وبالتالي تقوية الاقتصادين وتقليل ارتباط كل منهما بالاقتصاد الإسرائيلي.
 

الخالدي: للحقيقة فإن الطرف الفلسطيني في مناطق السلطة الفلسطينية واع لهذا الموضوع وهو يناقش دائما في نطاق المؤسسات السياسية والاقتصادية، على غرار مجلس الوزراء والغرف التجارية وعلى مستوى رجال الأعمال في القطاع الخاص، لكن هناك الكثير ما يمكن فعله والذي نورده في ورقة التوصيات، مثل تحسين البنية الاستثمارية وإجراء تعديلات على القوانين الاستثمارية، الاستثمار في البنية التحتية وتخصيص الأراضي والحيز العام الملائم لتطوير المصالح الفلسطينية المشتركة وتطوير قاعدة بيانات مشتركة حول الفرص الاستثمارية المتاحة.

لكن المشكلة تكمن في مناطق الـ48 أساسا، لأنها تفتقد إلى مرجعيات اقتصادية وحتى مرجعيات سياسية مستقلة، فالطرف الوحيد المؤهل للعب هذا الدور هي اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية وهي مشغولة بقضاياها وأزماتها الداخلية ولا يفكرون في الاستفادة من هذه العلاقة، ولذلك هناك الكثير ما يجب عمله هناك، وربما ينظر البعض لهذه العلاقة كتهديد وليس كرافعة اقتصادية تخدم الطرفين. مع ذلك نحن نعتقد أن اللجنة القطرية هي الطرف المؤهل لأنها منتخبة ووطنية ولها سلطة على الأراضي والمناطق الصناعية.

الخالدي: هناك ما يناهز الـ80 سلطة محلية في 40 منها هناك نوع من البنى الاقتصادية التي يبنى عليها، حيث بين المسح أن هناك ما يناهز 240 منشأة اقتصادية أفادت 16% منها بأن لها استثمارات في الضفة الغربية و27% تستورد المواد الخام من الضفة الغربية، كما أفادت 59% منها بأن لا مشكلة لديها في استقطاب عمالة من الضفة الغربية.

وبالنسبة للاستثمار في الضفة الغربية أفادت 40% من هذه المنشآت بأنها تواجه مشاكل في الحصول على تراخيص، و60% أشاروا إلى معيقات في نقل البضاعة وتكلفة النقل العالية، بينما قال 55% إنه ليس لديهم معلومات حول المشاريع الاستثمارية.

المسح هو بمثابة خارطة طريق لمجالات وآفاق التعاون الاقتصادي ومقتضياته لدى الطرفين، تشتق منه توصيات وورقة سياسات اقتصادية، ونحن نقول في هذا الباب إن السلطة الفلسطينية تستورد ما قيمته 6 مليار دولار من إسرائيل ومع وعينا أن المنتجات العربية في مناطق الـ48 لا يمكن أن تسد هذه الحاجة بالكامل إلا أنها من الممكن أن تسد جزءا منها، كما أن هناك الكثير من القطاعات مثل الصناعات التحويلية والهايتك التي يمكن التعاون والتكامل فيها.

"عرب 48": كما نعرف تعاونتم أيضا مع لجنة المتابعة في مشروع مؤتمر القوى البشرية؟

الخالدي: نعم تعاونا مع لجنة المتابعة في إنجاز المؤتمرين الأخيرين للقوى البشرية، إلا أن المتابعة لم تستطع على ما يبدو تشكيل نواة من المتابعة للإشراف على المشروع وبالتالي الفكرة ظلت موجودة لكن المجموعات انفضت.

ما عدا ذلك فإن مناطق الـ48 تزخر بمشاريع الاندماج والإلحاق الاقتصادي التي يمولها بنك إسرائيل وشركات المحاسبة والبورصة الإسرائيلية، والتي يجب العمل على قطع الطريق عليها من خلال تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي بين شطري الشعب الفلسطيني في الوطن الواحد.

كلمات مفتاحية::