خمسة بدائل مقترحة لتقشف الموازنة العامة دون المساس بالرواتب
اخلاص طمليه- بوابة اقتصاد فلسطين
ترافقت الأزمة المالية مع ارتفاع الدين العام في الربع الأول من 2021 إلى 12 مليار شيقل بينهم 7.7 مليار دين محلي وقرابة 4.3 مليار دين خارجي، كما بلغت المتأخرات المتراكمة للقطاع الخاص 18 مليار شيقل، ويشكل الدين الحكومي 52% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يكلف الدين الحكومة نحو 15 مليون شيكل فوائد شهرية، وبالتالي وحسب قانون الدين العام بلغ الإقتراض الحكومي سقفة القانوني حيث حدد القانون 40% كحد أعلى يجب عدم تجاوزه.
الباحثة إخلاص طمليه أعدت ورقة سياسات تناولت فيها سياسات بديلة لتقشف الموازنة العامة دون المساس بالرواتب، وبناء على المعلومات المذكورة فإن الباحثة تجنبت خيار الاقتراض كبديل مستدام للخروج من الأزمة المالية.
يبلغ عدد الموظفين الحكوميين حسب احصاءات عام 2019 ، 209,500 موظف في القطاع الحكومي لدولة فلسطين، وتبلغ نسبتهم 20.7% من إجمالي عدد العاملين في الضفة الغربية وغزة، تقدر قيمة الرواتب والأجور حسب ميزانية عام 2020 ما نسبته 45% من إجمال النفقات وصافي الاقراض، وتستحوذ قطاعات حيوية كالتعليم والصحة على ما يقارب نسبته 69.9% من مجموع موظفي الخدمة المدنية، ورغم أن فاتورة الرواتب والأجور في القطاع المدني تعتبر أعلى البنود وزنا، إلا أن هذا البند يحمل الكثير من التفاصيل والتعقيدات، لتحديد ما الذي يجب تخفيضه حتى يكون التقشف واقعيا ومجديا وبدون أن يحمل السلطة أي تكاليف اقتصادية واجتماعية قد تفوق الوفورات المالية المتحققة، كما أنه من الملاحظ صعوبة تقليص مستويات الرواتب نفسها حيث يبلغ متوسط الأجر الشهري للموظف المدني 3480 شيكل، وبالتالي لا يمكن الدفاع عن هذا الخيار في ظل تدني هذه الرواتب أصلا مقارنة بتكاليف المعيشة العالية، وصعوبة إنهاء خدمات عدد كبير من الموظفين بدون حقوق تقاعدية في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الفلسطيني، ولكن من الممكن إعادة تدوير عدد من الموظفين من خلال نقلهم لوظائف تتلائم مع مؤهلاتهم وترفع من انتاجيتهم، أو دمج بعض مراكز المسؤولية في السلطة أو حتى إلغائها حسب الأولويات.
من المتفق عليه أن الأزمة المالية للسطة الفلسطينية هي ازمة هيكلية بنيوية، ولأنها كذلك فإن معالجة أسبابها ووضع حلول لها لا يمكن أن يكون بأدوات فنية وإدارية فقط، فالإحتلال وسيطرته على جميع الموارد والمنافذ يجعلنا ندرك جيدا أن كافة الحلول والمقترحات التي من الممكن إتباعها ومنها التقشف أو الترشيد في الإنفاق العام سيسهم في التخفيف من حدة الأزمة ولكن لن تعالجها بشكل كامل، لذا تقدم هذه الورقة الحلول والبدائل التي يتوقع أن تحل أزمة السلطة المالية بالاعتماد على الذات كحلول إدارية غير سياسية.
البديل الأول: تبني سياسات العدالة الضريبية (يوصى به):
يجب على الحكومة الفلسطينية إعادة النظر في النظام الضريبي كأداة لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، والتوقف عن اعتبارها أداة لتحصيل الأموال، وحتى تكون السياسات الضريبية أكثر عدالة يجب أن تسهم في إعادة توزيع الدخل والثروة على الفئات المجتمعية المختلفة، كما تسهم سياسات العدالة الضريبية في حشد الموارد المالية الكافية لخزينة الدولة الفلسطينية لتغطية النفقات العامة.
كما يجب أن تتم إعادة هيكلة الضرائب لتحويل جزء من العبء الضريبي على الشركات الكبرى والأغنياء ونورد بعض الإصلاحات الضريبية المقترحة:
وبشأن ضريبة القيمة المضافة تطرح الورقة خيارات:
إعفــاء سلة السلع الأساسية مــن قيمــة الضريبــة المضافــة، لمـا لهـا مـن دور فـي مسـاعدة الأسـر الفقيـرة علـى توفيـر المـواد الأساســية مــن دون تكاليــف إضافيــة.
زيادة عدد الشـرائح لضريبـة القيمـة المضافـة، بحيـث تتدرج الضريبة بناء على أهمية السلعة للعائلة الفلسطيني، بحيــث تكون صفرا لبعــض السـلع، 5% للسـلع الضروريـة، 10% لسـلع مهمـة، وترتفـع إلى 20% لسلع الرفاهية، ويمكن التعديل على النسب أو زيادة الشرائح بما يراه صانع القرار ملائما، ومن شأن هذا القرار زيادة ثقة المواطن بسياسات الحكومة ويحقق هذا القرار استدامة في الايرادات الضريبية.
يجب تطبيق قواعد صارمة ودائمة وليس لفترات محدودة لضبــط دفــع وتســديد ضريبــة القيمــة المضافــة مــن التجــار ومــزودي الخدمــات، لأن حجــم التهـرب مـن تسـديد هـذه الضرائـب كبيـر، أي أن المواطـن يدفـع هـذه الضريبـة بالنهايـة إلـى جيـب التاجر، وهـذا يعني أن هنـاك حاجـة إلـى تطويـر العقوبـات لتكـون رادعـة وتتناســب مع حجــم التهــرب الضريبي.
ضريبة الدخل:
تطبيــق مبــدأ تصاعديــة ضريبــة الدخــل وزيادة نسب الضريبة الهامشية على الدخل الشخصي لفئات الدخل العالي والنشاطات الاستثمارية التي تحقق أرباحا كبيرة وسريعة لتصــل أعلــى شــريحة إلــى 35 % مـن الدخـل المتحقـق علـى أربـاح الشـركات، وتحديـداً الشـركات الاحتكاريـة والقابضـة والبنـوك.
يجب أن تصمم الحوافز الضريبية بحيث تستهدف عدد أقل من الاستثمارات الكبيرة وعدد أكبر من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، تعديــل القانــون ليشــمل الشــرائح الضريبيــة 20%، و25%، و30% وفقـا لأحجام الأرباح المتحققــة للشــركات بشــكل تصاعــدي.
أن تبقـى الشـركات الزراعيـة فـي حـدود شـريحة 10% لمـا لعملهـا مـن قيمـة إنتاجيـة ووطنيـة بغـض النظـر عـن قيمـة الأربـاح المتحققـة لتلـك الشـركات.
إعفاء المزارعين، والأسر العاملة في الزراعة من ضريبة الدخل.
مراجعة القاعدة الضريبية لكي يتم إدراج النشاطات غير التقليدية وغير الانتاجيةـ والتي تولد أرباح عالية وسريعة، مثل الأربــاح الرأســمالية المتحققــة عــن بيــع الأســهم والأوراق الماليــة والمضاربــات ضمــن مجــالات قانــون ضريبــة الدخــل.
مكافحة جميع أشكال التحايل والتهرب الضريبي، والتعاون مع ديوان الرقابة المالية والإدارية، وتعزيز التنسيق بين الدوائر الضريبية وممثلي دافعي الضرائب ، كما يجب التعاون مع المنابر والمنصات الإعلامية، وتسليط الضوء وتوعية المواطنين حول التهرب والتجنب الضريبي.
البديل الثاني: الحد من التسرب المالي مع الجانب الإسرائيلي ( موصى بالتزامن مع البديل الأول):
إنشاء صندوق للضمان الاجتماعي خاص بالعمال العاملين خلف الخط الأخضر، للبدء بتحويل مستحقات العاملين الفلسطينيين في اسرائيل لذلك الصندوق، للحد من التسرب الناجم عن علاقات العمل بالجانب الاسرائيلي، وادراج مستحقات العاملين فيه.
إعادة هيكلة جهاز الضابطة الجمركية بحيث لابد من رفد هذه المؤسسات بالاحتياجات المالية واللوجستية اللازمة والكوادر البشرية المدربة، وتدوير للعاملين في الأجهزة الأمنية غير الشرطية.
البديل الثالث: تقييم بنود الإنفاق وترشيدها، كما لا بد من تقييم أثار بنود الانفاق والعوائد منه إذا هذا الانفاق لم يؤدي الهدف المطلوب فيجب إلغاءها مثل:
يجب أن يتم تحديد النفقات بالامكانيات المتاحة حاليا دون أي تعويل على مساعدات خارجية.
لا بد من تقييم أثار بنود الانفاق والعوائد منه إذا هذا الانفاق لم يؤدي الهدف المطلوب فيجب إلغاءها مثل بنود النفقات التشغيلية المتعلقة مثل السفريات، والروتوكولات، والمواكب، والنفقات على الخارجية والسفارات التابعه لها.
تقييم المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية خاضعة لموازنة السلطة الفلسطينية ولا تحقق الأهداف المرجوة من إنشاءها، حيث كل وزارة لها عدة أذرع بحاجة إلى تقييم واتخاذ قرارات بإلغاءها أو دمجها، بما يوفر المبالغ المنفقة على الايجارات والمصاريف التشغيلية المرتبطة بوجود أي مركز مسؤولية.
كما لا بد من معالجة التضخم الوظيفي وفاتورة الأجور والرواتب، ووقف التعيينات والترقيات في الأجهزة الأمنية.
تدوير الكوادر الأمنية، وزيادة أعداد الكوادر في الضابطة الجمركية، وفي الشرطة لمحاربة جميع أشكال التحايل والتهرب الضريبي.
البديل الرابع: استقرار النفقات التطويرية لاستدامة ايراداتها:
على الرغم من أن الإنفاق التطويري يأخذ حصة سنوية من الموازنة العامة إلا أنه حتى الآن لا يوجد عائد اقتصادي على الحكومة من هذه النفقات التطويرية فلا نجد بند إيراد تطويري، وهو أمر طبيعي حيث أن من الصعب جدا التخطيط المالي طويل الأمد للسلطة الفلسطينية، وبالتالي لا يوجد ثبات واستقرار في الموارد العامة، وبالتالي من الصعب تنفيذ خطة تنموية حكومية طويلة المدى، مثلا العنقود الزراعي مثلا وهي نفقات تطويرية، لكن اصطدمت بملف كورنا واقتطاع المقاصة، وبالتالي لا نتوقع أن يكون هناك عائد استثماري من العنقود الزراعي، كمان أن ارتباط النفقات التطويرية بالمانحين وبالتالي يرتبط نجاع الخطط التطويرية بالتزام المانحين بالتمويل، كما يمكن أن تتأثر النفقات التطويرية عند تأخر الدفع للرواتب حيث يعوض النقص بالرواتب من النفقات التطويرية (اشتية، 2021).
وبالتالي يجب أن يكون بند النفقات التطويرية بند مستقل غير قابل للمساس فيه، لذا يجب أن تجفف أي شيء من النفقات الجارية عدا النفقات التطويرية ، إلا أن الذي يحصل هو تأجيل النفقات التطويرية لدفع الرواتب أو أي التزامات أخرى.
التحول التدريجي من سيطرة النفقات التشغيلية لصالح النفقات التطويرية التي تساعد على تهيئة مناخ للاستثمارات بهدف توسيع قاعدة الاستثمارات المحلية والأجنبية لزيادة الانتاج والصادرات والتشغيل في القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية.
البديل الخامس: معالجة بند صافي الإقراض:
التخلص بشكل نهائي من بند صافي الاقراض الذي يستنزف حوالي مليار شيقل سنويا، من خلال تحسين آليات احتساب الأموال المقتطعة من الجانب الإسرائيلي، وتدقيق الفواتير، وعدم الخصم من المقاصة الا وفق الاتفاقيات المبرمة، خاصة في مجال الكهرباء.
كما أن سبب متأخرات شركة الكهرباء بأساسها معروف وهو تأخر المخيمات عن الدفع، وهناك الكثير من المحاذير للبعض من فتح هذا الملف، وليس هناك مشكلة في مساعدة السلطة للفئات المهمشة والفقيرة في تقديم الخدمات الأساسية لهم ، ولكن المشكلة ظهرت عندما تعممت المساعدة على جميع سكان منطقة معينة، ويمكن أن يتم اتفاق جماعي بين الجهات التمثيلية للمخيمات والحكومة بإعفاء الفئات المهمشة من حاجتها الشهرية من الكهرباء مثلا 100 شيكل وما يزيد عن هذا المبلغ يتم جبايته، وما ينطبق على المخيمات ينطبق على جميع التجمعات السكانية ( اشتية، 2021).