جهود فلسطينية لكسر ثبات حجم التبادل التجاري مع الدول العربية
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين: استغلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، وتوتر علاقتها مع الفلسطينيين، في الدفع تجاه الضغط على الحكومات العربية لإنهاء مقاطعتها التجارية لدولة الاحتلال، وهنا أخذت رقعة التطبيع بالاتساع شيئاً فشيئا، وانزلقت العديد من الدول العربية إلى ذلك المستنقع، متجاهلة مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية.
ففي الوقت الذي يتعزز التطبيع والتبادل التجاري بين الاحتلال والدول العربية على حساب الحقوق الفلسطينية في الموارد؛ يلازم التبادل التجاري العربي الفلسطيني مكانه حسب الأرقام المعلنة، رغم الجهود المبذولة فلسطينياً لتوسيع خيارات التبادل التجاري مع هذه الدول.
ويعد الوقـود، والمواد الغـذائية والماشـية، والبضائـع المصنعـة من أهم وأكثـر المنتجـات التـي يتـم اسـتيرادها فلسطينياً، فــي حيــن يعتبــر الحجــر والرخــام، ومنتجــات الحديــد المعــاد صهــره، والبلاســتيك، والأدويــة، والأثــاث، والخضــار، والأعشــاب الطبيــة أكثــر المنتجــات التــي يتــم تصديرهــا من فلسطين، إضافــة إلــى الصــادرات الخدماتيــة وأهمهــا؛ خدمــات الســفر والســياحة، وخدمــات النقــل والتأميــن، وخدمــات تكنولوجيــا المعلومــات والاتصالات.
تبادل تجاري ضعيف
حسـب إتفاقيـة منطقـة التجـارة العربيـة الحـرة الكبـرى، وقـرار القمـة العربيـة رقـم (200) لسـنة 2000، فإن الصادرات الفلسطينية معفـاة مـن الرسـوم الجمركيـة، لكن ضعف الجهود في تسويق المنتج الفلسطيني أو إبرام اتفاقيات تفتح المجال للمنتج الفلسطيني في الأسواق العربية، حال دون الاستفادة من هذه المزايا كما يرى الخبير الاقتصادي طارق الحاج.
ويرى الحاج أن هناك عزوفاً لدى بعض الدول العربية عن استيراد المنتج الفلسطيني، رغم أن عدداً من هذه الدول يمنح تسهيلات لها، بل وذهب الأمر في بعضها إلى التهافت على استيراد المنتج الإسرائيلي بعد حملة التطبيع الأخيرة، وبالتالي أصبح هناك منتجات منافسة تحل محل المنتج الفلسطيني في أسواق الدول المطبعة.
وأشار إلى غياب الدعم الحقيقي للمنتجين الفلسطينيين في قطاع الزراعة والصناعة والحجر، حيث أن التكلفة الزائدة على المنتجين خلال جائحة كورونا أثرت على قدرة المنتج التنافسية، إضافة إلى معيقات وعراقيل الاحتلال أمام حركة البضائع من وإلى الأسواق، ناهيك عن أن الحوالات وانسياب رؤوس الأموال أصبحت قيد التدقيق والتقييد أحياناً، وهذا يضعف التبادل التجاري بكل تأكيد.
ثبات رقم التبادل التجاري
في ذات السياق، يرى مدير دائرة تنمية التجارة في وزارة الاقتصاد جواد المعطي أن التبادل التجاري خلال عام 2020 تأثر بجائحة كورونا، وبلغ حجم التبادل التجاري العربي 503 ملايين دولار، منها 394 مليون دولار كواردات، و109 مليون دولار كصادرات.
وقال: "خلال عام 2019 كانت قيمة الصادرات بحدود 150 مليون دولار، وانخفضت إلى 109 مليون دولار في عام 2020، كما انخفضت الواردات بشكل كبير بسبب الجائحة".
وتعقيبا على الثبات في الرقم للتبادل التجاري مع الدول العربية خلال عدة سنوات، يشير المعطي إلى أن هناك محاولات لرفع التبادل التجاري مع الأردن ومصر وقطر.
وأضاف: "مشكلتنا مع الدول العربية أننا تقريبا ننتج نفس السلع، فدول الخليج صادراتهم بترول، وفي الأردن هناك تقارب لهياكل الإنتاج، عدا عن مشاكل التصدير، "فإسرائيل" لا تعنيها اتفاقياتنا مع الدول العربية ولا حصولنا على الإعفاء الجمركي من تلك الدول، وبالتالي فإن تجارنا يدفعون الجمرك، وعملية استرجاعه من مالية الاحتلال أو ما يسمى بالإرجاع الضريبي يكون معقداً".
وتابع" مشكلة أخرى تتعلق بالمواصفات، حيث لا يوجد اعتماد للمواصفات بين فلسطين والأردن مثلا، فلو كانوا يعتمدون المواصفات الفلسطينية كما نعتمد مواصفاتهم لكان الوضع أفضل بكثير".
أكبر تبادل تجاري عربي مع الأردن
وأشار المعطي إلى أن الجانب الأردني يمثل أكبر طرف عربي يتم التبادل التجاري معه (52% من صادراتنا للأردن)، حيث كانت فلسطين والأردن قد وقعتا مؤخرا 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم، لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة، ضمن مساعيهما لرفع التبادل التجاري بينهما.
وعن إمكانية تحسين التبادل التجاري بين الطرفين الفلسطيني والأردني في ظل القيود الإسرائيلية يقول المعطي: "طلبنا من الجانب الأردني الضغط على الجانب الاسرائيلي لتقديم تسهيلات، كأن تدخل البضائع بحاويات كما هي على جسر الملك حسين، ما سيوفر الجهد والوقت على التجار الفلسطينيين".
وبلغت الصادرات الفلسطينية للأردن ما قيمته 75 مليون دولار عام 2020، أما الواردات فبلغت 174 مليون دولار.
وتتركز الواردات الفلسطينية على الأسمنت، والكهرباء، والخزانات، وبراميل البلاستيك، وأجهزة الهاتف، والرمل، والمشروبات، وبعض الدهانات، حيث تستورد فلسطين مادة الأسمنت بما قيمته 50 مليون دولار سنوياً، في إطار البحث عن بديل لأسمنت الإسرائيلي، في سياسة تنتهجها الحكومة الفلسطينية في الانفكاك عن الاحتلال اقتصادياً.
وقال المعطي: "نرسل للأردن حجر البناء وخردة الحديد (121 مليون دولار من صادراتنا خردة الحديد)، وكذلك منتجات "سنيورة" ومشروبات وخضراوات طازجة بنحو 2 مليون دولار، فمعظم صادراتنا تتنوع ما بين حجر البناء وزيت الزيتون والتمور والسجق ومنتجاته والقهوة".
وأوضح أن هناك ثباتاً في نوعية الصادرات، لكنها تزيد أو تقل بكميات معينة، فالمعادلة هنا ليست كمعادلة دولة، واستيراد المواد الخام يعيق تطوير المنتجات، فهناك أسمدة ومدخلات إنتاج يتم منعها لأغراض أمنية، وهي مدخلات في الصناعات، مثلا "الآجو" المستخدم في صناعة الأثاث، والذي يُمنع استيراده إلا من "إسرائيل" حصراً، في سعي من الأخيرة لتعميق التبعية لاقتصادنا معها.
محاولات متواصلة لرفع التبادل
يقول المعطي أن هناك مراسلات بين فلسطين وعدة دول عربية مثل السعودية وقطر وعمان، لرفع التبادل التجاري، ورغم أنه لا يوجد جمارك، لكن بعض الإجراءات الإدارية أثناء التخليص الجمركي ومرور البضائع تتطلب المراجعة، والحصول على تسهيلات، وكذلك الحال فيما يخص الجهود في ترويج البضائع في هذه الدول، حيث ستقام المعارض بغرض تسهيل الترويج.
وأشار المعطي أن المواصفات الفلسطينية معتمدة في بعض الدول بناء على تفاهمات مسبقة مع الدول العربية، لكن مسألة اعتمادها في الأردن والسعودية بحاجة إلى وقت كونها تحتاج إلى مجموعة من التقنيات، لكنها تعد أحد أسباب زيادة وصول المنتجات للأسواق العربية.