"الأغوار" سلة فلسطين الزراعية... يمزقها الاستيطان ويهجّر زارعيها
حسناء الرنتيسي-بوابة اقتصاد فلسطين: منذ سنوات طويلة، يوجه الاحتلال الاسرائيلي زحفه الاستيطاني السرطاني نحو سلة فلسطين الغذائية، حيث أشار تقرير لوزير البناء والإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، أن هناك دفع باتجاه تمرير مخطط لمضاعفة عدد المستوطنين في غور الأردن في غضون أربع سنوات، وهذا لا يعني مستوطنات جديدة، إنما توسيع للمستوطنات المقامة على أراضي الأغوار الزراعية، بما يدفع للمزيد من النزف في سلة المواطن الغذائية.
الأرقام الفلسطينية تتحدث عن نحو 13 ألف مستوطن، يتوزعون على 38 مستوطنة، بينما أصحاب الأرض الفلسطينيون يصل عددهم في تلك البقعة الجغرافية التي تقدر مساحتها بنحو 1.6 مليون دونم، إلى قرابة 65 ألف فلسطيني في 34 تجمعا سكنيا.
حملات استيطانية تتم في وضح النهار، ودون أي رادع، لتطال كل ما يعترض طريقها، فالمناطق الزراعية في أنحاء فلسطين كلها، معرضة لهجمات شرسة تستهدف ابتلاع المزيد من الأراضي، وتجريد المزارع من كينونته.
كيان مهدد
اكتسب غور الأردن أهمية كبيرة تتمثل بالعمق الإستراتيجي الذي يشكله، فبالإضافة الى أن الأغوار تعد من أكثر وأقدم المناطق المستهدفة من قبل الاحتلال بطرق عديدة جداً، فهي منطقة طبيعية دافئة، يمكن استغلالها للزراعة طوال العام، إضافة إلى خصوبة تربتها، وعدم وجود كثافة سكانية عالية فيها.
الاحتلال يدرك أهميتها السياسية كونها منطقة حدودية ونظراً لأهميتها الدينية، ففي التوراة يعتبرونها جزءاً أساسياً من أرض ما تسمى "إسرائيل"، وعليه فيجب أن تكون مزروعة بالنخيل، وهو ما يتم من خلال برنامج لزراعة كل منطقة الأغوار بالنخيل، يقول فؤاد أبو سيف مدير عام اتحاد لجان العمل الزراعي.
ويضيف: "ما نسيطر عليه أقل من 50 ألف دونم، وهي أراض تفتقر للمياه، من إجمالي 700 ألف دونم وأكثر (يعتمد على تعريفنا لحدود منطقة الاغوار)، نصفهم مناطق مغلقة وعسكرية، إضافة الى مستوطنات تسيطر نحو 40% من المنطقة، مع وجود مناطق عسكرية ومصادرة أراضي وطرق التفافية".
لا مياه صالحة للري
تسيطر دولة الاحتلال على مصادر المياه بالأغوار، ويشير أبو سيف إلى أنه في منطقة الجفتلك هناك 18 ألف دونم أراض زراعية، بينما يتم ري 9 آلاف دونم بمياه مجاري غير معالجة، وهي من كبريات المناطق الزراعية في الأغوار، وتقوم "إسرائيل" بحفر العديد من الآبار، في مخالفة صريحة للقانون الدولي، حيث ضخّت منها حوالي 33.9 مليون متر مكعب إلى غور الأردن.
الوضع جنوني في مناطق ج
ويذكر مدير عام اتحاد لجان العمل الزراعي أن نحو 900 منشأة تعرضت للهدم قبل شهر من نهاية العام الجاري 2021، في المناطق المصنفة "ج" ومعظمها منشآت زراعية، بينما كان الحال أقل حدة قبل بضعة أعوام، حيث لم تكن وتيرة الهدم تسير بتلك السرعة، وكأن دولة الاحتلال في سباق مع الزمن، لابتلاع المزيد من أراضي المزارعين، فالأعوام السابقة كانت عمليات الهدم ما بين 600-700 منشأة في العام.
المزارعون في تناقص
هذا الواقع أوصل المزارعين إلى حالة شعروا فيها بالتهميش، فلا أحد يلتفت لهم وباتوا على جبهة التصدي للاستعمار لوحدهم، يقول أبو سيف.
كما أشار لتناقص أعدادهم، وتناقص فرص التسويق لمنتجاتهم الزراعية، حتى أن المزارع بات يشعر وكأنه أجير لا صاحب أرض، وهو ما دفع الكثيرين منهم للخروج من السوق، وسيلحق بهم آخرون كل عام.
ويؤكد أبو سيف أن موضوع الأغوار موضوع سياسي، ويحتاج أن يكون أولى الأوليات للفلسطينيين، فدون الأغوار سنخسر السيادة على الأرض والغذاء، فنحن بلد زراعي، ويوضح، "قبل مجيء السلطة كانت الزراعة تشكل نحو 37% من الدخل العام، اليوم تدنت النسبة إلى ما دون 4%، فالمفترض هنا أن يتضاعف الرقم لا أن يتقلص".
ويشدد أبو سيف على أن الأوضاع في الأغوار كارثية، وما تم تنفيذه من خطط لا يساوي أعشار ما تحتاجه المنطقة.
كما يرى أن هناك أمراً لا يقل خطورة عن الاستيطان، يتم تنفيذه بأيدٍ فلسطينية، وهو تحويل مناطق زراعية كبيرة إلى منتجعات سياحية، ومناطق خاصة من فلل وغيرها، رغم أن القانون يمنع ذلك، وهذا تحدٍ يضاف إلى معاناة سلة غذائنا التي تتقلص شيئا فشيئا، بفعل الاحتلال من جهة، وبفعل الإهمال والإحباط من جهة أخرى.