تخريج الأطفال .. "ظاهرة سلبية ناشئة" بلا ضوابط
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
سؤال على مجموعة مغلقة لأمهات حول رأيهن في حفلات تخريج رياض الأطفال من حيث التكاليف ومنطقيتها دفعت بمئات التعليقات للإنطلاق على ظاهرة دخيلة على مجتمعنا الفلسطيني، مئات الأمهات أشرن أنهن تجنبن إثارة الموضوع مع روضة أطفالهن من باب "قد أكون الوحيدة المستاءة من الأمر"، بهذا السؤال وجدت الأمهات أن المعظم مستاء مما أسمينه "البهرجة"، والمبالغة في الإحتفال بنهاية مرحلة ما قبل الصف الأول، من براعم أو بستان أو تمهيدي كما اعتادت بعض رياض الأطفال على تسمية هذه المراحل، بل حتى أن بعضهن قال أن تخرج أبناء الجامعات لم يكن بهذا الزخم الذي يوضع الأهل فيه تحت مقصلة مطالب مؤسسات خاصة من جهة، وضغط الأطفال من جهة أخرى ليكونوا كأقرنائهم.
بين المنطق واللامنطق..
في تعليقات الأمهات على الاستفسار المطروح، هناك من رأى أن الاحتفال بأطفالهن له أثر نفسي ايجابي عليهم، وهو حق مشروع لهم، بينما بذات الوقت تمسكن بضرورة أن يكون هناك ضوابط لهذه الحفلات وأن لا تتجاوز التكاليف حدا معين يستطيع معظم الأهالي تغطيته دون أن يشكل ضغطا ماديا على الأهل.
منهن من رأى في مبلغ 30-100 شيقل كرسوم حفل شاملة لكل شيء من لباس وغيره مبلغا منطقيا، بينما وحسب تعليقاتهن فهناك من دفعت رسوما تصل ل300 شيقل وأكثر لمجرد مشاركة طفل بعمر 4 و5 سنوات في حفل ختامي للسنة، وهذا أمر غير منطقي، وهو لجذب الكبار وإغرائهم لتسجيل أبنائهم، فالصغار يسعدهم أبسط التفاصيل، وبالنهاية هم لا يحضرون الحفل أصلا، فقط يشاركون بفقرات ويعودون لصفوف تضبطها المشرفات.
تقول إحدى الأمهات أن تكاليف حفل تخرجها من جامعة بيرزيت وتخرج زوجها "دكتوراة" من إحدى الجامعات لم يكلفها ما تم دفعه عن ابنها لمشاركته في حفل روضته!، وترى في ذلك بذخا غير مبرر، لكنها "لا تريد كسر خاطر ابنها"، والمعظم كذلك.
وترى بعض الأمهات أن حفلات التخرج من يجب عليه دفع تكاليفها المدرسة او رياض الأطفال كونها دعاية لهم، إضافة الى أن الأهل دفعوا أقساطا عالية، ويجب أن تشمل رسوم التسجيل حفل التخرج، وإلا ما الهدف من رسوم التسجيل؟.
وأبدت الأمهات تذمرهن من حب المظاهر الذي ينشأ عليه أطفالنا ويتم تغذيتهم به بهكذا احتفالات، بدل أن تكون المدارس هي من يتصدى للظواهر السلبية في المجتمع الطلابي باتت شريكا بها، بل ومنبعا لها.
ولفتت بعض الأمهات أن ما يزيد الطين بلة أنه أصبح الأهل يحضرون هدايا لأطفالهم، هذا لا يشمل هدية الروضة وكل ما تم دفعه من تكاليف من التسجيل بالحفل لحين وصول الوالدين أو أحدهما للمكان، بل وأن بعض رياض الأطفال أجبرت الأهل على عدم اصطحاب الأطفال، وإن تم اصطحابهم فيجب دفع 20 شيقل مقابل وضعهم بالحضانة حتى انتهاء الحفل.
وعلقت إحدى الأمهات قائلة "رح احكي عن نقطة بتالمني كثير في موضوع حفلة التخرج للاطفال وهي الهدف منها . والي المفروض يكون الأساس فيها الطفل. فرحته وبهجة طلعته عالمسرح لأول مرة بمشوار عمره المدرسي . والي للاسف ولأنه هو العنصر الأضعف يصبح هو آخر هموم الحفل واهتمامات المعلمات فيه، والي بيكون هدفهم الأساسي البهرجة الزائدة بالفقرات والرقصات واللباس ومين ببينوا أطفالها اشطر بالرقصة ومين فقرتها احلى وأكثر اتقان. وطبعا الاطفال كلهم بيكونوا مش موجودين بالحفل اصلا، بيكونوا خلف الكواليس حرصا على نظام الحفل، طبعا لانه معروف الاطفال صعب تقعدوهم فترة طويلة على الكراسي فالافضل يكونوا مش بالصورة فبيصفوا طول فترة الحفل في غرف بعيدة عن المشهد فلا بيشاهدوا الحفل ولا بيفهموا شو الي بيصير . كل طفل هو وحظه برقصته يمكن يبين ويمكن ما يبين وبعدين بيطلع ماسك شهادته عشان الصورة وفرحته يا حبيبي مش واسعته مش عارف أنه مهضوم حقه بيومه. وأهله يمكن يشوفوه من بين هالحضور الغفير لحظات ويمكن ما يقدروا يلمحوه هذا عدا عن رسوم الاشتراك الي للحفلة وتوابعه ما بننساها اكيد. حضرت أكثر من حفلة لأكثر من روضة باكثر من مكان انا ما يخص بروضة بعينها لكن هذا حال جميع الروضات للاسف . نسيتو أنه الهدف من حفلة تخريج الطفل هو الطفل نفسه . وللاسف اذا ما تم لفت الأنظار لهذه الأمور وهذه المواضيع بشكل عام يلفت الإنتباه رح تبقى الأمور من سئ لاسوء بهذا الموضوع".
من جهتها قالت مديرات إحدى المدارس الخاصة والتي فضلت عدم ذكر اسمها أن هذه الاحتفالات هدفها تشجيع الطلاب واكتشاف مواهبهم وعرضها من خلال فقرات الحفل، وأن دعوة الأهل للحضور هي من باب تشجيع الأطفال من ناحية، وحث للأهل على مواصلة متابعة أطفالهم أكاديميا، وأكدت أنها لا تجني أي ربح من هذه الرسوم، فهي رسوم دي جي وهدايا ومنصة وكراسي ومسلتزمات حفل.
يلعبونها بذكاء..
يقول الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن هذه المؤسسات "تلعبها بذكاء"، فمن ناحية القانون لا يمنع أي فعاليات أو نشاطات داخل الروضة بل ويعتبر ذلك نشاطا تحفيزيا وترفيهيا للطالب، الذكاء هنا أنه لا يتم إلزام الأطفال بالمشاركة، بالمقابل يتم ممارسة ضغوطات نفسية على الطالب بطريقة ايجابية، كقولهم "أنظر لزملاءك"، "التقط صورة جماعية معهم"، "شارك بفعالية".. الخ، وبالتالي دفع الطالب نفسه لممارسة ضغوط على أهله للمشاركة في الحفل.
وأوضح أبو الروس أن هذه ظاهرة ناشئة، ومنذ تطور النمو الى النضوج والوصول لمرحلة الزواج سيكون هناك ظاهرة جديدة. كما أننا في حال أردنا توجيه رسالة لمن سنوجهها؟ للأهل، أم للمدارس؟ أم للتربية والجهات الرقابية؟، هذه الفعالية بحد ذاتها مثل السلعة، والسلعة نوعين عاطفية وعقلانية، يتم اللعب على وتر السلعة العاطفية، بمعنى أن الدعوة يتم تسليمها للطفل الذي يتم تشجيعه مسبقا على المشاركة بالحفل والفعاليات، وبالتالي يمارس الطفل ضغطه على الأهل للمشاركة، وهي ظاهرة يصعب مقاومتها حاليا، لأنها قرار مشترك ما بين المدرسة والطفل والأهل.
وتابع أبو الروس، لو تحدثنا عن منشأ هذه الفعاليات لوجدنا أنه تم إنشاءها من قبل الأسر ذات الدخل المرتفع، وكأنها نشاطات من باب أن الأهل يريدون الاحتفال بإبنهم، فالتقطتها المدارس ورياض الأطفال بأسلوب تقليد أعمى، فانتشرت بين فئات المجتمع، وهناك أهل لا تفرق معهم التكاليف، فهو يحب أن يرى ابنه يرقص ويغني ويشارك في الاحتفال وخاصة إذا كان طفله الأول، وهؤلاء أيضا ساهموا في نشر الظاهرة.
ولو تم النظر للظاهرة من جهة دعائية، فالدعاية اليوم لا تعرف حدودا ولا تعرف ديانة، بمعنى من يقوم بكافة الترويج يخترق كل الحدود وكل القواعد في سبيل جذب أكبر فئة من المنتفعين لفئته، والأهل اليوم ينظرون لفعاليات ونشاطات أكثر من موضوع التعليم. يقول أبو الروس.
يتابع، ومن ناحية التكلفة، مناسبة صغيرة مثل هذه مرهقة جدا وخاصة لأولياء الأمور الذين لا يملكون الخيار للرفض.
تكريس للفروقات الاجتماعية
الاخصائية الاجتماعية مرح عمرو ترى في هذه الممارسات إظها لوجه الرأسمالية الجشع، فالروضات والمدارس الخاصة اللي هي مشاريع رأسماليا ربحية لا تكتفي بتحصيل أقساط مرتفعة، بل وترفعها كل عام، إنما تمارس الإبتزاز بطلباتها التي لا تنتهي، من باب نشاطات طلابية.
وترى مرح أن هذه "الموضة" تخدم الرأسمالية بشكل مباشر، وتكون على حساب نفسية الأهل والأطفال. فمن جهة لا يريد الأهل أن يشعر أطفالهم بالنقص وأنهم أقل من غيرهم؛ ومن جهة أخرى يحاولون قدر المستطاع تربية جيل واعي ويفهم الحياة في بلد يتسم بزخم الأزمات، كأزمات الرواتب والغلاء الفاحش، وما الى ذلك.
وتشير مرح إلى الأثر النفسي الكبير على الأطفال حين تتجلى الطبقية في هذه الحفلات، كأن يحضر أهل طفل هدية فاخرة لطفلهم من بلالين وشكلاتة وألعاب إضافة الى لبسه الجديد، بالمقابل يأتي أطفال آخرون بلباس من العام القادم ربما، ويحضر أهلهم دون هدايا فاخرة لهم، كل هذا التناقض نختلقه في هكذا حفلات ليكرس الفروقات الاجتماعية ويكرس التناقض مع الأوضاع المعيشية والسياسية التي نعيشها.
وترى مرح أن الظاهرة هذه لا تتوقف على حفلة ساعتين بالسنة يسعد فيها الطفل، انما نحن بذلك نربي جيلا متشبعا بمجاراة المظاهر، غير قنوع، متطلب، غير مقدر لما يقدمه أهله، بل يرى أن مقصرين، كما أن الأطفال سلوكياتهم غير مسؤولة، قد يربطوا الدعم العائلي بالهدايا واللبس الثمين ليرى الطفل أنه أفضل من زملائه، وبنفس الوقت تتفاخر الأمهات بين بعضهن بأن ابنها الأجمل والأكفأ وما الى ذلك من مقارنات، وتتسابق الأمهات لنشر صور أولادهن على وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي تفاخر الأطفال بأمهاتهم المواكبات للتطور، وكل ذلك يغذي عقد نفسية لدى الأطفال ويشعر بعضهم بالنقص، ويشعر آخر بالتعالي على أقرنائه، وكل ذلك حتى "نلبس ثوب مش ثوبنا".
ويشاطرها الرأي الأخصائي الاجتماعي جواد فنشة، والذي يرى إضافة الى الانعكاسات النفسية والاجتماعية على فئات المجتمع أن هناك استغلال للأهل، وخداع لهم دون رقيب، فعندما يكون هناك اتفاق بين الوالد والروضة على قسط شهري بمبلغ معين، يفترض الوالد أنه سيدفع هذا المبلغ وينتهي من كل التبعات، فرغم دفعه مبلغ 200 شيقل تحت بند قرطاسية مثلا، يكون مدركا أن ابنه لن يستخدم ربع المبلغ قرطاسية، لكن يدفع لينتهي من التسجيل، فيفاجأ بطلبات لا تنتهي خلال الفصل بحجج نشاطات صفية.
وأضاف "نتحدث عن روضات فيها مئات الأطفال، لو حسبنا أنه تم ربح 100 شيقل من كل طفل سنخرج بمبالغ طائلة تحصدها هذه المدارس ورياض الأطفال دون رقيب ومساءلة.
ودعا لرقابة على رياض الأطفال، مشيرا أن المؤسسات الدولية تمنع جباية اي شيقل من أي طالب بأي حجة كانت، وهذا دور الجهات الرقابية بتقنين هذه المظاهر وبالرقابة على العقود المنفذة بين الأهل والمدارس، ومنع استغلال الأهل.
وأوضح فنشة أن هناك مداخل ومنافذ تجبي خلالها هذه المدارس ورياض الأطفال أرباحا بوجوه عدة، كالنشاطات احياء لمناسبات وطنية واجتماعية، يطلب من الأهالي تكاليف هذه النشاطات، وغالبا يذهب معظمها ربحا لهم.
أضف الى ذلك أن التراخيص تعطى دون قيود كافية، وهذا يجعل القطاع عرضة للاستغلال من قبل القطاع الخاص.
وأبدى فنشة سعادته بتناول هذه المواضيع التي تهم المواطن الفلسطيني وتساهم في رفع درجة الوعي في التعاطي مع هكذا ظواهر سلبية تضيف أعباء على الأسر ميسورة الحال ومتوسطة الدخل، والتي لا يمكنها مجاراة كل هذه المظاهر الدخيلة على مجتمعنا.
التربية: لا يوجد قانون يمنع
واستبعد الخبير الاقتصادي أبو الروس إمكانية ايجاد حل لهذا السلوك، كونه عاطفي غير عقلاني ويصعب التحكم به كونه بتحكم الطفل وخضوعا لرغبته، وبالتالي لا يمكن محاججة الأطفال لهذا العمر.
واقترح أبو الروس إلزام الجهات الرقابية لهذه المؤسسات بتحديد سقف أعلى لمساهمة الطفل في المشاركة بهذه الفعاليات، أو أن تقوم المدارس ورياض الأطفال بإعفاء الأطفال من رسوم الحفلات وهذا أمر صعب.
وقال "من ينفذ هذه الحفلات هو القطاع الخاص ولا ينفذها القطاع الحكومي، واليوم في رام الله تستحوذ مدارس القطاع الخاص على مدارس القطاع الحكومي، وقد آن الأوان لتسليط الضوء على ظاهرة الاحتفالات المبالغ بها في المجتمع الفلسطيني وايجاد الحلول لها."
مدير رياض الأطفال والمدارس الخاصة في رام الله علي نعيرات، قال أن هذه الحفلات هي شيء تكميلي وليس اساسي ومتروك الخيار للأهل بالاشتراك.
ويقول "حاولنا التدخل في ذلك الموضوع مع رياض الأطفال لكن اصطدمنا باحتجاج الأهل، وهم كثر بالمناسبة، الأهل نفسهم قالوا أن هذه علاقة وعقد ما بينهم وبين قطاع خاص، وقالوا أن من لا يمكنه المشاركة يمكنه الانسحاب، وبالتالي لم نتدخل بالموضوع."
قال لا يوجد شيء بالقانون يمنعهم من إقامة هذه الحفلات، ولكن وعد ببحث هذا الموضوع مع التربية للخروج باتفاق يضع ضوابط لهذه الاحتفالات.
تجارب الجوار
لو ألقينا نظرة على تجارب الدول الأخرى سنجد أن هناك تحركا من بعض الدول للسيطرة على هذه الظاهرة، حيث أعلنت وزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم قبل بضعة أعوام عن تبرعها بقاعة بالوزارة لرياض الأطفال محدودة المساحة لتقيم فيها احتفالاتها ومراسم التخريج لتخفيف العبء عن المواطنين القاضي، كما حددت الوزارة بأن لا تتجاوز رسوم تخريج رياض الأطفال “200” جنيه.
وقبل بضعة أعوام أيضا نبهت وزارة التربية في دولة خليجية المدارس كافة "حكومية وخاصة" بعدم جمع أي مبالغ مالية من أولياء الأمور نظير تلك الاحتفالات.
وهذا العام أعلن مدير ادارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم في ولاية في السودان ضوابط حفلات تخريج رياض الأطفال الخاصة للعام الدراسي 2021- 2022م ، وقال: "نسبة للظروف الصحية فضلا عن الظروف الاقتصادية والضغوطات على عامة المواطنين ، ونسبة للظواهر والمظاهر السلبية التى اخرجت حفلات تخريج الرياض عن معناها التربوى والتعليمى والصحي، أوجه بضرورة الالتزام بعدد من الموجهات منها منع اي شكل من اشكال التجمهر او المهرجانات، منع تكليف الاهالي برسوم فوق طاقتهم ( فقط رسوم رمزية إكرامية للاطفال ) ، ودعا عابدين الى ان يكون شكل التخرج برنامج صباحى لا يتجاوز الساعة الثانية عشر ظهرا كحد أقصى" .
وابان عن عدم الممانعة في استخدام مكبر صوت او مشاركة الفرق المسرحية التي تعكس قيمنا وعاداتنا وتصحح المفاهيم وتعلي من قيمة الوطن والمواطن ،على ان يكون ذلك داخل مباني الروضة فى وجود الاطفال فقط. فيما دعا الي تجنب دعوة الاهل والاقارب لسلامة الاطفال عدا الامهات .