شباب غزة يقتنص فرص عمل مؤقتة بأرباح كبيرة
لا يبالي الشاب الفلسطيني محمود غيث بالإرهاق الناتج عن العمل في أيام عيد الفطر، تحت أشعة الشمس الحارقة وعلى مفترقات شوارع مدينة غزة، التي تزدحم بالسيارات والمارة، فسعيه نحو توفير بعض الأموال، من خلال بيع ألعاب الأطفال والدمى بأنواعها، بواسطة عربة صغيرة تجر يدويا، دفعه إلى ذلك العمل الشاق.
غزة- بوابة اقتصاد فلسطين| يعد غيث (26 عاما) واحدا من بين عشرات الشباب العاطلين عن العمل، الذين وجدوا في إجازة عيد الفطر، فرصة مناسبة لافتتاح مشاريع تجارية صغيرة، تضمن لهم توفير قوت يومهم وتساعدهم على مجابهة الظروف المعيشية القاسية، التي يحياها سكان قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ نحو تسع سنوات متواصلة.
قول غيث لـ "العربي الجديد" إنه ينتظر حلول موسم الأعياد بشغف شديد؛ لأن العمل خلال أيامه يمثل له مصدر رزق أساسي، بعدما تعطل عن العمل في إحدى المنشآت الاقتصادية، التي دمرها الاحتلال قبل عدة سنوات، وفي ظل عدم مقدرته على إيجاد فرصة عمل تساعده على تلبية احتياجات الحياة.
ويخرج الشاب العشريني من بيته يجر عربته الصغيرة منذ ساعات الصباح، متنقلا بين شوارع مدينة غزة وأزقة أحيائها الشعبية ومتنزهاتها العامة، التي تكثر فيها تجمعات الأطفال وعائلاتهم في أيام العيد، الأمر الذي يجبر غيث على تأجيل معايدة أفراد عائلته وأقاربه إلى ساعات المساء المتأخرة.
وأشار إلى أن أسعار بيع الألعاب والدمى للعام الجاري، متناسبة مع الأوضاع الاقتصادية السائدة في غزة، بسبب سعي التجار لتصريف البضائع التي تكدست عندهم في عيد الفطر الماضي، الذي تخللته حرب إسرائيلية ضروس قتلت موسم البيع وكبدت عشرات التجار خسائر مالية باهظة.
وتتنوع الأعمال والمشاريع التي يعمل فيها شباب غزة العاطلون عن العمل، خلال إجازة عيد الفطر، ما بين بيع الألعاب والدمى بواسطة العربات المجرورة يدويا والبسطات الشعبية، أو العمل على المراجيح الخاصة بالأطفال، وكذلك بيع العصائر الباردة والمكسرات بأنواعها.
وأمام ساحة بيته، غرب مدينة غزة، نصب الشاب عبد الكريم العطار (24 عاما) أرجوحته الكبيرة، المزينة بالسلاسل المضيئة، فيما التف من حولها عشرات الأطفال، الذين بدت عليهم علامات السعادة وهم ينتظرون بشغف، حلول موعدهم في الركوب على الأرجوحة لبضع دقائق.
وذكر العطار لـ "العربي الجديد" أنه يبدأ بتجهيز الأرجوحة قبل حلول العيد بعدة أيام، من خلال طلائها بالألوان الجذابة والتأكد من متانة أجزائها حفاظا على سلامة الأطفال، فضلا عن نصب أجهزة صوت تصدح منها أغان من شأنها أن تجذب الأطفال وتسعدهم.
وبين أنه منذ تخرجه من الجامعة قبل نحو عامين، حاول إيجاد فرصة عمل تتناسب مع شهادته، ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل؛ نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل قطاع غزة، ليتوجه على إثر ذلك للعمل في مختلف المهن التي تضمن توفير بعض الرزق له ولأسرته المكونة من ستة أفراد.
ووفق تقارير مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن معدل البطالة ارتفع في عام 2014، بين الأفراد الذين تبلغ أعمارهم من 20 إلى 29 سنة، والحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس، إلى 54.7%، بواقع 42.3% في الضفة الغربية و69.5% في القطاع، في حين كان معدل البطالة بينهم 51.5% في العام 2013.
وعلى مقربة من أرجوحة العطار، وقف الشاب إسماعيل صقر، وهو أب لطفلتين، خلف ماكينة تصنع حلوى "غزل البنات"، ليبيع ما تنتجه فورا للأطفال الذين تحلقوا حولها، وهم يرتدون ملابس العيد الجديدة، حاملين في أيديهم الدمى والألعاب البلاستيكية.
ويوضح البائع صقر لـ "العربي الجديد" أنه يعمل على ماكينة غزل البنات في موسم الأعياد فقط، فيما يحاول في باقي أيام السنة إيجاد فرصة عمل تتناسب مع قدراته البسيطة، مقابل أجر مادي زهيد، رغم المشقة الجسدية والنفسية التي تتسبب بها تلك المهن المؤقتة.
ويشتكي صقر من غياب دعم المؤسسات الحكومية والخاصة للشباب العاطلين عن العمل، من خلال مساعدتهم في إطلاق مشاريع تجارية صغيرة، تكون بمثابة مصدر دخل مستمر لهم، دون أن ترتبط المشاريع بالمواسم السنوية كشهر رمضان أو الأعياد.
ويعاني قطاع غزة من تهالك مختلف مقومات الحياة فيه، بسبب اشتداد الحصار الإسرائيلي واستمرار إغلاق المعابر الحدودية الخاضعة لسيطرة الاحتلال، بجانب تأخر عملية إعادة إعمار المنازل والمنشآت الحيوية التي دمرت في الحروب الإسرائيلية الثلاث، والتي شنت على القطاع في السنوات السبع الماضية.
(عبد الرحمن الطهراوي، العربي الجديد)