الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
15 تموز 2015

رمضان شهر التميز الاقتصادي

\

د. أكرم عثمان- مستشار وخبير دولي في التنمية البشرية

يقول ربنا عز وجل "كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " الأعراف : 31. رمضان شهر ترشيد الإنفاق والتميز الاقتصادي ، حيث إن معدل الوجبات الغذائية للصائم  وجبتين يومياً، بخلاف الأيام العادية فهي ثلاث وجبات، فالأرجح أن ينخفض الاستهلاك والمصروفات إلى حدود الثلث.

لكن المتتبع للمسلمين يجد العجب العجاب، شهر الطاعات والروحانيات تحول إلى شهر المأكولات وما لذ وطاب. الإنفاق الاستهلاكي أصبح عادات سلبية دخيلة علينا في رمضان، حيث رصدت لها ميزانيات تثقل كاهل الأفراد والجماعات. النهار صوماً وكسلاً، والليل كثير من الأكل والسهر. فبدل أن يفكر الصائم بالطاعات ينشغل بالطعام والشراب والتسوق العشوائي الذي يستنزف الجيوب ويجعلها عالة ومدينة للبنوك و الأفراد.

ويعتبر الاستهلاك أحدَ المظاهر الحضارية المعاصرة في عصر العَوْلَمة والانفتاح والتدفق الإعلامي؛ حيث تحولت الثقافة إلى أسلوب يدفع الأفراد إلى الهَرْوَلة وراء الاستهلاك، وتبديد الأموال لإشباع رغباتهم الآنية، وتحول أصحاب الثراء إلى أدوات استهلاكية غير إنتاجية، لا سيما في دول النفط والغاز.

ويعرف "قاموس ويبستر" العالمي، الاستهلاك بأن: "عمل يهدف إلى استعمال الشيء استعمالاً كاملاً؛ مثل: الأكل، والوقت، وغير ذلك".

إن الدراسات كارثية تلك التي تتحدث عن إنفاق العرب والمسلمين في رمضان، حيث تشير الدراسات والأرقام الإحصائية إلى أن حجم الإنفاق في السعودية يزيد عن 150% عن بقية الشهور. وكذلك يرتفع إنفاق المسلمين في فرنسا وهولندا وغيرها من البلدان، إن معدل إنفاق شهر رمضان يعادل حوالي شهرين إلى ثلاثة شهور في بقية العام .

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».

 

هل تعتبر الصدقة أو الضيافة وإفطار صائم من التبذير والاستهلاك في غير مكانه ومحله؟ طبعاً لا، فالأجر الجزيل في إفطار الصائم والصدقة على الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يأكلونه، أو ممن تعثرت بها الحياة، فلا يمتلكون ما يسد جوعهم وظمائهم، لذا يعتبر الصيام من أشهر التعاطف والوقوف بجانب المحتاجين والجوعى الذين لا يجدون ما يأكلونه.

لكن الاستهلاك والتبذير هو ما نشتريه و نقتنيه ثم لا نستفيد منه، ويكون نتيجة ما نستخدمه في إفطارنا أقل بكثير مما نأكله و يكون مصيره حاوية النفايات.

وهكذا فمفتاح حلّ الأزمات الحقيقي إنما يكمن في التربية الاستهلاكية، وهو مفهوم حديث نسبيًا على المجتمعات الغربية التي جعلت من الحرية المطلقة بلا ضوابط إلهاّ يعبد من دون الله. فلقد كان هناك من يعتبر هذا النمط من التربية اعتداء غير مبرّر على حق المستهلك في أن يستهلك ما يشاء، وقت ما يشاء وكيفما يشاء. ولكن اكتشف العديد من المجتمعات أن تدليل المستهلك إلى هذا الحد باهظ الثمن، وأنها إذا استطاعت أن تلبيه اليوم، فقد لا تستطيع ذلك في الغد.

ولذلك عادت مفردات التدبير والتوفير وحسن التصرف في المال، تشق طريقها إلى الدراسات الاقتصادية الحديثة.

إذن ما الحل للعودة واستثمار رمضان ليكون شهر التميز الاقتصادي والتوفير والادخار السليم؟

* ترويض النفس والجيب على الاقتصاد، وتجنب الإفراط والتفريط وإتباع الوسطية والاعتدال في الأكل والشرب.

* الوعي الغذائي ومعرفة الاحتياجات اليومية للأسر والعمل على إعداد وجبات مكتملة العناصر.

* تجنب النزعة الاستهلاكية وإتباع التربية الاستهلاكية وصياغة نمط استهلاكي دائم ومستمر بشكل عام و في رمضان على وجه الخصوص.

* تنمية ثقافة الادخار حتى لا تتحول الأسر إلى الاستهلاك السلبي.

* إحلال وإبدال الأطعمة التي يرتفع ثمنها ، واختيار أطعمة عالية القيمة الغذائية ورخيصة الثمن.

* إشغال النفس بالروحانيات والطاعات على الانشغال بالطعام والشراب.

مواضيع ذات صلة