الرئيسية » ريادة »
 
11 نيسان 2022

ريادية تحوّل حطام الزجاج لحجر بناء صديق للبيئة

بوابة اقتصاد فلسطين

الحجر الأزرق أو "بلو ستون" مشروعٌ لريادية طَموحة اسمها روان جبر، جعلت من حطام الزجاج لبنة حلم وقوده حب الطبيعة، وتخليص البيئة مما علقَ بها من نفايات شوّهت صورتها المفعمة بالحياة.

ابنة الـــ 22 ربيعًا ما زالت على مقاعد الدراسة التي لم تقيد شغفها، إذ تكمل دراستها إلى جانب محاولتها جاهدة تنفيذ فكرة تأمل أن تصبح مشروعًا تتكأ عليه بعد تخرجها، سعيًا منها للخروج من خانة "البطالة المرتفعة" التي تقضّ مضاجع الخريجين في مناطق السلطة الفلسطينية.

ولادة الفكرة

تدرس روان التصميم والفنون التطبيقية في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"، وهنا يكمن سر الفكرة، فالخامات والألوان أدواتها، والميول الفنية ريشتها، وتمخّض عن ذلك "الحجر الداخلي" الذي مزجت فيه حطام الزجاج بالإسمنت والأصباغ ليزين واجهات في منازل محبي الطبيعة وهواة الذوق الرفيع.

تقول روان إن فكرة المشروع جاءت إبّان الحجر الصحي الأول وتحديدًا في آذار 2020، عندما انخرطت في تدريب "أون لاين"، وكان من ضمنه تدريب تلّقته في مشروع "نجاحها"، وعمره الزمني أربع سنوات يهدف إلى تمكين النساء الفلسطينيات الشابات المُهمشات من فئة عمرية تتراوح بين ( 19 و 29 عامًا).

 كان المطلوب منها الخروج بفكرة ريادية، وراحت في ذلك الوقت تطلّع على مواقع الكترونية عربية وأجنبية عدة لتجد ضالتها، إلى جانب ما تلّقته من مهارات في تخصصها وما تتقنه من فنون، وما يمكنها أن تتعلمه بما يمضي بالفكرة قدما.

وثمة ميلٍ بيئي دفع الفتاة لصبّ جهدها في مجال لا تندم فيه، نعم لم تحصد ثماره المادية بعد، وحتى لو لم يدّر الربح لها فإنه حتمًا سيخدم البيئة ويصبح لها بصمة في الحياة، كما تقول.

اختارت التركيز على المشاكل البيئية في فلسطين دون أن تشتتّ أفكارها، فوجدت أن من أهمها النفايات التي تتكدّس بشكل يشوّه جمال الطبيعة، ومن هذه النفايات كان لا بد لها أن تختار نوعًا يمكنها استخدامه في مشروعها بما يحقق الأثر الذي تصبو إليه فكان الزجاج.

في البداية، خرجت روان بعدة معطيات، منها أن متوسط إنتاج الأسرة اليومي من النفايات المنزلية في فلسطين بلغ نحو 2.9 كغم حسب إحصائية رسمية لعام 2015، وما يُدّور منها 1% فقط حسب روان، ومن بين هذه النفايات "الزجاج"، والذي يبلغ ثمن الطن الواحد منه "الزجاج التالف" نحو 600 شيقل، (ما يعادل نحو 180 دولار أميركي)، ومن هنا جاءت الفكرة.

من مادة خطرة لمنظر جمالي

كما هو معروف، الزجاج مادة صلبة هشّة غير بلورية، تتكون بشكل رئيس من مادة "السيليكا" الكيميائية، إضافة إلى مواد أخرى، وهذه المواد هي عنصر أساسي في تكوين الرمال الطبيعية.

ويُستخدم الزجاج بكثرة في العديد من الصناعات، وكونه عرضة للكسر، يتراكم لدينا كميات كبيرة من الزجاج التالف، ومن هنا تظهر الحاجة لإيجاد طرقٍ لتدويره، بدلاً من أن يكون عبئًا على البيئة، تبعًا لحديث روان.

الزجاج الذي تعمل به تجمعه هي وعائلتها، أو قد تشتريه من أطفال القرية بمبالغ زهيدة تشجعهم على الاستمرار في جمعه وتجعله ذو قيمة في نظرهم، بدلاً من إلقائه عبثًا.

هي التي لم تتردد في العمل بالزجاج رغم خطورته، وما يتطلبه من تركيز وحذر واستخدام أدوات خاصة، وكانت إرادتها لا تلين في إجراء التجارب واحدة تلو الأخرى وبصفة فردية قبل الإعلان عن فكرتها، وذلك حتى يتسنى لها اختبارها وفحص إمكانية المتابعة، وحين تسنى لها ذلك أطلقتها، لعل الحلم يكبر ويغدو يومًا ما مصنعاً.

بداية موفقة

بدأ المشروع بإنتاج "الحجر الداخلي" الصديق للبيئة، كما تضمّن منتجَ "قوارير زراعية" تستخدم لنباتات الزينة، إضافة إلى إعادة تدوير نجارة الخشب، لكن التركيز الأكبر يستهدف الزجاج التالف.

وأنتجت روان مترين من حجر "بلو ستون" يوميًا في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وهو حجر صغير بمقاس 22 سم /7 سم، والحجر الكبير بمقاس 40 سم/ 22 سم.

 وفي شهر كانون أول الماضي استطاعت إنتاج خمسة أمتار يوميًا، وآنذاك تمكنت من إدخال منتجات جديدة إلى مشروعها كالقوارير الزراعية والمناظر المعاد تدويرها.

وتضيف: "أعيد تدوير ثلاثة إلى أربعة كيلوغرامات من حطام الزجاج والخشب وبقايا الورق يوميًا، وحين زاد الإنتاج كان لا بد من مساعدة أبي وأخي في صنع المنتجات الصديقة للبيئة، وإن لم يكن لدي طلب يُغطي الإنتاج عندئذ أخزّن الفائض حتى أتمكن من تلبية الطلبيات المستقبلية".

تحديات وعقبات

حصلت روان رجب على تمويل بقيمة خمسة آلاف دولار، وفرّت من خلاله بعض الأدوات، إلا أنه لم يكن كافيًا لتغطية تكاليف جمع الزجاج من المحافظات كافة، ثم ظهرت معيقات أخرى تتمثل في إيجاد آلية للتسويق والترويج للمنتج، ثم انضمت لحاضنات أعمالٍ أخرى للحصول على تمويل لتستأنف به العمل في مشروعها.

ومنذ ثمانية شهور تستمر في إنتاج حجر بمثابة واجهة جمالية للمنازل والمحال والمؤسسات، وكان من الجيد أن عددًا من الزبائن راقت لهم الفكرة، فشجعوها باستخدامهم الحجر في تصاميم منازلهم، ما أشعل حماس روان وجعلها تتطلع لمزيد من الإنتاج، والعمل على منتجات أخرى مبتكرة.

وتعرب روان عن فرحتها برضا الزبائن عن الفكرة وترويجهم الطوعي لها، مردفة بالقول: "أحد الزبائن أخبرني أنه يرى في واجهة منزله التي صُمّمت بحجر بلو ستون لوحة فنية تحمل بعد أخلاقيًا كونها تدعم البيئة، إلى درجة أنه يخبر كل من يزوره عن البعد الذي تحمله فكرتي".

ومع اعتزازها بشهادة زبونها إلا أنها تبدو قلقة من الاعتماد على طريقة كهذه في التسويق لأنها ستستغرق وقتاً بطبيعة الحال، فيما غياب الوعي البيئي يجعل الفكرة بطيئة الانتشار وهو ما يعيق تقدمها بسرعة تجاري طموحها.

في اتجاهين

وعن مدى تعاون المجتمع المحلي معها، تقول روان: "أتلقى اتصالات عدة من أشخاص متحمسين لمساعدتي في تنفيذ المشروع، يخبروني أن لديهم كميات كبيرة من الزجاج، ويؤسفني عدم تمكني من الذهاب لأخذها منهم، حتى أساهم بعض الشيء في تخليص البيئة منها؛ بسبب أن النقل مكلف، ويشكل عبئًا ماليًا ولا يمكن لمشروعي تحملّه في الوقت الحالي".

ولا تنتهي الأفكار التي تدور في رأس روان لحل مشكلة جمع نفايات الزجاج من المدن والمحافظات المختلفة، سعيًا إلى تحقيق الهدف الأساسي من مشروعها.

 وتشير إلى أن من هذه الأفكار التنسيق مع البلديات والمجالس القروية والتعاون معها، آملة في نهاية حديثها أن ترى حلمها بعد التخرج يكبر رويداً رويداً، لينتقل من مجرد فرصة عمل إلى مصنعٍ قادر على تشغيل عشرات الأيدي العاملة بمنتجات أخرى، حتى تتمكن من تحويل نفايات الزجاج لثروة تعتاش عليها بعض الأسر من جهة، ومن جهة أخرى تتزين البيوت والمنشآت بمنتجات صديقة للبيئة، "فمن يشتري أو يستخدم منتجات الحجر الأزرق لا يشتري منتجًا فقط، إنما يقتني فكرة وقيمة بيئية".

المصدر: حسناء الرنتيسي/ مجلة افاق البيئة والتنمية 

كلمات مفتاحية::