أقساط القروض البنكية تواصل الارتفاع .. من صاحب الدور الأكبر في ذلك؟
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
تواصل البنوك المركزية في العالم رفع معدلات الفائدة في محاولة منها لكبح التضخم بعد ارتفاعها إلى مستويات قياسية جراء سياسات التيسير النقدي عبر ضخ تريليونات الدولارات إلى الأسواق لإنعاشها مع الاغلاقات المصاحبة لجائحة كورونا.
انعكست قرارات البنوك المركزية في العالم على المقترض الفلسطيني وكان ذلك واضحا برسائل هاتفية من البنوك تفيد بارتفاع القسط الشهري للمقترض .. لكن ماذا لو استمرت وتيرة رفع أسعار الفائدة عالميا؟ خاصة وأن هذه الزيادات أصبحت ثقيلة وسط أزمة مالية ونقص في رواتب الموظفين.
لماذا ارتفعت الأقساط البنكية؟
الخبير المالي محمد سلامة قال إن ارتفاع الفائدة على الدولار أو الشيقل أو الدينار نتاج قرارات البنوك المركزية العالمية ولا تدخل للبنوك العاملة في فلسطين بهذه القرارات انما تعمل على عكس تلك الزيادات على المقترض الفلسطيني.
وتابع سلامة أن من أسباب زيادة الأقساط الحصول على قرض بفائدة متناقصة أو متغيرة ويكون عرضة وفق التعاقد ما بين العميل والبنك على تحميل التغيرات التي تطرأ في أسعار الفائدة على المقترض.
واضاف سلامة أن أكثر المتضررين من هذه الارتفاعات المقترضين بعملة الدولار أو الدينار فيما دخلهم الأساسي بعملة الشيقل مشيرا مثلا إلى أن زوج العملات الدولار مقابل الشيقل شهد ارتفاعا نسبته 12 بالمئة منذ بداية العام الحالي وهذه تكاليف إضافية يتحملها المقترض تتمثل برفع الفائدة إضافة إلى زيادة في تغير سعر العملة.
بينما أوضح سلامة أن المقترضين بفائدة ثابتة لن تتأثر اقساطهم بارتفاع معدلات الفائدة من قبل البنوك المركزية، الا أن بعض البنوك قامت برفع الأقساط على المقترضين بفائدة ثابتة نظرا لوجود بند في بعض العقود يسمح للبنك بذلك، واصفا الأمر "بالاستغلال للزبون وبانه غير أخلاقي رغم قانونيته"
السبب الآخر حسب سلامة هو القروض الممنوحة على أسعار الفائدة العائمة، أي أن الفائدة التعاقدية غير محددة، وهي ليست ثابتة طوال فترة الوقت، أي أنها عبارة عن سعر الفائدة العادي للسوق اضافة الى هوامش أخرى، الفائدة ارتفعت، البنوك رفعت الفوائد على القروض ذات الفائدة العائمة.
فائدة عائمة وبند غير أخلاقي ..
ويوضح سلامة أن القروض ذات الفائدة العائمة هي عادة قروض شركات وليست قروض أفراد، الشركات المقترضة بالدولار وتسدد بالشيقل، تلقت ضربة مزدوجة، فالبنك غير أسعار الفائدة لارتفاع معدلات الفائدة بالسوق، إضافة لارتفاع سعر الصرف، بالتالي كان الارتفاع على الجهتين، سعر الصرف والفائدة العائمة.
هل الشركات ملزمة بالحصول على قرض بفائدة عائمة؟، يقول سلامة أن البنك يوجه الشركات للحصول على قروضهم بفائدة عائمة كي يضمن أنه في حال ارتفاع الفائدة لن ترتفع التكلفة فتخصم من أرباح البنك، وبالتالي يحمي البنك نفسه ويتنصل البنك من تحمل مخاطر هذه القروض، الزبون هنا هو من يتحمل مخاطرها لأنها مبالغ كبيرة طويلة المدة.
ويضيف سلامة، هذه الشركات لو فاوضت البنك وأصرت على قروض بفوائد ثابتة لحصلت عليها، فهي ليست ملزمة بالقروض ذات الفائدة العائمة، ما يحدث أن المقترض يقع ضحية إغراء فائدة أقل، حيث أن تغيرات ارتفاع الفائدة محتملة الحدوث، وغير أكيدة، وبالتالي تكون الفائدة العائمة أقل من الثابتة، يعني لو اقترضنا على 3% عائم او 5% ثابت، يختار الزبون الفائدة الأقل في حينه، ما حدث أن ارتفاع الفائدة تم بشكل أكبر من المتوقع، فتسارع رفع الفائدة رفع الأقساط بشكل أكبر.
ويتهم سلامة بعض البنوك باستغلال الوضع القائم، فهناك بنوك رفعت الفائدة على القروض امتثالا لوجود بند في بعض العقود يفيد أنه يحق للبنك رفع الفائدة وان كانت فائدة ثابتة متى شاء، وهذا استغلال للزبون، ويرى سلامة أنه رفع غير أخلاقي رغم أنه قانوني وتم الموافقة عليه من قبل المقترض الذي غالبا لا يكون قد تنبه لهذا البند في عقده.
وفي هذا الجانب يشير بشار ياسين، مدير عام جمعية البنوك في فلسطين الى أن ارتفاع سعر الفائدة يؤثر على القروض طويلة الأمد، ففي أميركا مثلا ستؤثر على القروض، وبشكل أساسي على القروض العقارية التي تؤخذ على 20-25 سنة، والبنوك بعالمنا العربي بفلسطين وخارجها لم يتم رفع الفوائد على القروض بنفس القيمة التي تم الرفع فيها في البنوك العالمية، أميركا رفعت للمرة الثالثة على التوالي، كل مرة 75 نقطة اساس ومؤخرا رفع الفيدرالي الاسرائيلي الفائدة 75 نقطة أساس.
ويؤكد ياسين أن البنوك والمؤسسات المالية بشكل عام لا تستطيع عدم التعامل مع هكذا أزمة، حيث أصبحت كلفة الاقراض عليها اعلى.
سلطة النقد.. دور رقابي فقط
في سياق آخر يشير ياسين أن أسعار الفوائد في فلسطين تختلف من بنك لآخر ولو بهوامش بسيطة، وكل بنك له سياسته الائتمانية، يقول " ليس لدينا عملة ليتدخل البنك الركزي ويحدد سعر الفائدة، لسنا المتحكمين ولسنا صناع سياسة، في اميركا تجاوزت قيمة الرفع 4%، ممكن لمن ارتفع القسط عليه ان يغادر بنكه لبنك آخر، ولكل بنك خصوصيته."
ويؤكد سلامة أن سلطة النقد دورها رقابي على البنوك، فهي لا تمتلك عملة، ولا يوجد لها أي سلطة على البنوك من حيث القروض وما شابه، فالبنك شركة ربحية ويحق له أن يربح، اذا تدخلت سلطة النقد فتتدخل فقط بأمور شكلية من حيث حجم القرض ونوعيته وقد تصدر توجيهات تنموية، لكن التسعيرة لا تتدخل بها.
ويوضح سلامة أنه بغرض حماية الزبون سلطة النقد يمكن أن تضع سقفا للفائدة بألا يتجاوز مثلا 10%، ولكن اذا فعلت ذلك يجب أن تترك للبنك هامش عالي بالمحافظة على ربحيتها وإدارة مخاطرها، حيث يجب ان يكون السقف قريبا من اسعار للسوق، "يعني السقف هو وقلته واحد إذا أخذت اعتبارات الإقراض لدى البنوك بالحسبان، وبالتالي يصبح السقف غير مجدي، ويفضل أن يبقى دورها رقابي وارشادي فقط.
انعكاس في اتجاهات عدة
وحول الأثار على الأسواق العالمية يقول الخبير الاقتصادي ثابت أبو الروس أن المتابع لقرار الفيدرالي الأميركي يجد أن هناك انهيار كبير في أسعار الأسهم والعملات الرقمية، وقد حاولت الادارة الاميركية كبح جماح التضخم من خلال رفع الفائدة، لكن المفاجأة كانت بانهياركبير في الأسواق المالية، بمعنى توجه المستثمر نحو الاستثمار في البنوك نظرا لارتفاع العائد من الفوائد ، بينما عزف المستثمرون عن الاستثمار في الاسهم والعملات الرقمية.
وكذلك المتابع للسوق العقاري في الولايات المتحدة الاميركية يجد أن هناك عشرات الالاف من الشقق فارغة، و ارتفاع في أسعار الشقق كون من يشتري شقة سيلجأ للبنك للقيام بذلك وبالتالي سيتكبد فوائد مرتفعة حيث ان سعر الفائدة الاساس 3.5%، ولكن ما يتم اعطاؤه للعميل يصل الى 5 او6 او7 بالمائة حسب اعملة والتمويل، وهذه فائدة كبيرة جدا لصالح البنوك، ولو اخذنا أداة القياس نجد أن من يأخذ قرض تمويل لعشرين سنة على فائدة 5% يكون قد دفع قيمة الشقة مرة ثانية، وذلك فقط من خلال الفوائد، اليوم الباحثين الاقتصاديين يتحدثون عن خطورة كبيرة جدا لارتفاع الفائدة العالمية.
من يتحمل مسؤولية ضعف الوعي المصرفي؟
عندما نتحدث عن الوعي المصرفي نلمس غيابا أو حضورا متواضعا للثقافة المالية في فلسطين، بهذا الشأن يحمل سلامة البنوك والمؤسسات المصرفية وجمعية البنوك مسؤولية الدور التوعوي، فهي تمتلك المعرفة وعليها تدريب موظفيها والعمل بشكل أكبر على الثقافة المصرفية، دور سلطة النقد أيضا عمل دورات توعوية، بالإعلام المالي، فهناك ندرة كبيرة بالمحللين الماليين مثلا، والاعلام المالي يحتاج لهؤلاء للمساعدة في نشر الوعي المصرفي والمالي.
يشار الى "سلطة النقد الفلسطينية" تقوم بالتعاون مع شبكة الصحفيين الاقتصاديين بعقد دورات تثقيفية لفئة من الخريجين والاعلاميين الراغبين بالعمل في مجال الاعلام الاقتصادي، وهذا دور هام، لكن هناك ضرورة أيضا للعمل على نشر الوعي المصرفي على مستويات عليا.
يرى البعض أن البنوك قد تستفيد أحيانا من نقص الوعي المصرفي، لكن هناك ما يسمى تحكيم الائتمان بالشفافية والحوكمة، والذي يتم من خلال إجبار البنوك على القيام بمجموعة إجراءات لحماية المقترض، نعم هي غير كافية حسب سلامة، لكنها أيضا ضرورية، فالائتمان العادل عبارة عن ثقافة تحاول سلطة النقد التأثير فيها على حماية وتثقيف المقترض، فهناك بنوك تهتم بالائتمان العادل وتركز على وعي المقترض، وبنوك أخرى لا تفعل، البنوك التي تلتزم بهذا الائتمان تلزم الزبون بقراءة العقد في الوقت الذي يكون فيه المقترض على عجلة من أمره للحصول على الأموال، بالتالي هناك أيضا دور على الزبون نفسه الذي يجب أن يكون لديه الاهتمام بمصلحته أولا، يقول سلامة.
وينصح ياسين المقترضين بمراجعة بنوكهم، وذلك للاستيضاح وفهم كافة التفاصيل ومحاولة الحصول على حل مناسب وبديل للتغلب على تنامي الأقساط البنكية كأن يمد عمر القرض حتى يبقى القسط كما هو.
ويبقى السؤال هنا.. ماذا لو استمرت وتيرة رفع أسعار الفائدة عالميا؟