الأضرار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة
بوابة اقتصاد فلسطين
انتهت جولة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 13 من مايو/ أيار 2023، بعد خمسة أيام من اندلاعها، وكانت دولة الاحتلال قد بدأتها باغتيال 6 من أبرز قادة المجلس العسكري لسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في عملية استخبارية دقيقة، شارك بها سلاح الجو وجهاز الأمن العام (الشاباك). وأسفرت عملية ثأر الأحرار -أو المسماة “الدرع والسهم” حسب رواية الاحتلال الصهيوني- عن ارتقاء 33 شهيدا، وإصابة قرابة 200 مصاب.
وفي سياق متصل، فاقم العدوان الإسرائيلي من الأضرار الاقتصادية ضد قطاع غزة، في ضوء تركيز سلاح الجو الإسرائيلي على استهداف المرافق المدنية والمقدرات الاقتصادية ومنازل الآمنين بهدف ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية.
ووفقا لمسح أولي أجرته المؤسسات الحكومية في قطاع غزة، فقد تجاوزت خسائر القطاع الاقتصادية المباشرة 14 مليون دولار، إلا أن الأضرار غير المباشرة تفوقت على هذا الرقم بدرجة أكبر، فقد تجاوزت 50 مليون دولار في ضوء تعطل قطاعات واسعة في الاقتصاد عن العمل.
وتحاول السطور التالية استعراض الأضرار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي، حتى أنها زادت من معاناة الغزيين المنهكين في ترميم الأضرار التي لحقت بهم جراء جولات التصعيد المتكررة التي تجاوز عددها 15 عملية عسكرية إسرائيلية واسعة منذ العام 2007.
بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة 2041 وحدة سكنية، منها 31 منزلا دُمر بشكل كلي تضم 93 وحدة سكنية، كما باتت 128 وحدة سكنية غير صالحة للسكن وتحتاج لتدخل هندسي عاجل لتصبح آمنة للسكن، فيما تجاوز عدد الوحدات المتضررة بشكل جزئي جراء شظايا الصواريخ التي طالتها 1820 وحدة سكنية. وقدرت الجهات الحكومية قيمة الخسائر لقطاع الإسكان بـ9 مليون دولار، دون احتساب الخسائر المرتبطة بفقدان الأثاث والممتلكات داخل هذه المنازل، التي تُقدر بثلث الأضرار المباشرة بما قيمته 3 ملايين دولار.
تسبب القصف الإسرائيلي بإحداث 200 حفرة في الأراضي الزراعية، كما تضرر 10 آلاف دونم من خطوط الري، وأتلف 600 دونم من الأراضي المزروعة بالخضروات والفواكه، وتعرض 150 دفيئة زراعية للقصف، وتعرض عدد كبير من مزارع تربية الدواجن والمواشي وخلايا النحل للقصف. فيما بلغت القيمة المباشرة لأضرار القطاع الزراعي بـ1.3 مليون دولار، بالإضافة لخسارة القطاع الزراعي 1.7 مليون دولار وعدم تمكنهم من تسويق 1500 طن من منتجاتهم الزراعية داخل وخارج غزة خلال أيام العدوان الإسرائيلي.
أسهم القصف الإسرائيلي بإتلاف 159 خط للمياه، و173 خطا للصرف الصحي، وتدمير 304 خط ومحول وأعمدة الكهرباء، و30 حفرة في الشوارع الرئيسية والفرعية. كما تعرضت 7 مدارس و9 رياض للأطفال لقصف إسرائيلي، تسبب بتدمير عشرات الصفوف، بالإضافة إلى تعرّض 3 مرافق صحية و15 مقرا حكوميا لتدمير جزئي، فيما لا يزال العمل جاريا لتحديد القيمة المالية للأضرار في البنى التحتية والقطاع الحكومي، ولكن بعض التقديرات ترجح أنها في حدود 500 ألف دولار.
خلال خمسة أيام من التصعيد الإسرائيلي، أغلقت دولة الاحتلال كافة المعابر والمنافذ البرية مع قطاع غزة، وتسبب هذا الإجراء بتعطيل الدورة الاقتصادية بشكل شبه كامل داخل القطاع.
وبالنظر لخصوصية قطاع غزة، باعتماده بشكل رئيسي على المعابر التجارية المخصصة لنقل البضائع والأفراد، فإن الأضرار غير المباشرة التي تسبب بها إغلاق المعابر والشلل الذي أصاب الحركة والتنقل داخل القطاع أدى لتعطل قرابة 200 ألف عامل من عمال (المياومة) عن ممارسة أعمالهم.
منذ اللحظة الأولى لبدء العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، شرعت ما يعرف بوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية المعروفة اختصارا بـ (المنسق) لإصدار قرار بإغلاق المنافذ البرية مع قطاع غزة وهي معبري كرم أبو سالم المخصص لنقل البضائع، ومعبر بيت حانون/ إيرز المخصص لتنقل الأفراد والعمال والمرضى. ويعد معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، المنفذ التجاري الوحيد بين غزة ودولة الاحتلال، ويسهم بنحو 80% من إجمالي النشاط التجاري بين القطاع والعالم الخارجي.
وخلال أيام الإغلاق الإسرائيلي للمعبر احتجزت دولة الاحتلال نحو 2000 شاحنة كان من المقرر أن تدخل القطاع، منها 300 شاحنة كانت تحمل منتجات وسلع استهلاكية تعرضت للتلف بسبب سوء إجراءات التخزين، وهي منتجات الألبان والدواجن واللحوم الطازجة والخضروات والفواكه، وتجاوزت هذه الخسائر ما قيمته 1.5 مليون دولار.
كما تحمل التجار وشركات النقل الفلسطينية تكلفة إضافية فرضتها سلطات الاحتلال لاستئجار أرضية لكل يوم تغلق فيه المعابر لكل شاحنة بـ 300 دولار، لتصل قيمة هذه التكلفة لـ 3 ملايين دولار. وفي ذات السياق، فقدت الحكومة في غزة جزءاً من إيراداتها الضريبية والجمركية حيث وصلت قيمتها حسب التقديرات الأولية ل 500 ألف دولار، وكان من المفترض تحصيلها من معبر كرم أبو سالم بسبب الإجراء الإسرائيلي بإغلاق المعبر.
على الجانب الآخر كان القرار الإسرائيلي بإغلاق معبر بيت حانون/ إيرز، ذو قيمة اقتصادية ومالية أثرت سلبا على فقدان قطاع غزة جزءا هاما ورئيسيا من دورته المالية، لعدم تمكن آلاف العمال من حَمَلة التصاريح من الدخول للجانب الإسرائيلي.
وخلال الأيام الخمسة للعدوان الإسرائيلي لم يتمكن 18 ألف عامل من غزة من الدخول للجانب الإسرائيلي، ويسهم هؤلاء العمال في كل يوم عمل بـ1.5 مليون دولار تدخل لقطاع غزة، ليصل إجمالي الضرر الاقتصادي لهذه الفئة لـ7.5 مليون دولار.
يشكل عُمّال المياومة الجزء الأكبر من قطاع العمال في غزة إذ يتجاوز عددهم 150 ألف عامل بما يعادل نحو ثلث القوى العاملة في غزة، ويعتمدون على نظام العمل اليومي، وحال تعطلهم عن أعمالهم جراء أي سبب كان كالتصعيد الإسرائيلي الأخير سيكونون في دائرة فقدان جزء من مصدر رزقهم ولعائلاتهم.
ونظرا للشلل الذي أصاب قطاع غزة خلال الأيام الخمسة من العملية العسكرية الإسرائيلية، لم يستطع 90% من هؤلاء العمال من ممارسة أعمالهم بحرية تامة، وهذه الفئة تشمل:
ويصل إجمالي الخسائر المباشرة لتعطل عمال المياومة خلال أيام العدوان الإسرائيلي الخمسة، ما قيمته 30 مليون دولار.
لا يزال السؤال الشاغل في أذهان الكثيرين في غزة بعد انقضاء العملية العسكرية الإسرائيلية هو أنه من سيتبنى ويتكفل بتعويض المتضررين من العدوان؟ عادة ما تُبادر جهات محلية سواء حكومتي غزة أو السلطة الفلسطينية أو الفصائل بتعويض هؤلاء المتضررين، إلا أن احتمالات أن تبادر أي من هذه الأطراف بالتكفل بتعويض المتضررين تبدو منخفضة، فبالنسبة للسلطة لم تعد مكترثة بأزمات القطاع، بذريعة ما تمر به من أزمة مالية، كما أنها تتعامل مع القطاع كإطار جغرافي منعزل عن مناطق نفوذها.
أما بالنسبة للجهات الحكومية في غزة أو الفصائل، فلا يزال الأمر في إطار التشاور، وقد تكون الخطة التي يجري دراستها وفقا لبعض المصادر الخاصة هي تعويض المنازل المتضررة بشكل كلي أو جزئي في هذه المرحلة، وتبني بعض القرارات الحكومية لتخفيف الأعباء الضريبية عن المزارعين.
وبالتالي هنالك احتمالات أكثر واقعية أن تبادر أطراف إقليمية كدولة قطر أو الأمم المتحدة، بتعويض جزئي أو كلي لهذه الأضرار، كجزء مما تمت مناقشته في كواليس اتفاق التهدئة.
ولكن أهم من ذلك أنه وبدون ضغط سياسي أو ميداني منوط بالفصائل الفلسطينية أن تبادر به على الأطراف ذات العلاقة سيكون المتضررين على قوائم الانتظار، وللقطاع تجربة سابقة في بقاء المتضررين من الحروب الإسرائيلية دون تعويض.