ورقة بحثية: نحو 12 ألف موظف حكومي يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور
بوابة اقتصاد فلسطين
عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) جلسة نقاش لورقة بحثية حول "قرار رفع الحد الأدنى للأجور: فرص التطبيق"أعدها د. بلال فلاح، بين فلاح أن هناك دوافع لتطبيق سياسة الحد الأدنى للأجور بحيث أن معظم الدول تعتمده كأداة سياساتية لخدمة أهداف اجتماعية بالدرجة الأولى، ومنها تخفيض نسبة الفقر، وجسر الهوة في الأجور، والحد من آثار التضخم، ومنع استغلال العمال.
كما أشار الى أن هناك اختلاف لقيمة الحد الأدنى للأجور من بلد إلى آخر باختلاف المستوى الاقتصادي، وخصائص سوق العمل، وطبيعة النظم السياسية والاقتصادية المتبعة. في هذا الإطار، وضعت منظمة العمل الدولية عدداً من المعايير الاسترشادية كي تساعد الدول في تحقيق الغاية الاجتماعية المتوخاة من تطبيق سياسة الحد الأدنى للأجور (حاجات العمال وعائلاتهم، معدل الأجر العام في الدولة، تكاليف المعيشة وتغيرها عبر الزمن، إعانات الضمان الاجتماعي إن وجدت، بالإضافة إلى متطلبات التطور الاقتصادي مثل رفع مستوى الإنتاجية، والرغبة في تخفيض معدل البطالة). أيضا، بين الباحث بأن منظمة العمل الدولية أكدت على أهمية تعديل مستوى الحد الأدنى للأجور بشكل دوري أو غير دوري تبعاً للتغيرات التي قد تطرأ مثلاً على تكاليف المعيشة، والتغير في مستوى الأجور، ومواجهة صدمات اقتصادية طارئة.
كما بين الباحث أن هناك تأثيرات اقتصادية لسياسة الحد الأدنى للأجور، فمن جانب مستوى البطالة يرى العديد من الاقتصاديين أن معدل البطالة سيرتفع إذا زاد مستوى الحد الأدنى للأجور عن معدل الأجور. لكن هناك عوامل أخرى قد تحد من التأثير السلبي، وأولها يتعلق بقدرة المشغلين على رفع أسعار المنتجات/الخدمات لامتصاص الزيادة في تكاليف التشغيل. ويتعلق العامل الثاني بتعزيز الإنتاجية. فارتفاع الأجر يزيد من رضى العاملين، ما قد يحفز إنتاجيتهم ويعوض عن ارتفاع فاتورة الأجور. أما من ناحية التأثير على التضخم ومستوى الفقر، فتشير عدد من الدراسات إلى أن فرض الحد الأدنى للأجور قد يزيد من حدة التضخم نتيجة الزيادة في تكاليف التشغيل (تأثير العرض) وارتفاع مستوى الاستهلاك (تأثير الطلب). في المحصلة، يتناسب مقدار التأثير على التضخم طردياً مع ارتفاع نسبة العمال المتوقع زيادة أجورهم والزيادة في معدل الأجور المصاحب لتطبيق الحد الأدنى للأجور.
إقرار رفع الحد الأدنى للأجور
تنص المادة الأولى لقرار مجلس الوزراء رقم (4) للعام 2021، الخاص برفع قيمة الحد الأدنى للأجور على اعتماد الحد الأدنى للأجور في جميع مناطق دولة فلسطين على النحو التالي:
كما تنص المادة الثانية من هذا القرار على أنه "يعتبر ما يتم التوافق عليه في اللجان الثلاثية المشكلة بموجب قرار اللجنة الوطنية للأجور جزءاً من هذا القرار بعد اعتماده من مجلس الوزراء". تم التوافق على تشكيل لجنة ثلاثية من أطراف الإنتاج الثلاثة لتحديد الأنشطة الاقتصادية الضعيفة والأنشطة الأكثر تضرراً من أزمة كورونا لمساعدة الحكومة في وضع الأسس والحوافز لتمكين هذه القطاعات ودعمها ضمن الإمكانيات المتاحة. كما تعهدت وزارة العمل بوضع آليات كفيلة بالتطبيق لتنفيذ هذا الاتفاق، وتعزيز دور تفتيش العمل من حيث الإمكانيات والصلاحيات المخولة بحسب قانون العمل. وكذلك العمل على إنشاء غرف قضائية لحل النزاعات العمالية بحسب القانون. صادق مجلس الوزراء على هذا القرار بعد التوافق بين ممثلين عن أطراف الإنتاج.
تظهر بيانات مسح قوى العمل الصادرة في الربع الأول أن نسبة العاملين في الضفة الغربية الذين يتلقون أجراً دون الحد الأدنى الجديد قد بلغت 22% (34% للإناث، مقابل 18% للذكور)، أما النسبة في القطاع الخاص، فتزيد بحوالي 6 نقاط مئوية. كما هو متوقع، فإن النسبة الأكبر من الذين يتلقون أجوراً أقل من الحد الأدنى في القطاع الخاص هم من الإناث. فقد ارتفعت نسبتهن من 30% قبيل رفع الحد الأدنى الجديد إلى أكثر من النصف بعد إقرار تطبيقه. تنطبق هذه النتيجة، أيضاً، على القطاع غير الحكومي. من اللافت أن عدداً من موظفي القطاع الحكومي في الضفة الغربية، نسبتهم تصل لحوالي 6%، ما زالوا يتلقون أجراً دون الحد الأدنى الجديد حتى نهاية الربع الأول من هذا العام.
تبلغ قيمة الحد الأدنى الجديد حوالي 60% من قيمة معدل الأجر الشهري لعاملي القطاع الخاص في الضفة الغربية (58% للذكور، مقابل 89% للإناث). ويبلغ معدل الأجر للذين يتقاضون دون الحد الأدنى الجديد في هذا القطاع 59 شيكلاً (64 شيكلاً للذكور، مقابل 49 شيكلاً للإناث). يجدر الانتباه هنا، أن الفرق بين هذا المعدل والحد الأدنى الجديد له دلالة مهمة من ناحية فرص تطبيق الأخير على الأرض، ومقدار انعكاساته الاقتصادية. فكلما زاد الفرق، قل احتمال الامتثال الطوعي لأصحاب العمل.
من جانبه أكد عزمي عبد الرحمن مدير عام السياسات العمالية في وزارة العمل أن العمل على فكرة إقرار قانون جديد للحد الأدنى للأجور منذ العام 2012 واجراء دراسات وتقديرات حتى عام 2019 حيث تم بلورته في مؤتمر الحوار الوطني لإقرار قيمة الحد الأدنى للأجور بـ 1880 شيقل، استنادا على دراسات واستبيانات، ليقدم آثار إيجابية في زيادة الإنتاجية وأنه جاء في وقته الصحيح حتى وإن كانت فترة إعداده طويلة وهو غير مجحف بحق المؤسسات والقطاعات، كما تم تشكيل لجنة ثلاثية لدراسة القطاعات الضعيفة لتمكينها ووضع توصيات حتى تستطيع الالتزام بالقانون مثل قطاعات النسيج ورياض الأطفال حيث كانت نسبة 87% من العاملين هم من النساء يعملن بأجور أقل بكثير من الحد الأدنى المقرر، لكن تبقى باقي القطاعات الأخرى ملتزمة بنسبة كبيرة.
وبين عبد الرحمن أن لهذا القرار أهمية في مجالات عديدة، من أهمها الحد من تسرب العمالة إلى الأسواق الإسرائيلية التي قامت بجذب نسبة كبيرة من العاملين في مجال الزراعة والسياحة والانشاءات، حيث أصبحت هذه القطاعات تعاني من فجوة كبيرة في القوى البشرية خاصة القطاع الزراعي وهذا يشكل خطرا كبير على هذا القطاع، وذكر بأن وزارة العمل شكلت لجان تفتيش ضمن طواقم متكاملة ذات كفاءة تقوم بجولات دورية على المؤسسات والقطاعات بكافة أشكالها ضمن برامج منظمة باستمرار.
بدوره أكد عودة شحادة، الأمين العام للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية على أن رفع الحد الأدنى للأجور هو ضرورة وطنية له انعكاسات هامة على تعزيز فعالية العاملين ورفع مستوى معيشتهم، وأن القطاع الخاص يؤيد ويشجع هذا القرار ومستفيد من تطبيقه، مشيرا إلى إحدى نقاط ضعف القرار وهي أن الجهات ذات الاقتصاد المهمش لم يكن لها دور في النقاش عند طرح القرار، مثل المدارس الخاصة والحضانات وقطاع الأطباء والمهندسين وهم من أولى القطاعات التي لم يتم الاتفاق معها لأن لديهم مطالب لم يحصلوا عليها حتى يتماشوا مع تطبيق القرار. كما لا يمكن قياس مستوى الامتثال للقرار لقصر الفترة التي طبق فيها نوعا ما، ولا بد من مرور وقت حتى تظهر النتائج بشكل أدق. كذلك، إن فرص نجاح مثل هذا القرار تعتمد على حوار دائم وليس موسمي، واستخدام أسلوب محفز للامتثال به وليس أسلوب عقابي أو تهديد أو مخالفات.
فيما بين ممثل نقابة أصحاب دور الحضانة، ماجد المريدي، أنه لم يتم دعوة النقابة للحوار حول قرار الحد الأدنى للأجور من أي جهة رسمية. وأشار إلى أن هذا القطاع هو قطاع نسوي بامتياز وبسيط لكنه مهمش، ويتطلب الكثير من المتطلبات التي تفرضها الحكومة مثل التراخيص وغيرها، بالتالي يصعب تطبيق هذا القرار دون تلبية الاحتياجات الأساسية لتطوير بنية الحضانات. وهذا ليس ناجما عن رفض بالالتزام، وإنما لعدم توفر الإمكانيات للالتزام بهذا القرار، ولا بد من تغطية الثغرات وإيجاد حلول لها وعدم استثناء أصحاب دور الحضانة من الحوارات.
بينما شدد د. طارق صادق، أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت على ضرورة وجود معايير عند احتساب الحد الأدنى للأجور لتكون كفيله بضمان مستوى معيشي مناسب للأسر. وأشار إلى خصوصية الوضع الاقتصادي في غزة، واختلافه عن الضفة الغربية، فلا بد من دراسة مسبقة للإعداد لمستوى مختلف بالمقاييس عن المطبق في الضفة الغربية ليطبق في قطاع غزة، وأن يدرس مستوى المعيشة سنويا ويقارن مع الحد الأدنى للأجور لمعرفة مدى تناسبه، لتلافي حدوث فجوة ما بين مستوى الأجور والمستوى المعيشي (غلاء المعيشة). أيضا لا بد من ادراج نظام ضريبي متدرج مرتبط بحجم القطاعات، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، وذلك لضمان الاستجابة لقرار قانون الحد الأدنى للأجور.
فيما أجمع الحضور على أن الأرقام والنسب قريبة لكنها لا تدعو إلى التفاؤل وذلك لحقيقة الوضع الفلسطيني ووجود الأعذار ووضوح الاستغلال في بعض القطاعات خاصة المهن الحرة. كما أن التعميم لا يفضي إلى حلول، فلا بد من دراسة حقيقة القطاعات وفرض حد أدنى مندرج تحت مستوى القطاعات واستثناء قطاع غزة لاختلاف الأوضاع الاقتصادية فيها. إن نسبة الحد الأدنى للأجور أيضا هي نسبة مرتفعة إذ هناك ما يقارب 12 ألف موظف حكومي يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور وهذا قد يؤدي إلى عدم الامتثال من قبل القطاعات الأخرى.
هناك مشاكل أخرى تدعو إلى الاهتمام وهي دفع الرواتب بشكل منتظم وكامل بالإضافة إلى الالتفاف حول بعض القوانين في عقود العمل ومحاولة التهرب من حقوق العامل كمستحقات نهاية الخدمة وغيرها، بالإضافة إلى ضعف القوة التفاوضية لدى العمال لتحصيل الراتب الذي يطمحون به، وتشوهات أخرى في الاقتصاد الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، وأخيرا ضرورة التنوع في الحد الأدنى للأجور استنادا لحجم المؤسسة وأرباحها وانتاجيتها.