الرئيسية » الاخبار الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
24 تشرين الثاني 2021

التضخم يخرق جيب المواطن… وخطط التصدي له معدومة

حسناء الرنتيسي-بوابة اقتصاد فلسطين: حين كان يحدثني جدي أنه اشترى قطعة أرض مساحتها دونم ببضعة دنانير قبل عشرات السنين كنت أعتبرها ضرباً من الخيال، فهذه الدنانير المعدودة كانت تساوي مبالغ طائلة في وقت كانت فيه قيمتها الشرائية عالية، اليوم يمكننا أن نمنح بضعة الدنانير هذه لأولادنا كمصروف يومي، كونها لا تصلح لأمر يزيد عن ذلك.

إنه التضخم الذي يقلص قيمة نقودنا، بسبب ارتفاع المستمر على الأسعار، فالمئة شيقل هذه الأيام لم تعد كافية لشراء ما كان يمكنك شراءه بها، قبل بضع سنوات.

وحين تعلم أن معدل التضخم في فلسطين قد بلغ خلال الربع الثاني من العام 2021 ما نسبته 1.9% على أساس سنوي، فإنه ولمجرد سماعك بمصطلح تضخم يُثار استياؤك، فهو المصطلح المكروه عند الاقتصاديين.

ويشغل التضخم اهتمام دول العالم أجمع ويثير قلقهم، حيث بلغت نسبته في الولايات المتحدة خلال شهر أكتوبر/تشرين أول المنصرم 6.2%، في أعلى مستوى له منذ 30 عاماً، أما في منطقة الاتحاد الأوروبي فقد بلغت نسبته 3%، بعد أن كانت عند مستوى الصفر في يناير/كانون الثاني عام 2020، بحسب بيانات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

ووصلت نسبة التضخم إلى 4.5% داخل مجموعة الدول العشرين، وهي التي تشكل 80% من الناتج المحلي الخام في العالم.

ولمناقشة هذه القضية، تواصلنا مع الخبير الاقتصادي طارق الحاج عبر لقاء هاتفي، وسلطنا الضوء على أبرز انعكاسات التضخم علينا كفلسطينيين.

رواتب وأجور ثابتة، وتكاليف معيشة تواصل الارتفاع

يرى الحاج أن التضخم في فلسطين يختلف عن التضخم في دول العالم الأخرى، حيث لم ينزل التضخم يوما ما عن 5%، وهو مؤشر يفوق المؤشرات العالمية، والتي قد تصل إلى 2-3% في حال كانت مرتفعة، وفي هذه الحالة تلجأ تلك الدول مباشرة إلى زيادة الرواتب والأجور.

أما الأمر الآخر حسب رأيه، والذي لا يقل أهمية عن سابقه، أنه عندما تقوم الدول الأخرى بقياس التضخم فإنها تأخذ المتوسط لمجموعة من السلع، أساسية كانت أو كمالية أو سلع استهلاك جاري، ومن ضمن هذه السلع الكهرباء والإنترنت وغيرها، وعلى ضوئها يقاس التضخم.

وتابع: "في فلسطين نأخذ 14 سلعة أساسية فقط، ليس من ضمنها خدمات الإنترنت وما شابه، ونقيس أسعارها، وعلى ضوئها نضع نسبة التضخم، وبالتالي تكون النسبة غير دقيقة وغير شاملة فعليا".

وفي الفترة الأخيرة ارتفعت أسعار بعض السلع 300% مثل كاسات الكرتون، وبعض السلع مثل ملح الليمون ارتفعت 150%، وبعض السلع ارتفعت 20%، والمشكلة أننا نستورد التضخم مع السلع.

وأشار إلى أن بعض السلع قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي برفع أسعارها، وبما أننا نستوردها منها فمعناه أننا اشترينا التضخم كله، فعندما رفعت "إسرائيل" أسعار الكرتون والبلاستيك رغم عدم ارتفاعها عالميا، وهي من سلع الاستهلاك الجاري-أي إذا استغنيت عنها لا يضرك-وبالتالي فقد خلقت دولة الاحتلال حالة من التضخم بهدف معين كالحفاظ على البيئة، وبالتالي ارتفع سعرها لدينا مباشرة بنسبة 300%، بمعنى أن التضخم مفروض علينا بسبب هيمنة "إسرائيل" على الاقتصاد الفلسطيني، وبسبب تزاوج غير معلن بين تجار إسرائيليين ومحتكرين فلسطينيين، وبسبب الحد من دخول سلعهم لدينا، وعدم خلق وتحفيز إنتاج سلع بديلة لسلعهم.

هل لدينا خطط للمواجهة؟

نتساءل هنا إن كان لدينا أي خطط لمواجهة التضخم في فلسطين، ويرد الحاج أن الأجور عندما تتآكل في دول العالم، يتم وضع خطط سريعة للحد من تأثير التضخم على المواطنين، وهناك خطط متوسطة وطويلة الأمد، السريعة تتمثل في رفع الأجور، لكن في فلسطين لا يوجد أية خطة، فراتب قيمته 1000 شيقل يساوي الآن 800 شيقل، وهذا في ظل ارتفاع 20% على أسعار بعض السلع، ناهيك عن أثر ارتفاع السلع الأخرى.

وأضاف: "إذا أردنا تفادي التضخم يجب رفع المبلغ لقرابة 1200 شيقل على الأقل ليتمكن المواطن من شراء السلع التي كان يشتريها بمبلغ ألف شيقل قبل ارتفاع الأسعار".

ويرى الحاج أن المشكلة الأخرى في الحالة الفلسطينية هي غياب العملة، وبالتالي أصبحنا نخضع في رواتبنا لمزاج تقلب العملات، ومزاج البنوك المركزية التي ترتبط فيها العملات المتداولة.

الدول الأخرى على المدى البعيد تخلق فرص عمل من خلال خلق حالة من التضخم، لتحريك عجلة الاقتصاد ودفع الأفراد للبحث عن عمل إضافي، وفي فلسطين، لا يوجد إمكانية لفرصة عمل آخر، وساعات عمل إضافي غير ممكنة أو يتم إعطاء الموظف أجراً زهيداً يكون على حساب صحته وعلاقاته وأسرته، ومن هنا أصبح ملاذ الفلسطيني العمل في "إسرائيل"، وخاصة في ظل عدم تحمل الدولة جزءاً من المعيشة، كدعم خدمات وسلع تخفف عن المواطن تكاليف معيشته.

تضخم بلا حل= خلق مواطن فاسد

ويشير الحاج هنا الى أن عدم مواجهة التضخم بخطط سريعة وبعيدة المدى، سيؤدي إلى خلق موظف فاسد، ومواطن فاسد، كما سيشجع الجريمة والسرقات، وهذا ما دمر بعض الدول مثل العراق وسوريا حاليا، فحتى الجهاز الشرطي والأمني إذا لم تضع مبلغا من المال له في أوراقك، فلن تتمكن من لإنجاز معاملاتك الرسمية.

وأردف: "هذا جعل الأثرياء يزدادون ثراء، في حين دفع الضعفاء وصغار رجال الأعمال للخروج من السوق، ومن معهم وكالات ولم يتمكنوا من الوصول إلى المستوى المطلوب من المبيعات بسبب "كورونا" خرجوا من السوق أيضاً، وإذا عدنا لذاكرة التاريخ نجد أن الطبقة الثرية في فلسطين نفسها تقريبا، مع دخول بعض الأشخاص منذ الانتفاضة حتى الآن، حيث لا يوجد استثمارات جديدة بسلع وأنماط جديدة، فالسلع والمنتجات هي نفسها دون تطوير أو ابتكار".

الذهب وسيلة تحوط

وردا على سؤال حول تآكل الودائع البنكية بسبب تراجع قوتها الشرائية، أوضح الحاج أن معظم الفلسطينيين لا يمتلكون مدخرات رغم أن هناك نحو 15 مليار دولار كودائع، فهذه الودائع في معظمها تتركز بيد نسبة ضئيلة جدا، وبقية الشعب ليس لديهم مدخرات حقيقية، ومن يملك مدخرات منهم فهي مدخرات بسيطة تمكنوا من حمايتها من الاستهلاك في أوقات معينة، وهذه لا يمكنهم إلا أن يحتفظوا بها لليوم الأسود، حيث لا يمكن شراء أراض مثلا في مدينة رام الله لارتفاع أسعارها بشكل يفوق قدرات الأغلبية، بينما مثلا يمكنهم أن يستثمروا في الذهب كوسيلة تحوط، والذهب بشكل ليرات وليس أونصات، وهو أفضل ملاذ لأصحاب المدخرات كون الذهب ما زال الملاذ الآمن.

كلمات مفتاحية::