برنامج "مستدامة" خطوة نحو اقتصاد صديق للبيئة يستند إلى تكنولوجيا الطاقة النظيفة
بوابة اقتصاد فلسطين
أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" برنامج "مستدامة" في نهاية عام 2019، لتعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصناعي الفلسطيني بواسطة تدابير وابتكارات الطاقة المستدامة.
تصميم البرنامج اعتمد على نهج شامل قائم على ركائز أساسية تتمثل في خلق بيئة سياساتية مواتية، وتطوير القدرات المحلية لتنفيذ حلول الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، ورفع الوعي لتحفيز الإقبال على الطاقة النظيفة، وتعزيز بيئة الابتكار وريادة الأعمال بتأثيرٍ بعيد المدى.
شركاء وأدوار
يُنفّذ برنامج مستدامة بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الوطني، وبالتعاون مع سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية، وبتمويل من مكتب الاتحاد الأوروبي في القدس.
يقول أحمد الفرا مدير "مكتب اليونيدو في فلسطين" لــ "آفاق البيئة والتنمية" إن منظمة اليونيدو في فلسطين أدرجت أمن الطاقة وسبل الوصول إلى مصادر طاقة جديدة في إستراتيجيتها لتحقيق تنمية صناعية شاملة ومستدامة عن طريق برنامج "مستدامة"، والذي يسعى لترويج واعتماد حلول كفاءة استخدام الطاقة والطاقة المتجددة على نطاقٍ واسع في القطاع الصناعي ليكون وسيلة تزيد من قدرة المؤسسات الفلسطينية على الصمود والمنافسة.
وأشار الفرا إلى أن دور "اليونيدو" يتمثّل في تدعيم النظام البيئي للتكنولوجيا النظيفة، الذي ساعد برنامج "مستدامة" في بنائه، وكذلك خدمات ما بعد التسريع الجديدة، والمواد التعليمية المخصصة، ومختبرات التصميم الرقمي للأجهزة، والإرشاد المتخصص في احتياجات التكنولوجيا النظيفة، والأهم من ذلك، مع نظام "مِلكية وطنية" يمكنه احتضان وإنجاح هذا الأنموذج، وبالتالي الشركات الفلسطينية في هذا القطاع يمكن أن تنمو وتساهم في تعزيز القدرة التنافسية للطاقة ومكافحة تغير المناخ.
ويساهم برنامج "مستدامة" في التصدي لبعض التحديات الرئيسة التي تواجهها الصناعات الفلسطينيّة فيما يخص الطاقة من حيث توريدها، وإمكانية الوصول إليها واستهلاكها والتكنولوجيا المتصلة بتحسين كفاءتها وتحقيق الاستقرار والاستدامة على المدى الطويل.
ويمضي الفرا في حديثه قائلًا: "البرنامج يدمج ما بين تطوير وصيانة وتصميم تقنيات الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة من جهة، واستخدام المبادئ الإرشادية للطاقة المستدامة وتعزيز الابتكار المحلي في مجالات التكنولوجيا النظيفة وتشجيع ريادة الأعمال من جهة أخرى".
ويساعد البرنامج على دعم وتطوير السياسات والأنظمة المتصلة بالطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، إضافة إلى تنمية المهارات والكفاءات المحلية لتصبح قادرة على تصميم وتنفيذ مشاريع في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة.
كما يشجع الطلب على تكنولوجيا الطاقة المستدامة في الصناعة لتعزيز اقتصاد أخضر يراعي البيئة، فضلًا عن احتضان ورعاية المبتكرين ورياديّي الأعمال الفاعلين في قطاع التكنولوجيا النظيفة، تبعًا لحديث مدير "مكتب اليونيدو".
في حين أن دور سلطة الطاقة والموارد الطبيعيّة الفلسطينية في البرنامج يتمثل، كما أوضح باسل ياسين مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة، في المشاركة الفاعلة في تشغيل وتطبيق أنظمة صافي القياس وغيرها من المبادئ الإرشادية لسياسة وترويج حلول كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
ويقول ياسين إن البرنامج يعمل أيضًا على تحسين ممارسات الاستغلال الأمثل للطاقة، وتشجيع استخدام حلول الطاقة المتجددة، وتطبيق نهج شامل يراعي جوانب العرض والطلب في إدارة الطاقة.
إنجازات في عدة اتجاهات
ماذا عن دور وزارة الاقتصاد الوطني في هذا الشأن؟ يقول خضر ضراغمة مدير عام الإدارة العامة للصناعة فيها، إن وزارته شريكة في مرحلة تصميم وتنفيذ البرنامج، وذلك بدعمها للمؤسسات الصغيرة جدًا والصغيرة والمتوسطة الحجم لتطوير بيئة اقتصادية وتجارية ملائمة، والحصول على تأثير مستدام في التنمية الاقتصادية للقطاع الصناعي الفلسطيني.
وأحرز برنامج "مستدامة" تقدمًا في مجال تدعيم السياسات والأنظمة، ولا سيما إطار صافي القياس، الذي نُفّذ تحت إشراف اللجنة الفنية، والتي تشرف عليها حاليًا دائرة الصناعات الخضراء، وأُنشئت حديثًا في وزارة الاقتصاد الوطني.
ويرى ضراغمة أن إنشاء دائرة الصناعات الخضراء في وزارة الاقتصاد، كان إحدى ثمار النجاح للبرنامج، حيث ستتولى الدائرة في ختام البرنامج، قيادة اللجنة الفنية، وستواصل ربط جميع اللاعبين في قطاع الطاقة النظيفة والمستدامة بواسطة منصة "نظير إلى نظيرPeer-to-Peer " التي طورّها البرنامج.
وبالعودة إلى الفرا فقد أبدى مجددًا رضاه عن النتائج التي حقّقها البرنامج، واصفًا إياها بـــ "الإيجابية" لا سيما تلك التي حققها في مجالات تدريب نظام إدارة الطاقة، والتدريب في كل من الطاقة المتجددة والتحليل المالي، كما أحرز تقدمًا في عمليات تدقيق الطاقة المكتملة للمشاريع النموذجية، المدعومة بعملية جمع بيانات متينة والتشبيك بمصادر التمويل، على حد قوله.
ولعل الأثر الأبرز للبرنامج بيئيًا يكمن في تخفيض الكربون، فقد ساهم في تخفيض 11,796 طنًا من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وتوفير 7,911 ميغاواط/ ساعة من الطاقة سنويًا.
وأكد الفرا أن الفجوة في عملية التحول للطاقة المستخدمة في الصناعة دفعت للعمل على تعزيز الروابط بين أصحاب المصلحة الفلسطينيين في مؤسسات التمويل والقطاعات الصناعية، وبالتالي تمويل مشاريع تخفيض التكلفة وتخفيض انبعاثات الكربون.
وحول تخفيض انبعاث الكربون، يشير الفرا إلى أن "البرنامج" يقدم حلولًا للعديد من الصعوبات التي تعترض الصناعات الفلسطينية، إذ تُعد التكلفة العالية للكهرباء - وهي من أعلى الأسعار في العالم العربي - حافزًا للتحول إلى أشكال الطاقة المتجددة التي تمكّن من إنتاج طاقة نظيفة وتولّد محليًا.
ومع ذلك، تتطلب إدارة تحول الطاقة خبرة فنية واسعة، لا تستطيع الشركات الوصول إليها دائمًا، وأدوات مالية يمكنها تمويل إدخال المعدّات التكنولوجية الجديدة.
ولسد هذه الفجوة، يعمل برنامج "مستدامة" مع 100 منشأة صناعية فلسطينية على تطوير عمليات تدقيق الطاقة المكتملة، تشمل دراسات جدوى لتدابير كفاءة الطاقة وتقنيات الطاقة المتجددة، بناءً على الخصائص المحددة لكل منشأة.
وعلاوة على ما سبق، يدعم "مستدامة" بأنموذج أعمال مصمّم خصيصًا يتضمن توقعات تقديرية للطاقة التي ستوّفر، وكذلك التشبيك بالأدوات المالية التي يمكن أن تسرّع من تحوّل هذه الصناعات نحو تطبيق حلول الطاقة المستدامة لديهم.
ومن أبرز إنجازات البرنامج؛ مسابقة فلسطين للابتكار في التكنولوجيا النظيفة "كلينتك"، حيث نُظّمت نسختان من مسابقة "كلينتك فلسطين" في عامي 2021 و2022. ولعب دورًا رائدًا في التعريف بمفهوم التكنولوجيا النظيفة، ودفع تطوير صناعة التكنولوجيا النظيفة في فلسطين قدمًا.
وحسب حديث الفرا، لم يقتصر البرنامج على توفير التمويل للمشاريع التجارية المبتكرة فحسب، بل ساهم أيضًا في بناء قدرات كل من الشركات الناشئة والمنظمات المضيفة، وشجّع التشبيك التجاري، ووفر روابط مع المستثمرين المحتملين وأصحاب المصلحة الآخرين بما يحقق النمو والاستدامة للنظام البيئي الفلسطيني للتكنولوجيا النظيفة.
ويُعد "برنامج فلسطين للابتكار في التكنولوجيا النظيفة" أول برنامج لرواد التكنولوجيا النظيفة وتسريع مشاريعها كما يوضح الفرا، في إطار برنامج "مستدامة".
وتشير "التكنولوجيا النظيفة CleanTech" إلى جميع التقنيات والحلول المصممة لمواجهة التحديات البيئية، بما في ذلك إمدادات الطاقة وتحسين الموارد، وتعزيز التنمية المستدامة.
كما وتعد "التكنولوجيا النظيفة"، مجالًا تنمويًا مهمًا لتحقيق مستقبل مستدام، لأنها تساعد في تقليل الأثر السلبي للأنشطة البشرية على البيئة وتخفيف آثار تغير المناخ.
يقول الفرا إن هذه الصناعة قد نمت بسرعة في السنوات الأخيرة، فقد بلغ حجم السوق في عام 2021 200 مليار دولار، ومن المتوقع أن تستمر في النمو في السنوات القادمة.
محطات البرنامج الأربعة
يقول خضر ضراغمة إن برنامج "مستدامة" مرَّ بأربع محطات، الأولى تعزيز السياسات والأنظمة المتصلة بالطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة في القطاع الصناعي، وقد عُقدت اجتماعات اللجنة الفنية المشكلّة بقرار وزير الاقتصاد خالد العسيلي لمناقشة الموضوعات الخاصة، بدعم سياسات الطاقة المستدامة بما يخدم القطاع الصناعي الفلسطيني، وما تبعه من تشكيل دائرة الصناعة الخضراء (Green Industry Department ) بما يضمن تطوير السياسات الخاصة بقطاع الطاقة، والقطاع الصناعي الفلسطيني.
كما أعدّت وزارة الاقتصاد مسودة لتعديل "نظام صافي القياس الحالي"، ومسودة اتفاقية للنظام صافي القياس لربط المصانع، والذي بناءً عليها ستعدّ نسخة نهائية منها بعد الانتهاء من عمل الدراسات المطلوبة من اللجنة الفنية.
وقال ضراغمة أن العمل جارٍ بواسطة مقدم الخدمات لتقييم الأثر الفني والأثر المالي على شركات التوزيع من أنظمة الطاقة الشمسية ونظام صافي القياس الحالي.
بينما تمثلت المحطة الثانية في تطوير المهارات والكفاءات المحلية لتصبح قادرة على تصميم وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، وذلك باستمرار عقد برامج التدريب التدريبات المختلفة والمتصلة في الطاقة المستدامة وكفاءة الطاقة، والانتهاء من تدريب 28 خبير وخبيرة في إدارة نظم الطاقة في برنامج الخبراء، مع استمرار التدريب لـــ 61 خبير وخبيرة في برنامج إدارة نظم الطاقة.
كما خضع للتدريب 106 متدرب ومتدربة في تصميم وتركيب وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية، إضافة إلى تدريب 62 متدرب ومتدربة في برنامج تحسين الأداء المالي في الإنشاءات الصناعية، وتدريب 114 متدرب ومتدربة في البرامج التدريبية المتخصصة في الضبط الأمثل للطاقة.
وقد اُنتهي من تطوير الموقع الإلكتروني (طاقات) الذي سيعمل، كما هو مخطط له، على ربط الخبراء في مجالات الطاقة المختلفة والمورّدين الفلسطينيين مع المصانع الفلسطينية للاستفادة من الخدمات الخاصة في الطاقة المستدامة وكفاءة الطاقة.
أما المحطة الثالثة فتمثلت في تشجيع الإقبال على تكنولوجيا الطاقة المستدامة لتعزيز اقتصاد أخضر يراعي البيئة، وقد اُنتهي من إجراء تدقيق طاقي تفصيلي لما يزيد على 60 مصنعًا، والعمل مستمر لاستكمال ما لا يقل عن 100 مصنع نفّذ العديد من التدخلات الخاصة في كفاءة الطاقة، بحيث وفرّت الكثير على فواتير الطاقة الخاصة بالمصانع المستفيدة من البرنامج، مما استحوذ على اهتمام المصانع الفلسطينية بمجال كفاءة الطاقة، وذلك بسبب النتائج الملموسة على أرض الواقع، تبعًا لحديث ضراغمة.
وذكر ضراغمة أن التصاميم التفصيلية الخاصة بالتدخلات اللازمة أُنجزت لهذه المصانع المستفيدة من البرنامج. وكذلك إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لهذه المصانع، وأثر تدخلات الطاقة فيها لتُربط مع المؤسسات التمويلية المختلفة، ومحاولة عقد اتفاقيات مع مصادر تمويل مختلفة لتسهيل تمويل المصانع من أجل تنفيذ تدخلات كفاءة الطاقة والطاقة الشمسية.
كما أشار الى توفير أجهزة القياس اللازمة لعمل "التدقيق الطاقي" لتكون تحت إدارة دائرة الصناعة الخضراء في وزارة الاقتصاد، حيث سيُنظم تدريب خاص بهم بالتعاون مع سلطة الطاقة ومجلس تنظيم قطاع الكهرباء.
وقد قُيّمت المصانع المرشحة لرواد الطاقة المستدامة وكفاءة الطاقة، وكان الفائز هو مصنع "رويال للصناعات البلاستيكية".
أخيرًا، المحطة الرابعة والخاصة بتشجيع ورعاية المبتكرين ورواد الأعمال الفاعلين في مجال التكنولوجيا النظيفة تمت بعقد نسختين من "مسابقة فلسطين للابتكار في تكنولوجيا الطاقة النظيفة"، وقد قُدّمت أكثر من 50 فكرة ريادية وتشمل ما يزيد على 180 رياديًا شاركوا في المسابقة، والتي فاز فيها المشاركون بجائزة قدرها 25,000 يورو.
ويختم حديثه: "البرنامج مستمر في تقديم الخدمات للأفكار المتميزة، ومساعدة أصحابها في الوصول للتمويل اللازم والأسواق المختلفة، وكذلك تطوير النظام البيئي للتكنولوجيا النظيفة في فلسطين بقيادة وزارة الاقتصاد.
دعوة للاستمرارية
الشركاء في برنامج "مستدامة" أعربوا عن آمالهم في الاستمرار في البرنامج، إذ يقول باسل ياسين مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة، إن المشروع حقّق إلى حد ما المرجو منه، مشيدًا بدور البرنامج في التواصل مع الجهات الشريكة لحلول وسطية مُرضية للأطراف كافة في مجال الطاقة المتجددة، من شركات التوزيع والمستثمرين والبلديات والمجالس المحلية.
وأكد أن العديد من أصحاب المصانع تعهدّوا بالالتزام بتوصيات البرنامج، تحديدًا فيما يخص مجال تقليل انبعاث الكربون وحماية البيئة، متمنيًا ألا يتوقف العمل في المشروع بانتهاء التمويل، وإنما البناء عليه مستقبلًا.
حسناء الرنتيسي- مجلة افاق البيئة والتنمية