مطالبات بإصلاح قطاع التأمين الصحي في فلسطين
بوابة اقتصاد فلسطين
أظهر تقرير قدمه الباحث ابراهيم أبو هنطش أن هناك تحديات تعترض النهوض بالقطاع الصحي الفلسطيني، وأبرزها الزيادة المضطردة في الطلب على الخدمات الصحية التابعة لوزارة الصحية، جراء ارتهان تطور الخدمات الطبية واستمرارها بتوفر الدعم الخارجي على نحو يضعف إمكانية تطوير الخدمات الصحية الأساسية، وإمكانية متابعتها وتحسين نجاعتها.
جاء ذلك خلال جلسة نقاش عقدها أمان الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) لمسودة تقرير حول إصلاح التأمين الصحي؛ كمدخل ضروري لإصلاح القطاع الصحي الفلسطيني ولتأمين حق الصحة للمواطنين.
تم التأكيد خلال اللقاء على ما جاء في قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004 على أن من مهام وزارة الصحة توفير التأمين الصحي للسكان ضمن الإمكانات المتوفرة، وفي الوقت ذاته على العديد من قرارات مجلس الوزراء التي نظمت قطاع التأمين الصحي، وهو ما ولّد انطباعاً بأن إدارة ملف التأمين الصحي يقوم على ردات الأفعال، وهو غير مستند على دراسة علمية ومعايير لآلية إدخال المواطنين في التأمين الصحي، كما لا توجد استراتيجية واضحة لتطوير نظام التأمين الصحي وشموليته وتحقيقه للمساواة بين المواطنين. والجدير ذكره ما رصده تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في العام 2016 من التجاوزات، والذي استخلص في حينه "وجود سوء استغلال في إدارة التأمين الصحي؛ مما ألحق خسائر مالية دون وجه حق، وكذلك أتاح المجال لاستخدام غير منضبط ونزيه"، ما يرجح إمكانية وجود شبهات فساد بفعل الآليات والمؤشرات الحالية.
شبهات الواسطة
وكان هناك اجماع من المشاركين على أن نظام التأمين الصحي يشوبه العديد من نقاط الضعف ما يجعله غير مؤهل. كما أن المساءلة فيه ضعيفة وبالأخص عن نوعية خدماته أو ضمان النزاهة والمساواة بين المواطنين في الاستفادة من هذه الخدمات، كذلك ضعف الشفافية وآليات المحاسبة، إضافة الى التدخلات البشرية وشبهات الواسطة من خلال تدخلات المسؤولين أو من خلال الاستثناءات التي يسمح بها النظام نفسه، ناهيك عن تلقي المشتركين في التأمين الصحي الحكومي الخدمات الصحية ذاتها بغض النظر عن الأقساط المدفوعة من قبلهم، علماً أن الحكومة الفلسطينية تتحمل النسب الأكبر (40%) من عدد المؤمنين، وهو ما نتج عن الآلية القائمة لمنح التأمين الصحي.
ديون متراكمة على الحكومة
أظهر التقرير أن الزيادة المضطردة في ملف التحويلات تنذر بمعضلة كبيرة واحتمالية متزايدة لتدهور القطاع الصحي بسبب الضغوطات المالية الكبيرة وانحسار الموارد والمخصصات المالية للوزارة.
وأشار الى أن زيادة حجم الديون للمستشفيات الفلسطينية التي تحول لها وزارة الصحة يشكل معضلة للمستشفيات ولملف التحويلات ونظام التأمين الصحي، إذ تُقدر ديون المستشفيات الخاصة المتراكمة على الحكومة حتى عام 2020 بنحو 800 مليون شيكل.
مطلوب نظام تأمين صحي شامل وإلزامي
أكد المشاركون على المطالبات المتكررة من ائتلاف أمان ومؤسسات أخرى بإلزامية التأمين الصحي للجميع، كونه ضرورة أساسية لبناء نظام صحي عادل، يقدم خدمات صحية للجميع؛ أي يوفر تغطية صحية شاملة بخدمات صحية جيدة ومستدامة، وبتكلفة معقولة للسكان كافة دون تمييز، ودون تحميل الأسر تكاليف عالية قد تؤدي إلى إفقارها. فمن حق المواطن الحصول على الخدمات الصحية من خلال التأمين الصحي بما يشمل جميع المواطنين، بمن فيهم الفئات المحرومة والمهمشة، على أن تقوم الجهة ذات العلاقة بدفع رسوم الاشتراك لوزارة الصحة عنهم، مثل وزارة التنمية الاجتماعية وغيرها.
وناقش الحضور أهمية إنشاء هيئة أو مؤسسة مستقلة لإدارة التأمين الصحي بشكل منفصل عن وزارة الصحة والتي ستبقى الجهة الإشرافية وجهة تحديد وبلورة السياسات الصحية الوطنية، إضافة الى مطالبة رئيس الوزراء ووزير الصحة ومكتب الرئيس الفلسطيني بالامتناع عن إصدار قرارات أو تعليمات لدائرة شراء الخدمة بمنح إعفاءات أو إجراء استثناءات تتعلق بالتحويلات الطبية، ووقف إعفاء أي شخص من دفع رسوم التأمين الصحي أو تغطية نسبة مساهمة المؤمن في العلاج، ما لم تتم تغطية تكلفة ذلك من موازنة مرصودة مخصصة لذلك، أي ليس على حساب موارد الصندوق الخاص بالتأمين.
العدالة الضريبية مطلب
دعا ائتلاف أمان أيضا الى إصلاح النظام الضريبي بشكل يؤدي إلى تحقيق العدالة الضريبية، وذلك من خلال المحافظة على الفئات المحرومة والمهمشة، وزيادة العبء على ذوي الدخول المرتفعة، وتحديد نسبة المشاركة في التأمين الصحي بالارتباط بالدخل، كذلك العمل باستمرار من أجل تدقيق الفواتير المستشفيات الإسرائيلية التي خُصمت خلال السنوات السابقة، ومراجعة الفواتير والأموال المخصومة من أموال المقاصة لمطابقتها، ومساءلة المسؤولين عن الإهمال والتقصير الحاصل في هذا المجال، إضافة الى تدقيق ومراجعة التحويلات الصادرة عن الخدمات الطبية العسكرية، وتحميل تكلفة التحويلات الطبية العسكرية إلى المستشفيات الإسرائيلية لموازنة الخدمات الطبية العسكرية.
وفي تعقيب لمدير عام الإدارة العامة للتأمين الصحي؛ أشاد الدكتور سليمان الأحمد، بالبرنامج المحوسب للتأمين الصحي الذي يتحكم بآلية إصدار بطاقة التأمين، ما ألغى إمكانية الاجتهاد البشري أو الاستثناءات، مقابل ما يؤمنه من اجراءات واضحة تتسم بنظامية وتراتبية. وأوضح الأحمد ضبط عملية التسجيل مع إمكانية البرنامج من استيعاب أي فئات تأمين جديدة، إضافة الى ضبط التدفق المالي من خلال الاشتراكات التي تم جبي 42 مليون شيكل بنفس البطاقات. وأعلن الأحمد أن أهمية البرنامج تبرز بربطه مع الوزارات ذات الاختصاص، منوّها أن وزارة الصحة تحصل معلوماتها من وزارة الداخلية، وهي قيد العمل على ربط معلوماتها مع وزارة العمل من أجل تحديث قائمة العاطلين عن العمل، الأمر الذي سيخفف العبء المالي، ويحد من العبء المالي.
الاشتراكات بلغة الأرقام
وبلغة الأرقام، أوضح الأحمد أن هناك 81 ألف بطاقة لموظفي الحكومة، و64 ألف بطاقة لنقابات العمال، و50 ألف بطاقة للتنمية الاجتماعية في المحافظات الشمالية، كما يبلغ عدد التأمينات المجانية 22 ألف بطاقة والتي تشمل للمناطق المهددة بالمصادرة، ومرضى الثلاسيميا، ومرضى الهيموفيليا، 18 ألف بطاقة للعاطلين عن العمل بعد أن كانت 110 آلاف بطاقة، و5 آلاف بطاقة لأسر الشهداء، بينما لم يدل الأحمد عن عدد البطاقات في المحافظات الجنوبية، علما أن هناك 2 مليون و300 ألف مواطن مستفيد من الخدمات في المحافظات الجنوبية، ومعفيين من التأمين بقرار صادر عن الرئيس.
هناك حاجة لإرادة سياسية فاعلة
وفي مداخلته، شدد د. ممدوح العكر على أهمية وجود إرادة سياسية، معلناً أهمية القيام بحملة ضغط قوية على النظام السياسي من أجل توفير نظام صحي عادل ومنصف للجميع. وأيّد د. ممدوح أن يقتصر دور وزارة الصحة على كونها منظم لقطاع الصحة فقط، وأن يكون هناك مؤسسة وطنية (منظومة واحدة) تعامل جميع المكونات (مقدمي الخدمة: ومنهم القطاع الحكومي، ووكالة الغوث، والقطاع الأهلي والقطاع الخاص) بشكل تنافسي لتحقيق جودة أعلى في الخدمة والسعر، ما سيصب في المحصلة النهائية توطين الخدمات الصحية.
أهمية العدالة الاجتماعية
وأكد الدكتور سليم الحاج يحيى، عميد كلية طب جامعة الخليل، على أهمية إعمال مبدأ العدالة الاجتماعية في التأمين الصحي، كونه خط الأساس في أي خدمة تقدمها وزارة الصحة، منوها لخصوصية المجتمع الفلسطيني، إذ لا يمكننا استيراد نظام تأمين صحي من دولة أخرى.
وأيد د. سليم أن التأمين الصحي يجب أن يكون خارج وزارة الصحة وضمن مؤسسة مستقلة، كما لا يمكن تجزئة التأمين الصحي من الإصلاح في القطاع الصحي، اذ يجب تعزيز ثقة المواطن في الجهاز الصحي، وأهمية مأسسة الرعاية الأولية بناء طب الأسرة كمطلب وطني وإنساني وتأميني، بصفته البوابة الحامية للطب، إذ يعالج 80% من الأمراض والمشاكل عن طريق التشخيص الأولي لها، الأمر الذي سيعود بالفائدة على المجتمع وبالأخص سكان القرى النائية والمخيمات، ومن لا يستطيعون الوصول الى مراكز المدن لتلقي العلاج.
أما بخصوص التحويلات، فقد اشار د. سليم الى أنه يتوجب تحديدها بالحالات الإنسانية الصرفة، وأن يكون هناك لجنة بمعايير واضحة، وأن تستثمر الأموال في بناء بنى تحتية لمستشفيات تبنى عاموديا، تستطيع في نهاية المطاف من تقديم خدمات ثلاثية، مقترحاً أن يتم التركيز على مستشفى واحد في الضفة وآخر في غزة، ذاكرا وجود مقترح للاستثمار وتشجيع الكفاءات الطبية الفلسطينية المتواجدة في المهجر، والتركيز على الجمع بشكل تكاملي بين القطاع العام والخاص، مؤيدا لفكرة دعم الطاقم الطبي والتخفيف من التكلفة التشغيلية ، وليس العكس.
فيما شدد الدكتور فتحي أبو مغلي، وزير الصحة الأسبق على أهمية تغطية صحية شاملة من أجل إعمال الحق في الصحة لجميع المواطنين. وشدد الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لإعمال فكرة التأمين الصحي التعاوني التضامني على نحو ينسجم من خطة التنمية المستدامة مع الحكومة، ايمانا بالانسان كونه مركز الاهتمام، والشمولية لكل الناس. فيما أبدى عبد غزال، ضرورة وجود قانون للتأمين الصحي، قضية اجتماعية حقوقية، داعيا الى حوار وطني واسع لنتائج اللجان لتوطين الخدمة، موضحا أنه "لن يستقيم النظام الصحي بدون قانون".