"ماس" يناقش ورقة بحثية حول أنظمة الاستيراد والتسويق في اسرائيل وآثارها المحتملة على الاقتصاد الفلسطيني
بوابة اقتصاد فلسطين
ناقش معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني اليوم ورقة بحثية أعدها د. نعمان كنفاني، تناولت أنظمة الاستيراد والتسويق في اسرائيل وآثارها المحتملة على الاقتصاد الفلسطيني.
جاء في الورقة البحثية:
أقرّ الكنيست الإسرائيلي، إثر جلسة ماراثونية صباح 4 تشرين أول، القراءة الثالثة لكتاب الموازنة الحكومية للعام 2022.
ويشتمل كتاب الموازنة السنوية لحكومة اسرائيل على وثيقتين، الأولى هي الموازنة التي تحتوي على جداول مفصلة عن إيرادات وإنفاق كل مؤسسة وهيئة حكومية خلال العام. الوثيقة الثانية، والتي تعرف باسم "قانون التسويات" (Arrangements Bill)، تشتمل على الإجراءات والتعديلات المؤسساتية الضرورية لتحقق جداول الإيرادات والإنفاق الواردة في الموازنة. ويمثل قانون التسويات أكثر الوثاق دلالة على الخيارات والأولويات الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تعتمدها الحكومة خلال فترة حكمها.
احتوى قانون التسويات للعام 2022 على ما يمكن اعتباره أهم اصلاحات اقتصادية/اجتماعية واجرائية تشهدها اسرائيل منذ ثلاثة عقود. لا بل أن بعض المعلقين الإسرائيليين ذكروا أنهم لم يتوقعوا أن يتم تبني مثل هذه التعديلات في النظم والإجراءات خلال حياتهم. ونظرا لأهمية هذه الإجراءات وانعكاساتها على الاقتصاد الفلسطيني سوف نسعى هنا الى تقديم عرض سريع لها وإلى القاء نظرة عامة على آثارها المتوقعة على اقتصاد الضفة والقطاع.
تصاريح ذبائح وطعام الكوشر
خضع اصدار الوثائق التي تثبت أن الطعام (المحلي والمستورد) وأماكن بيع المأكولات والمطاعم تفي بمتطلبات الشريعة اليهودية الى احتكار من قبل جهة حاخامية واحدة منذ قيام اسرائيل. ولقد دعمت الأحزاب الدينية في كل الحكومات الماضية استمرار هذا النظام المغلق والمترع بالفساد والمحسوبيات. ترمي التعديلات التي جاءت في برنامج الحكومة الجديدة الى اعادة هيكلة النظام والقضاء على احتكار الحاخامية له عبر تخصيصه. إذ سيتم السماح للشركات الخاصة بإصدار تصاريح الكوشر على ضوء المعايير العامة التي ستضعها الحاخامية الحكومية. وعلى ضوء هذه المعايير العامة يتوجب على كل شركة خاصة الإعلان عن المعايير المفصلة لشهادات الكوشر التي تصدرها. ويمكن للشركات اصدار شهادات بمعايير دينية أقل تشددا حالما تتمكن من الحصول على موافقة ثلاثة من حاخامات البلديات. ويتيح هذا النظام للمنتجين والمستهلكين اختيار درجة صرامة الشعائر الدينية المتعلقة بالطعام التي يرغبون الالتزام بها. أي أن المستهلكين أنفسهم سوف يقررون في نهاية المطاف، نجاح أو فشل تصاريح الكوشر التي تصدر عن الجهات المختلفة.
تحرير المنتجات الزراعية
من المعلوم أن القطاع الزراعي في اسرائيل يتمتع تاريخيا بدرجة عالية من الحماية. وتتنوع أشكال الحماية، بدءا من التعرفة الجمركية العالية على المستوردات الزراعية (مثل البيض)، مرورا بالحظر الكامل لاستيراد منتجات معينة خلال فترات موسمية مححدة (مثل بعض أنواع التوت البري وفاكهة النكتارين)، وانتهاءاه بتطبيق نظام الكوتا على زراعة معظم المنتجات المحلية (مثل الأفوكادو). وعلى الرغم من أن الهدف المعلن لهذه الإجراءات هو ضمان دخل مرتفع للمزارعين إلا أن الغايات الأمنية لضمان توفر انتاج محلي للغذاء واستغلال الأراضي لعبت دورا مهما في استمرار تطبيق الحماية والدعم منذ قيام الدولة. وتتضمن الإجراءات المستجدة تقليص عدد المنتجات التي تخضع زراعتها الى الكوتا، الى جانب اجراءات أكثر أهمية تتمثل في تخفيض كبير ومتدرج في التعرفة الجمركية على المستوردات الزراعية خلال فترة 5 سنوات. وينص القانون على إلغاء آني للتعرفة الجمركية على عدد من المنتجات، من بينها البيض والأفوكادو والأناناس والثوم والبازلاء والفول والتمر والخرشوف. ترمي هذه الإجراءات الى السيطرة على ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة في السوق الإسرائيلية، والتي بلغت 80% خلال السنوات الأخيرة تبعا لوزير الزراعة. ومن المتوقع أن يحقق المستهلكون توفيرا في سلة مشترياتهم من الخضروات والفاكهة بقيمة 2.7 مليار شيكل سنويا نتيجة برنامج الإصلاح هذا ( 840 شيكل لكل عائلة بالسنة)[1]. ولتعويض المزارعين عن خسارتهم ينص القانون على توفير برنامج دعم مباشر لهم على أساس المساحة المزروعة (تعويض بقيمة 100 شيكل لكل دونم بالسنة، أي ما يعادل 420 مليون شيكل مقابل مساحة الأرض المزروعة والتي تبلغ 4.2 مليون دونم). هذا الى جانب تعويض لمنتجي البيض، الذي يتوقع أن تنخفض أسعاره بمقدار 25%، مع أولوية لمزارعي منطقة الجليل في الشمال. ويتضمن البرنامج أيضا اذونات ضريبية على الاستثمار الرأسمالي للمزارعين، واستثمار 2 مليار شيكل لرفع الإنتاجية في الزراعة والصناعة. وسوف يؤدي الغاء التعرفة الجمركية على العلف والمبيدات وغيرها من المدخلات الى تقليص تكاليف الإنتاج الزراعية وتعويض جزئي للمزارعين.
اصلاح جذري في شروط المواصفات والمقاييس للسلع المستوردة
طالما تشكّت منظمة التجارة العالمية من أن اسرائيل تستخدم شروط المواصفات الصارمة، واجراءات تطبيقها المعقدة، كأداة حمائية لمنتجاتها المحلية وتمييزية ضد المستوردات من الخارج. إذ يتوجب على كافة المستوردات بدءا من الأدوات الدقيقية ومنتجات الاستهلاك وانتهاء بالمكائن الكبيرة والمفروشات، أن تفي بمواصفات قياسية وصحية فريدة خاصة بهذه الدولة الصغيرة. وكان مكتب المقاييس يشترط أن يتم فحص المنتجات في الموانئ بعد استيرادها وبعد تحمل تكاليف شحنها. وغالبا ما تنتظر الحاويات أسابيع طويلة في الموانئ قبل فحصها من مكتب المقاييس وانهاء اجراءات الاستيراد العويصة والمكلفة. وكل هذا كان ينعكس طبعا على الأسعار التي هي في اسرائيل أعلى بالمتوسط من الأسعار في أمريكا وفي الإتحاد الأوربي. ينص القانون الجديد على الغاء كافة معاملات مكتب المقاييس على الغالبية العظمى من المنتجات، والإقرار اوتوماتيكيا بأن البضائع التي تفي بالمقاييس والشروط الأوربية أو الأمريكية يمكن استيرادها تلقائيا دون الحاجة الى تراخيص مسبقة. وسيتم الاستعاضة عن نظام الفحص والمطابقة في الموانئ بنظام رقابة مفاجئة على محلات البيع لضمان تطبيق المعايير الصحية ومعايير السلامة مع امكانية فرض غرامات على المخالفين. وتتوقع وزارة المالية أن يؤدي هذا الإصلاح الى انخفاض أسعار المستوردات في اسرائيل الى المستوى التي هي عليه في أوربا والولايات المتحدة.
الانعكاسات المحتملة للإجراءات الجديدة على اقتصاد الضفة والقطاع
سيكون للإجراءات المستجدة انعكاسات مهمة ومتنوعة على الاقتصاد الفلسطيني نظرا لارتباطه بما يشبه الإتحاد الجمركي مع الاقتصاد الإسرائيلي. وسيتولد عن هذه الانعكاسات أطراف رابحة وأخرى خاسرة.
مكاسب للمستهلكين
في حال انتقل الانخفاض في أسعار المواد الغذائية في اسرائيل الى الضفة والقطاع فإن المستهلك الفلسطيني سوف يحقق مكاسب. لا بل ان مكاسب المستهلكين في الضفة، وفي قطاع غزة بشكل خاص، يمكن أن تكون أكبر من مكاسب المستهلك الإسرائيلي نظرا لأن حصة المواد الغذائية في سلة الاستهلاك في الضفة الغربية تبلغ 28% وفي قطاع غزة 33% مقارنة مع 18% فقط في اسرائيل.
خسائر للمزارعين
سيؤدي انفتاح السوق الإسرائيلية أمام استيراد الخضروات والفاكهة والبيض من الخارج الى انخفاض أسعارها والى منافسة قوية للمنتجات الفلسطينية في كل من السوق الإسرائيلية والسوق المحلية. وعلى عكس الحال في اسرائيل لن يتوفر للمزارعين الفلسطينيين برنامج مساعدات متكامل لتعويض خسارتهم. ولكن هذه الخسائر يمكن أن تعوض جزئيا نتيجة عاملين، أولهما الانخفاض المتوقع في أثمان العلف والمبيدات وغيرها من المدخلات الزراعية المستوردة، وثانيهما اعتماد اسرائيل للمواصفات الأوربية وهو ما يمكن أن يساعد المزارعين على تسويق المزيد من منتجاتهم في السوق الإسرائيلية.
احتمالات مفتوحة أمام المنتجات الفلسطينية الأخرى
ستواجه المنتجات الفلسطينية منافسة أعلى وانخفاضا في الأسعار في كل من السوق المحلية والسوق الإسرائيلية. ولكن التسهيلات المتوقعة على الاستيراد من الخارج، خصوصا للمعدات والمدخلات، يمكن أن تنعكس ايجابيا، وبشكل جزئي فقط، على تكاليف وتقنيات الإنتاج. أيضا يتوقع أن يؤدي تخفيف شروط طعام الكوشر الى خلق فرص جديدة أمام الصناعات الغذائية الفلسطينية في السوق الإسرائيلي.
تقليص عجز الميزان التجاري مع اسرائيل
يمكن أن ينتج عن تسهيل عمليات الاستيراد من الخارج وتبني المواصفات الأوربية انخفاضا في استيراد الضفة والقطاع من اسرائيل مقابل ارتفاع في المستوردات المباشرة من الخارج. وهذا سوف ينعكس في تخفيض عجز الميزان التجاري مع اسرائيل. كما أن فتح المجال أمام الاستيراد من مصادر متنوعة يمكن أن يخفض من أسعار المستوردات وينعكس بشكل ايجابي على الميزان التجاري الكلي لفلسطين.
ولكن تبقى كل هذه الاحتمالات مفتوحة أمام السياسات الفعلية التي ستطبقها اسرائيل تجاه المنتجات والمنتجين الفلسطينيين. إذ أن الاستمرار في الفحص والتفتيش الأمني للمستوردات والصادرات الفلسطينية سوف يقضي على جزء كبير من الآثار الإيجابية المحتملة للإجراءات الجديدة. ويكفي أن نشير هنا الى القرار الإسرائيلي الأخير الذي ينص على أن تصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية للسوق الإسرائيلية يجب أن يتم من قبل مسوّق معتمد مسجل لدى وزارتي الصحة والزراعة الإسرائيليتين. ويتوجب على المسوق الإسرائيلي إدخال المنتوجات الواردة إلى مخزن تبريد لأخذ عينة منها وإرسالها إلى مختبر جودة المحصول. وفي حال تبين أن المنتوجات لا تفي بالمعايير اللازمة سيتم إرجاع المنتوجات إلى المزارع أو اتلافها. هذا في الواقع يعني تطبيق النظام القديم للمقاييس الذي تفاخر الحكومة الإسرائيلية بأنها قضت عليه.
لا يبدو أن السلطات الإسرائيلية تشاورت مع السلطة الفلسطينية قبل صياغة هذه التعديلات المهمة في سياستها التجارية كما ينص عليه بروتوكول باريس. ومن الضروري الآن اجراء دراسات مفصلة لتقييم الآثار المحتملة لهذه الإجراءات على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام والقطاع الزراعي بشكل خاص. وعلى ضوء هذه الدراسات يتوجب على أصحاب القرار تطبيق السياسات الملائمة والممكنة للحد من التبعات السلبية للقرارات الإسرائيلية الأحادية.
[1] هناك اجراءات متعددة أخرى منها وضع ضريبة عالية على المشروبات التي تحتوي على السكر (لمحاربة استفحال مرض السكري) وعلى الأدوات البلاستيكية ذات الإستخدام لمرة واحدة مما سيؤدي إلى مضاعفة سعرها الحالي.