الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
20 حزيران 2022

العامل والمُشغل في فلسطين... معادلات نووية

بقلم: شادي زماعرة
رئيس تحرير شبكة راية الاعلامية

عندما أتحدث عن العامل في وطني فإني أقصد كل من يعمل في وظيفة مقابل أجر بالدرجة الأولى، أو من يمتلك حرفة يعمل بها بوظيفة لدى مُشغل، وهؤلاء يشكلون النسبة العليا من أبناء شعبي العاملين، حيث تعتمد غالبيتنا في حياته على الوظيفة. وقد استمعنا إلى تصريحات عديدة خلال الأشهر القليلة الماضية عن قلة الأيدي العاملة، وحاجة الشركات إليها، وتأثر بعض المنشآت لقلة العمالة... وهذا بيت القصيد.

من المؤكد أن الضفة الغربية وقطاع غزة تضمان آلاف العمال والموظفين والكفاءات الباحثة عن العمل والرزق. ويد العامل الفلسطيني في كل المجالات نظيفة ومتمكنة ومبدعة، بشهادة من استخدمها في العالم أجمع، إلا لدى المشغل المحلي؛ الذي يريد يدا عاملة بأقل الأجور وأبخس الأثمان. وهذه معادلة نووية في شقها الأول، فكيف تريد إنتاجا، وتحدد ساعات عمل طويلة، وتطالب بالتزام العاملين، ولكن بأقل الأجور؟!

ويمكن وصف الحال في قطاعات العمل المحلي المختلفة، بأن المشغل يريد عبيدا يطيعون وينتجون بلا نقاش، وبأجور يقررونها أقل من حد الكفاف، حتى إذا ما توجه العامل إلى داخل الخط الأخضر باحثا عن رزقه، وعن دخل أعلى، تراهم يشتكون ويبكون ويخطبون بجمل رنانة، ألا عمالة في الوطن. وهذا هو الشق التالي من المعادلة النووية؛ فإذا قلت للعمل إن الأجور التي تتقاضونها زهيدة فسيبكون، ويقولون: لا يوجد عمل، ووضعنا الاقتصادي صعب للغاية!!

لست عالما نوويا ولا فيزيائيا؛ إلا أن هذه المعادلة تعيدني إلى دراسات علمية معقدة، للإجابة على التساؤل الوجودي: كيف يمكن فهم سوق العمل المحلي؟ وأي علم هذا المتناقض؟ يبحثون عن العمالة، ويشتكون من قلتها، ولا يريدون دفع أجور تحفظ كرامة العامل، وإذا طالبتهم بذلك فسيشتكون من تعطل العمل وضعف الاقتصاد. وهنا لا يغيب عنا التساؤل المشروع: لماذا تريدون أيدي عاملة؟

والأنكى من ذلك أن ذات المشغل الذي يطالب بتوفير الأيدي العاملة لشغله، ويشتكي من قلتها، ويبكي بسبب الوضع الاقتصادي، ما تلبث مع مر الأيام حتى تسمع عن مشاريعه الكبرى، وشرائه مئات الدونمات من الأراضي، ومشاركته في الكثير من الاستثمارات، وركوبه السيارات الفارهة.

وهنا لا بد من التنويه أن ذلك ليس حسدا، بل أقول بارك الله لهم، ولكن عليهم إيجاد حل لهذه المعادلة المتضاربة؛ لأنهم يستثمرون في كل شيء، ما عدا في الإنسان العامل لديهم.

إن استغلال المشغل للعامل يبدأ من ضعف تطبيق القانون، وحاجة المواطن للعمل رغم سوق الفرص القليلة والاقتصاد المغلق، ليستغل صاحب العمل قانون الحد الأدنى للأجور، الذي لا يضمن أدنى درجات الكرامة الإنسانية واحتياجاتها.

هذا الاستغلال في ظل الانفتاح على سوق داخل الخط الأخضر، وجه الآلاف إليها طلبا لرزق؛ وأي عاقل سيطالب يدا عاملة بأن تترك عملها هناك، حين يكون الحد ليومية العامل غير الحرفي فيها 400 شيكل، ضمن ساعات عمل محددة، وحوافز العمل الإضافي، وتعود لعمل لدى مشغل مستغل بأجرة يومية لا تتجاوز 100 شيكل للعامل الحرفي؟!

أحد الأصدقاء الذي نقل عمله من الضفة إلى الداخل أخبرني بأنه يعمل لساعات محددة، بأجر أعلى، ويحظى احترام وتقدير. وعلى حد قوله فإن "المشغل الفلسطيني الذي عملت معه كان يعطيني أجري وعينه عليه، أما المشغل في الداخل فيعطيني أجري وهو سعيد"... ولست هنا لأعمم.

وبالعودة إلى العامل، فإني أعرف عشرات ممن تركوا وظائفهم في مختلف المجالات ومنها المكتبية، وتوجهوا للعمل في الداخل؛ لأن النتيجة، كما يقولون: أجر شهر هناك يفوق أجر ثلاثة أشهر في الضفة. وما حكاية الأستاذ الجامعي في إحدى مناطق الخليل، الذي استقال من عمله في الجامعة، وتوجه للعمل في الدهان والديكور داخل الخط الأخضر، عنا ببعيدة.

أما شخصيا فأحلم أن يعمل جميع الناس في وطنهم، ليساهموا في بنائه، على أن يحصل كل منهم على أجر يوازي ما يحصل عليه حين يعمل في الداخل، أو حتى بنسبة أقل قليلا، لا أن تصل المقاربة إلى أربعة أضعاف. لأن نتيجة العمل حينها ستعود نفعا على الاقتصاد الوطني؛ فمن يعمل يُجن ويستمر في بلده.

وفي الختام لا بد من توجيه رسالة للمشغل الفلسطيني: اقبل للعامل لديك ما تقبله لنفسك، والمعادلة التي تنادي بها لم تعد مقنعة حين تشتكي قلة العمال، والحاجة إليهم، في حين تزهد في أجورهم وتقطرها عليهم، بحجة الوضع الاقتصادي الصعب. إن لديك إنتاجا، لكنك لا تريد الدفع، وتبغي جني الأموال ليزيد رصيدك البنكي، أو لتستثمر في مشاريع جديدة. فالمسألة واضحة إذن؛ أنت لا ترغب في الاستثمار بالبشر، لذلك فإن المخرج النهائي للمعادلة أنك أنت المسؤول عن هروب العمالة.

اليوم يعي العامل والموظف مصلحته التي يأبى أن يعيها المشغل، فلم يعد هنالك مجال للخداع أو الاستغلال؛ لأن العامل يبحث عن الأجر الأعلى في أي مكان في العالم، فإذا أصر المشغل أن يدفع الأجر الأقل، لن تلتقي المصلحتان على أرض الوطن أبدا، خاصة حين تكون الأبواب والأيدي مشرعة لاستقبال العامل المعطي والمنتج، على بعد كيلومترات معدودة عن مصلحة المشغل الفلسطيني، وتحت بصره، وعلى مد نظره.

إن العامل والموظف هما أساس الإنتاج والبناء. ولا تقوم للاقتصاد قائمة دون الاستثمار بالبشر، واحترام عقولهم وقدراتهم، وتكريمهم وتقديرهم.

فلنبتعد إذن عن البكاء والشكوى من قلة العمال، ونحن نرى الاستثمارات الضخمة على حساب أجورهم.

كلمات مفتاحية::
هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟