الرئيسية » الاخبار الرئيسية » محلي »
 
19 تموز 2015

كعك الأليط العثماني…حرفة بأيد نابلسية

يأتون حتى من الجولان إلى نابلس لشرائه: إنه كعك الأليط. إضافة إلى نكهته المميزة، فإنه لا يتلف ويبقى طريا من الداخل لمدة طويلة، ولهذا كان الأتراك يزودون به الجنود في الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف. فما هو سر هذا الكعك؟

\

نابلس- بوابة اقتصاد فلسطين| عاصرت حارة الياسمين في البلدة القديمة بمدينة نابلس كعك مخبز “أثري” يعود إلى قرابة التسعين عاماً. بروحه الشابة وطاقته الجسدية، اعتاد الحاج درويش الملقب بـ”أبو سمرة” (78 عاماً) على الوقوف طويلاً ليوازن تنقلاته بين الطاولة الخشبية، التي يشكل عليها عجينته، ثم إلى السخانة، ليصل إلى فرنه البدائي ليخبز كعكه.

يمضي الحاج درويش يومه في صنع كعكه التركي المعروف قديماً بـ”الأليط”، الذي تعلمه منذ كان في سن التاسعة من أخيه الأكبر “هنود”، الذي تعلمه بدوره على يد أحد عناصر الجيش التركي المنتشر آنذاك في فلسطين في عهد الدولة العثمانية. ومنذ ذلك الحين، اتخذ الحاج درويش المخبز بيتاً ثانياً، وأصبحت مراحل صناعة الأليط طقوساً خاصة لا يتقنها غيره.

يروي الحاج درويش حكاية كعك الأليط التركي، فيقول: “قديماً كان يأتي كعك الأليط أو كعك الأوزمار الشامي من بلاد الشام، ثم يوزّع كتموين على الجيش التركي أثناء سفره، لأن هذا الكعك يدوم لأكثر من عام دون أن يتعفن بفعل الخميرة التركية المستخدمة في صنعه”.

يصمت الحاج قليلاً، ويتجه نحو العجانة ليقطع عجينة أقراص كعكه الدائرية المكسوة بالسمسم، ويتراشقها بيديه ليضعها بمساعدة ابنه أيمن على صواني الخَبيز. يعاود، بابتسامته خفيفة الظل، تدوير عجينه بين أصابعه لتخرج بصورتها النهائية، ويقول: “جميع خبازي الأليط في نابلس تعلموا في هذا المكان، وما زالوا يشترون الخميرة التركية، التي أصنعها وتدوم طويلاً دون اللجوء إلى المواد الحافظة”.

\

وعن الخميرة التركية المستخدمة في صناعة الكعك، يقول الحاج درويش: “تتكون من حبات الحمص اليابس المقسم لأجزاء صغيرة، أرش عليها قليلاً من الملح، وأسكب عليها القليل من الماء المغلي، وأضعها في إناء وبمكان درجة حرارته تصل 40 درجة مئوية لمدة 12 ساعة، وبعدها أضع بعضاً منها على كمية قليلة من الطحين والماء الساخن لمدة ساعة، وبذلك تصبح الخميرة جاهزة، وبعد ساعتين من تجميده أضع القليل من السكر لأشكل كعكاً مدوراً أو أصابع”.

ويضيف الحاج درويش: “قديماً كنت أضع الخميرة على سطح بيت النار لتخمر بسرعة، ولضيق المكان اعتمدت على ضوء القنديل الطبيعي، وأضع الخميرة في اسطوانة حديدية بغطاء شبه محكم ليدخل القليل من الهواء على العجين”. وبعد أن يشكل الكعك، يَصُفّه بجانب الصواني ويضعها في صندوق خشبي كبير مغلق أسفله غاز صغير يعلوه وعاء به ماء، ليتبخر ويوزع الحرارة في داخل الصندوق، ويساعد ذلك على تخمير العجين خلال نصف ساعة، ليتم خبزه بعدها في بيت النار.

يتصبب عرقاً من حرارة فرنه ويتابع: “أخبز في بيت النار خمس صوان دفعة واحدة لمدة نصف ساعة تقريباً، وأقلبه على كلا الوجهين أكثر من مرة حتى أنتهي من خَبزه”. ويقول الحاج درويش إن زبائن مخبزه المشهور باسم “الهنود” لا يقتصرون على سكان نابلس والمناطق المجاورة، بل يأتون حتى من الجولان ومناطق أخرى نائية.

ويوضح الحاج أن “أحد أبنائي افتتح مخبزاً بماكينات حديثة لصنع الكعك بنفس المقادير، إلا أن زبائن المخبز لاحظوا الفرق بين التصنيع اليدوي والحديث من ناحية اختلاف الطعم والنكهة، فرجعنا إلى كعك الفرن اليدوي الذي يرغبه كثيرون”.

ويقول الحاج درويش، إن مردود المخبز تحسن في الوقت الحاضر لقلة العمل اليدوي على فرن النار البدائي، إذ لم يتبق من هذه المخابز سوى ثلاثة إلى أربعة في نابلس، في حين كان الربح والإنتاج متوسطاً في الماضي بسب وجود 12 مخبزاً.

ومن مميزات الأليط، أنه لا يتلف عندما يتعرض للهواء ويبقى طرياً من الداخل، ويساهم أيضاً في تسهيل عملية عسر الهضم ومعالجة الإمساك الشديد. ويساند ابن الحاج درويش والده بضع ساعات في تشكيل الأليط، أما مراحل عجنه، فهي شعائره الخاصة التي لا يجيدها إلا الحاج، والذي يجد فيها متعة منذ ساعات الفجر الأولى، ليواصل مشقة خَبزه ليلاً.

(آية عماد، دوز)

مواضيع ذات صلة