محللون: المسؤولية المجتمعية غائبة عن مؤسساتنا
أثارت طريقة توزيع الأموال التي تخصصها الشركات للمسؤولية الاجتماعية خلال الأشهر الماضية تحفظا كبيرا لدى عدد من المحللين والمتابعين الذين اعتبروا أن توزيع الأموال الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية يتم بشكل انتقائي وارتجالي وغير مدروس ولا يسهم في التنمية المجتمعية المستدامة، بل يندرج في إطار مساعي الشركات للتسويق لنفسها فقط على حساب متلقي هذه المساعدات.
رام الله- بوابة اقتصاد فلسطين| وفي هذا الإطار، اعتبر مسؤولون ومختصون أن المطلوب في الوقت الراهن هو خطة مجتمعية شاملة خاصة بالقطاع الخاص تقوم على خلق جسم خاص بالمسؤولية المجتمعية، تتبرع عبره الشركات بالنسبة التي تحددها للمسؤولية المجتمعية ويقوم هذا الصندوق بالتركيز على قطاع معين لخلق تنمية فيه بدل من إضاعة الأموال هنا وهناك بشكل غير مدروس ولا يخلق تنمية في المجتمع.
ورأى المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم، إنه يوجد انتقائية شديدة في موضوع المسؤولية المجتمعية، حبث تقوم الشركات باستخدام هذه المسؤولية من أجل التسويق لنفسها فقط، لذى يجب أن ينتقل القطاع الخاص من الدور الخيري الارتجالي إلى الدور التنموي في المجتمع بالاعتماد على خطط مدروسة في هذا السياق.
وأضاف عبد الكريم أنه من الصعب التفريق بين ما تنفقه شركات ومؤسسات القطاع الخاص تحت مسمى 'مسؤولية مجتمعية' وبين ما تنفقه على الدعاية والتسويق، لأنه يوجد خيط رفيع بين المسألتين، و'أنا أرى أن معظم ما ينفق هو للدعاية والإعلان، فهي مصاريف تسويق ودعاية وإعلان ومصاريف علاقات عامة، ولا أظن أنه يمكن ادراجه تحت بند 'المسؤولية المجتمعية'، لأن المسؤولية المجتمعية تحتاج إلى بعض الشروط أبرزها وجود موازنة مقرة لذلك من قبل مجلس إدارة الشركة ويحدد فيها أولويات إنفاق هذا البند وشروط الانفاق، وأن تتساوق مع الاهداف الوطنية العامة للدولة في المجالات التي تراها مثل الصحة والتعليم وغيرها'.
ورأى عبد الكريم أنه يجب إن يكون هناك خطط وبرامج للمسؤولية المجتمعية، ويجب الإفصاح عن ما ينشر بشكل عام، وكذلك الإفصاح عن المستفيدين المحتملين، وعند ذلك يمكن نشر أخبار وإعلانات حول الموضوع ولكن نشر الخبر قبل القيام بالمسؤولية المجتمعية أمر لا يحتمل في هذا المجال.
وقال إن المطلوب من كل شركة خطة كاملة تحدد المبلغ الذي ستنفقه وتحدد أهدافه، بشكل يتساوق مع الأهداف العامة في هذا المجال، وتحقيق المساءلة عن ذلك، ويجب أن يشمل التقرير السنوي الختامي شرحا وافيا عن تنفيذ برامج المسؤولية المجتمعية والمبالغ التي صرفت والخطة الموضوعة لذلك، ومقارنة حجم المسؤولية المجتمعية مع الموازنة العامة للمؤسسة.
وأشار عبد الكريم إلى أنه بدل أن تعمل كل الشركات على إنتاج برنامج مسؤولية مجتمعية بمفردها، يجب أن يكون هناك برنامج شامل للقطاع الخاص يجمع الجهود في إطار صندوق يتم الاتفاق عليه في إطار صندوق القطاع الخاص للمسؤولية المجتمعية تحت إطار المجلس التنسيقي للقطاع الخاص، وكل شركة تقدم نسبة من أرباحها ويقوم الصندوق بتقديمها لمستحقيها.
وقال عبد الكريم إن المسؤولية المجتمعية لا يمكن إلزام أحد بها بل أن مفهومها وجوهرها وروحها هي مسؤولية طوعية، نتجت عن الاحساس بالمسؤولية الوطنية بدافع أخلاقي وأصبحت الشركات تشعر بمسؤوليتها تجاه البيئة الفقيرة والضعيفة وتقديم المساعدات لها، إدراكا من أنه لا يمكن إن يستمر بناء شركة ونجاحها في ظل مجتمع فقير لذا هي تنفق على تمكين المجتمع في الغالب.
من جانبه، قال مسؤول وحدة الشكاوى في جمعية حماية المستهلك محمد شاهين، إن المسؤولية المجتمعية تختلف عن المنة والإحسان، وما يجري من قبل عدد من المؤسسات يندرج في إطار المنة والاحسان ولا يندرج ضمن إطار المسؤولية المجتمعية التي هي بحاجة لخطة عامة من الحكومة تصب في فيها كل المؤسسات .
وأضاف،المطلوب هو تظافر الجهود لتصب المسؤولية المجتمعية خدمتها في خدمة المجتمع وتطوير جوانب محددة من الاحتياجات المجتمعية وهي مسؤولية المسؤولين عن التخطيط في الحكومة والقطاع الخاص والقطاع الأهلي، وكل المؤسسات ذات العلاقة لتصب المسؤولية المجتمعية في إطار محدد وهادف وواضح وله متابعة ومخرجات واضحة.
إلى ذلك قال وزير التخطيط السابق د. سمير عبد الله، إنه يوجد بعد دعائي لموضوع المسؤولية المجتمعية وهذا أمر لا يضيرها، لان ما يقدم في هذا المجال يسهم في مساعدة المواطنين والمشاريع، فالقطاع الخاص يقدم تحت بند المسؤولية المجتمعية الكثير من المساعدات للمجتمع.
وقال إن ما يجري تقديمه يندرج في سياق تضامن مجتمعي، يهدف لسد احتياجات عامة وضرورية للمجتمع، والوضع يمكن أن يكون أفضل لو وجد تشجيع للمؤسسات على الأنفاق بشكل أكبر على المسؤولية المجتمعية، ويمكن أن يكون لذلك فوائد أكبر بكثير، لذا يجب أن لا يبقى الموضوع على علاقة مباشرة ما بين المستفيد ومقدم الدعم، بل يجب البحث عن أولويات التنمية ومحاولة تحقيقها بالاستفادة من المسؤولية المجتمعية للشركات.
وقال إن العديد من المؤسسات الاقتصادية والمصرفية حاولت تنظيم هذا القطاع وفرض نسبة محددة على الشركات من أرباحها لصالح المسؤولية المجتمعية لكنها فشلت في ذلك، لغاية الآن فهذا القطاع بحاجة للتنظيم بشكل أكبر ليجري صرف هذه الأموال بشكل يسهم في التنمية المستدامة في الوطن، بشكل دائم، ويساعد الشركات على إنفاق الأموال التي ترغب في التبرع بها في مكانها الصحيح.
وبين عبد الله، أن المطلوب هو خطة مجتمعية شاملة من أجل إدارة قطاع المسؤولية المجتمعية كما يجري في الدول المتقدمة، حيث تقوم جهة محددة بإدارة هذا المال لخلق تنمية مستدامه في بلادها.
إلى ذلك، قال رئيس المجلس التنسيقي للقطاع الخاص، رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية خليل رزق، لا يوجد جهود كبيرة لترتيب مساهمة الشركات في المسؤولية المجتمعية، فالشركات تقتطع ما تراه مناسبا من أرباحها وتقوم بتوزيعها على مؤسسات المجتمع المدني والمعوزين، وأن المطلوب هو تنظيم المسؤولية المجتمعية، وقد بدأنا بإنشاء صناديق خاصة لمساعدة الناس في مختلف المجالات من خلال المسؤولية المجتمعية للشركات، وقريبا سيتم الإعلان عن صندوق خاص لرعاية الجامعات وتسليم المساعدات للطلبة المحتاجين، ونأمل أن تتطور هذه الصناديق إلى صندوق واحد للمسؤولية المجتمعية.
وأضاف رزق، البعض يعتبر أن الأموال التي يدفها هي أموال زكاة، وبعض الشركات تريد أن تخرج هذه الأموال بنفسها وليس عبر صندوق خاص، والبعض يتوجه لمؤسسات المجتمع المدني لتساعد في توزيع الاموال والتوجيه لمن هم بحاجة لها، لذلك يصعب جمع هذه الأموال في بوتقة واحدة في الوقت الراهن.
(بلال غيث- وفا)