فرح مِن موظفة تذبل إلى رائدة أعمال في "الورد الجوري"
بوابة اقتصاد فلسطين
لم تغير جائحة كورونا خارطة العالم اقتصاديًا فحسب، بل غيرّت أيضًا خارطة حياة فرح براهمة ابنة الــ 28 عامًا، لقد كانت نقطة التحول التي نقلتها من موظفة اُستغني عن خدماتها إلى صاحبة مشروع للورود يشق طريق النجاح.
فرح خريجة ماجستير في القانون الاقتصادي من جامعة بيرزيت، وهي واحدة من المئات الذين فقدوا وظائفهم بسبب الجائحة وانعكاسها على المؤسسات والمنشآت الخاصة، لكنها خرجت من تلك المرحلة وفي يدها ورود جورية ملونة صارت مصدر دخلها.
مراسلة "آفاق البيئة والتنمية" التقتها لتحدثها عن "flowers land " مشروع عائلتها الصغيرة، فزوجها أيضًا كان يعمل في شركة هندسية، وبسبب كورونا خسر هو الآخر عمله، وسرعان ما نهض شريكا الحياة مجدداً ليصنعا قصتهما.
الاثنان خطر ببالهما في البداية فكرة زراعة ورد التوليب كونه غير متوفر في فلسطين، لكن تبيّن لهما أن "الجوري" هو الخيار الأنسب لأسباب ستتضح لاحقاً.
يتميز الورد الجوري الذي تنتجه دفيئة فرح بالجودة والألوان الجذابة وتركيبة بتلات الوردة الفريدة، وما يُحسب للمشروع أنه في أقل من عام صار قادراً على البدء في منافسة المنتج الإسرائيلي، ليلّبي حاجة السوق المحلي في الضفة الغربية.
صديق للبيئة
ترى فرح أن أساس نجاح المشروع يكمن في "مكوناته المتكاملة التي أنتجت باقات وردٍ جوري فلسطيني الهوية، به تُنسّق أحلى الباقات، وتُزين قاعات الأفراح والمناسبات.
تستهل حديثها بالقول: "المشروع صديق للبيئة وتكاليفه قليلة بعض الشيء، وهذا عاملٌ لا يستهان به، ففي قرية عنزة جنوبي مدينة جنين حيث يقع، توجد محطة تنقية للمياه العادمة، هذه المياه لا تٌستغل كما يجب، وتُستخدم جزئيًا في ري المزروعات التقليدية".
نجحت فرح في استخدام المياه المعالجة لري دفيئتها الزراعية، وبهذه الخطوة وفرت ثمن المياه التي تُعد عقبة مهمة في فلسطين بسبب شحها، مضيفة: "حرصت أن أوظّف دراستي في وضع أسس هذا النشاط الاقتصادي حتى يتسنى لي الوقوف على أرض ثابتة، فلا أحيد عن الهدف".
دراسة مستفيضة قبل القرار
تواصل فرح براهمة سرد حكايتها قائلة: "درسنا جيدًا المقومات المتوفرة: قطعة الأرض والمياه وخبرات العائلة في المجال الزراعي، مع جهودنا وخبراتنا في التسويق والتقنيات، ثم قررنا استفتاء السوق".
توجهت مع فريقها إلى الأسواق لسؤال بائعي الورد عن رأيهم بفكرة زراعة التوليب، طالبين المشورة منهم، فلم ينصحهم أحدٌ به لأن تكاليف زراعته عالية، ثم أخذوا بنصيحة مزارعٍ صاحب خبرة طويلة، وهو تاجر في الوقت نفسه، إذ أشار عليهم بزراعة الورد الجوري، لأن بدايةً كهذه ستشجعهم على مواصلة طموحهم، وتحقيق عائد مالي ملموس.
لكن ثمة أسباب دفعت فرح لاختيار زراعة الورد على وجه الخصوص تتصل بنوع المياه المعالجة الملائمة لريه، كما أن الورد لا يحتاج إلى سنوات من النمو حتى ينتج، بل يمكن في هذه الحالة الإنتاج والتوزيع في فترة معقولة، تبعًا لحديثها.
وبعد توزيعها استبيان على محلات الورد في الضفة الغربية، والاستعانة بدراسة من وزارة الزراعة تفيد بمدى احتياج السوق، تبيّن أن الاستهلاك السنوي للورد الجوري بحدود 10 مليون شيقل سنويًا، ومصدرها "إسرائيل" حاليًا، فيما كان قطاع غزة هو المصدر الأول للجوري، لكن بسبب إغلاقه أصبح الورد الإسرائيلي مهيمنًا في سوق الضفة.
وفي السياق نفسه توضح: "تَندر إلى حد كبير زراعة الورد الجوري وتوفره في السوق الفلسطيني، باستثناء مشروع صغير في الجنوب تقوده فتاة من الخليل، بمعنى آخر، السوق محتاجٌ إلى هذا النوع من الورد، خاصة أن "إسرائيل" تعتمد في تسويق إنتاجها على الخارج، وبالتالي الطلب كبير والعرض أقل".. وهنا بدت الفرصة لا تفُوّت كما تقول الشابة النابضة بالحياة.
المشروع يستقر بالمنح
تُفاخر فرح أن مشروعها بات شركة مسجلة في وزارة الاقتصاد الوطني، بالشراكة مع زوجها، مشيرة إلى أن العمل وصلَ لما هو مُخطط له، بزراعة 250 متراً مربعاً، وحتى نهاية العام الجاري سيواصلون "على نَفَس واحد" حتى يصبح بحوزتهم نصف دونم مزروع بالورد الجوري.
وتردف قائلة: "مشروعنا عائلي، تتوزع فيه الأدوار بما يتناسب مع الخبرات، وبحكم تخصصي أشرف على الشق المالي والإداري والمنح، وزوجي يُشرف على الجانب التنفيذي والتقني كونه متخصص إلكترونيات، وبصحبتنا مجموعة من المتطوعين يرغبون في إنجاح الفكرة، ولديهم معلومات زراعية وتسويقية، ووالدي أيضًا لديه خبرة جيدة في الزراعة وخاصة زراعة الورد الجوري، وكذلك الحال والد زوجي، فضلاً عن ذلك يساعدنا مهندسون من الإغاثة الزراعية".
كان توفير رأس المال من أهم التحديات التي لم تستسلم لها فرح وزوجها، فبعد بحثٍ مضنٍ تقدما لمنحة عن طريق الإغاثة الزراعية، وحصلا على 5 آلاف دولار، غطّت تكاليف بناء البيت البلاستيكي.
ولأن المشروع جديد ومختلف، حصلا على منحة ثانية بقيمة 8 آلاف دولار، ضمن المنافسة مع مجموعة مشاريع في مؤسسة الجبل، وبواسطته استطاعوا توفير الأشتال.
وكان من نصيب "فَلورز لاند" منحتين أيضًا، تمكنّت بهما من تحقيق الدخل المطلوب والوصول للسوق، حيث يغطي المشروع حاليًا حاجة منطقة الشمال، مشيرة إلى أنها تخطط لاستعادة رأس المال الذي هو في الأساس مِنح.
وعن الأسلوب الذي تفضله في العمل تقول: "نود أن نتقيد بطريقة مهنية ومدروسة في العمل تسير وفق أسس وعمليات محاسبية لتوسيع نطاق الانتشار حتى يشمل محافظات الضفة كافة".
وعلاوة على ما سبق، حصلت فرح على منحة أوروبية، بنصف قيمتها أنشأت غرفة تبريد، وبنصف قيمتها الثاني عزمت مع زوجها على إضافة نصف دونم آخر للمشروع.
وتُطلّعنا على الآفاق المستقبلية للمشروع: "نصف دونم لا يعطي وفرة في الإنتاج، ولهذا أجرينا دراسة معمقة، سنجدّد وفق معطياتها سير عمل المشروع خلال السنوات الخمس القادمة، بما يضمن تحقيق العائد المادي الذي سيوسع نطاق عملنا لنصل إلى زراعة أربعة دونمات من الورد الجوري".
يُقال "رب ضارة نافعة" وهذا ما آمنت به فرح يقيناً، ففي مطلع تشرين أول من عام 2021 كانت الانطلاقة، التي ما كان لها أن ترى شرارتها وهي موظفة تستنفذ وقتها وجهدها وطاقتها معظم النهار في عمل مكتبي يمكن للكثيرين القيام به.
وبناءً على تجربتها خرجت بهذه النتيجة في ختام كلامها، ومفادها: "لن تصنع الوظيفة منك رائد أعمال، أنصح الشباب بتنفيذ مشاريعهم الخاصة كي يدخلوا عالمًا من نوعٍ آخر، عالمٌ يعرف فيه المرء أنه بالإرادة والروح القيادية المقبلة على الحياة يمكن فعل كل شيء".
(المصدر: حسناء الرنتيسي- مجلة افاق البيئة والتنمية)