الاقتراض غير المدروس... وصفة للإفلاس!
بوابة اقتصاد فلسطين
قبيل بدء موعد المحكمة جلسنا مع (ن.ك) ليستذكر السنوات التي كانت تجارته في أوجها " كانت تصل ايراداتي 6 ملايين شيقل شهريا". ويروي متحسرا كيف وصل لحاله من التعثر البنكي تعرض خلالها للسجن، والغرق في الدين للتجار والأقارب، وصولاً للإفلاس.
يقول (ن.ك) “تقدمت وأخي للحصول على تمويل جاري مدين بقيمة خمسمائة ألف شيقل ثم رفعناه للمليون وتم تحويله لقرض بهدف تمويل أعمال مقاولات عامة، كانت حركة الحساب نشطة جدا وتمت الموافقة على طلبي بسرعة".
وعن مدى وعيه المصرفي بأساسيات الاقتراض البنكي يجيب "لا أعرف تدقيق الأوراق كانت المرة الأولى التي أطلب فيها قرض، وشرح لي موظف البنك موعد استحقاق الدفعات وقيمتها"، مضيفا" عندما تعثرت أعمالي ورجعت الكثير من الشيكات خلال جائحة كورونا والتي كنت أعتمد عليها في سداد التمويل، تمت إعادة جدولة القرض أكثر من مرة، فأصبحت العمولات تتضاعف بشكل كبير".
رغم إعادة الجدولة فقد تعثر (ن.ك) أكثر من مرة فتم اعطاؤه مهلة من البنك لمدة ثلاثة شهور على أن يسدد 10 آلاف دولار دفعة واحدة فور انتهاء المهلة إلا أنه لم يستطع تدبر المبلغ.
يقول "حوّل البنك القرض بعد إعادة الجدولة أكثر من مرة إلى المحكمة بكمبيالة بعملة الدولار بالرغم من أن القرض بعملة الشيقل بقيمة 235 ألف دولار، ولو لم تحصل إعادة الجدولة فإن المبلغ الذي يجب أن أدفعه 70 ألف دولار، إلى جانب أنه يذكر أن البنك لم يحتسب الكثير من الدفعات المخصومة من الكفلاء، حيث تم الاعتراف بـ 15 ألف دولار من أصل 90 ألف دولار دفعها هو والكفلاء".
أرقام حول نسب التعثر
في مقابلة خاصة مع شبكة الصحفيين الاقتصاديين صرحت "سلطة النقد الفلسطينية" بأن "الديون المتعثرة في نهاية الربع الثالث من العام 2022 بلغت حوالي 446.3 مليون دولار، بنسبة 4.11% من اجمالي التسهيلات، مقابل ما نسبته 4.15% في العام 2021".
وحسب البيانات والمؤشرات المالية المصرفية للربع الثاني من عام 2022، يبلغ اجمالي محفظة التسهيلات الائتمانية في القطاع المصرفي حوالي 10.6 مليار دولار، إلا أن نسبة الديون المتعثرة في القطاع المصرفي 4.18%، وبالتالي نجد انخفاضا في حجم الديون المتعثرة ما بين الربع الثاني والثالث من العام 2022.
وبينت سلطة النقد أن أكثر القطاعات تعثرا هو القطاع الخاص حيث يحصد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية النسبة الأعلى بنسبة 16.6% إلى إجمالي التسهيلات الممنوحة للقطاع، يليه قطاع النقل والمواصلات بنسبة 11.8%، يليه قطاع السياحة والفنادق والمطاعم بنسبة 8.7%، ثم يليه قطاع التجارة العامة بنسبة 8.2%، ثم قطاع الصناعة والتعدين بنسبة 4.8%.
كما وضحت سلطة النقد أن التعثر في تمويل العقارات والانشاءات 3.8% من اجمالي التسهيلات الممنوحة لقطاع الانشاءات، كما لا يتعدى تعثر تمويل شراء السيارات 3.5% من اجمالي التسهيلات والقروض الممنوحة لشراء السيارات، وأقل القطاعات تعثرا هي التمويلات المطلوبة لشراء الأراضي بحيث أن تعثرها لا يتجاوز 0.2%.
كما يمكن ملاحظة الفروقات في نسب التعثر بين فلسطين والدول المجاورة، حيث تظهر قاعدة البيانات الإحصائية المنشورة لصندوق النقد العربي أن نسب التعثر المسجلة في الأردن أكثر من فلسطين في قطاعات مختلفة حيث بلغت نسبة التعثر في الأردن لعام 2019 في القطاع الزراعي 3.57%، بينما بلغت في فلسطين لنفس العام 1.31 % كما بلغ التعثر في قطاع السياحة في الأردن 5.89% ، والتي بلغت في فلسطين لنفس العام 3.5%، إلا أن نسب التعثر في بعض القطاعات أعلى من الأردن حيث يبلغ التعثر في قطاع التجارة في الأردن 7.61% أما في فلسطين فيصل التعثر في قطاع التجارة 30.13%، كما يبلغ التعثر في قطاع الصناعات التحويلية في الأردن 3.33%، أما في فلسطين 6.92%.
ضبط التعثر
تعمل "سلطة النقد الفلسطينية" ممثلة بدائرة انضباط السوق / قسم حماية المستهلك بحماية حقوق العملاء وبما يشمل معالجة شكاواهم على المصارف ومؤسسات الإقراض والصرافين المتعلقة بتعاملاتهم مع تلك الجهات[1]. وقد أصدرت سلطة النقد العديد من الأنظمة والتعليمات الملزمة للبنوك والتي تهدف لحماية المستهلك والمواطن من تعرضه للتعثر، وحماية القطاع المصرفي من الانهيار، من أهمها:
هكذا يتم منح القرض
أوضحت "سلطة النقد الفلسطينية" أن "على موظف التسهيلات لدى المصرف دراسة الجدارة الائتمانية وتزويده بمنتجات تتلاءم مع وضعه المالي، وعدم توقيعه على عقد لا يتناسب مع احتياجاته، وأن يتم تزويده بملخص بيانات التسهيل/ التمويل الشخصي والعقاري وفق الملاحق المرفقة في التعليمات المذكورة سابقا لتفادي التعثر، والتوقيع على ما يفيد استلام المقترض والكفيل نسخة من الملخص حسب الأصول والاحتفاظ بنسخة من ذلك في ملف المقترض وفق متطلبات الإقراض المسؤول، علماً بأن هناك جوانب أخرى ائتمانية يتوجب على الموظف أخذها بعين الاعتبار."
وبينت سلطة النقد أن عملية منح القرض لا تتم من خلال موظف التسهيلات بشكل فردي ولكن يتم دراسة التسهيلات واعطاء الموافقات من خلال دوائر التسهيلات ولجان على مستوى الإدارة التنفيذية وعلى مستوى مجلس الإدارة وفق مهام وصلاحيات كل طرف بحيث يتم ضمان حوكمة عملية المنح وبما يتوافق مع التعليمات الرقابية وأفضل الممارسات.
قروض تحت ضغط الحاجة
يؤكد الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم على أهمية العدالة والمساواة في التعامل بين طرفي التعاقد بقوله "يجب أن نهدف لقروض عادلة حيث أن المواطن تحت ضغط الحاجة يتجاهل ويتغافل تدقيق العديد من البنود الواردة وحتى يمكن ألا يعي تداعيتها ".
وعن دور سلطة النقد في حماية المقترضين يقول عبد الكريم أن " سلطة النقد تلزم البنوك بالالتزام بقواعد الإفصاح والشفافية وتصدر التعميمات المنظمة للعلاقة التعاقدية، من الضرورة البيان للبنوك سعر الفائدة المعتمدة في القرض، وإعطاء العميل فرصة لتدقيق العقد وقراءته، وإصدار النشرات التوعية حول الاقتراض والكفالة"، لكن عبد الكريم يعتقد أن سلطة النقد لا تتدخل لضمان علاقة تعاقدية يرضاها الطرفان، حيث إن دور سلطة النقد رقابي تفتيشي، والاستجابة لحل الشكاوى الواردة لها".
ويوجه د. عبد الكريم جزءا من المسؤولية على البنوك بحيث يجب أن" تلتزم بمعايير وأخلاقيات المهنة في التعامل مع المقترض بحيث لا يترك أي مجال لوجود غبن في التعاقد، أو عموميات في نصوص العقد" كما يوصي البنوك بالتعامل مع المقترض " كشريك، وليس كمصدر دخل".
ويحذر د. عبد الكريم من أن على المستهلك التوجه للقروض الإنتاجية للاستثمار بشكل أساسي، حيث إن اللجوء للقروض الاستثمارية يضمن أن تكون مدرة للدخل، وبالتالي نسبة تعثر أقل وضمن خطة استثمارية، ويمكن اللجوء للقروض الشخصية فقط في حالات الضرورة القصوى، كما يؤكد أن ادعاء المواطن بوجود مصادر دخل إضافية ليأخذ قرض أعلى يضر نفسه فقط، ويصبح في مأزق السداد"
عقد القرض: نصوص معقدة على ثقافة المواطن
ويعزو الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة سبب تعثر القروض المصرفية إلى العديد من الأسباب منها "الثقافة المصرفية والمالية في المجتمع الفلسطيني بمختلف فئاته ضعيفة جدا، وبالتالي يجب على البنوك توجيه العميل، كما لا يفهم بعض المقترضين حساب الفائدة ويظن أن سعر الفائدة يحسب لمرة واحدة دون الأخذ بعين الاعتبار عدد السنوات والتي يضرب بها سعر الفائدة ".
وفي رأي أبو مدللة فقد " وقع الموظف خصوصا العمومي في سياسة ممهنجة للإغراق في القروض البنكية، فلدينا أكثر من 95 ألف مقترض في الضفة وغزة" كما يؤكد على ربط نسب التعثر بالسياسات الاقتصادية الحكومية مثل "سياسية التقاعد المبكر والتي يتوقع أن تكون إجبارية والتي أدت إلى تعثر كبير في البنوك" كما يوضح أن "جائحة كورونا" من أهم العوامل المؤثرة على التعثر، و"عدوان 2021 على قطاع غزة" وأيضا يرتبط التعثر في القروض بأسباب خاصة بالمقترض مثل "تكرار رجوع الشيكات مما يؤثر على قدرة المقترض على السداد لدرجة أن هناك المئات من رجال الأعمال والموظفين في السجون".
نصائح ومحاذير
يوصي أبو مدللة أي شخص يقدم على الاقتراض الأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:
أولا أن يأخذ قيمة القرض في الحدود الدنيا، لأن كلما زاد مبلغ القرض زادت تكلفة اقتراضه، ثانيا لا يؤخذ القرض أبدا إلا للضرورة القصوى بحيث يكون الهدف أساسي مثل الزواج أو السكن أو التعليم الجامعي، ثالثا على طالب القرض أن يقلل عدد السنوات قدر الإمكان حيث كلما زادت عدد السنوات زادت تكلفة القرض لأن الفائدة تضرب بعدد سنوات الاقتراض، رابعا يجب التدقيق بنوع الفائدة المترتبة على القرض إذا كانت مركبة بشكل تراكمي أو متناقصة وتكلفة القرض في كل منهما، خامساً يجب أن يهتم بالإجراءات المتخذة من البنك في حال تغيرت ظروفه المستقبلية فمثلا إذا استطاع أن يسدد دفعات قبل استحقاقها هل يترتب على هذا خصم على قيمة فوائد الدفعات أم تبقى كما هي وهو الاختلاف بين البنوك التجارية والإسلامية، بحيث أن البنوك الإسلامية لا تخصم أبدا من قيمة المرابحة حتى في حال التسديد المبكر، كما يجب أن يتأكد من توفر تأمين على القرض قبل التوقيع.
ويحذر أبو مدللة من نظام إعادة الجدولة حيث يصفه "بتوريط العميل بتكاليف إضافية" بحيث يتم تأجيل أقساط مستحقة وغير مدفوعة، وتخفيض قيمة القسط الشهري مع زيادة المدة والتي قامت بها بعض البنوك بشكل إجباري دون موافقة العميل في العدوان الأخير على غزة وينصح المواطنين "بعدم اللجوء لإعادة الجدول أبدا إلا في حالات الضرورة القصوى، حيث لا جدوى من إطالة الفترة الزمنية للقرض إلا بتحمل المقترض تكاليف إضافية".
المصدر: اخلاص طمليه/ ملاك أبو رعية