الرئيسية » في دائرة الضوء » مجتمع واقتصاد »
 
17 تشرين الثاني 2021

لماذا لا يحب الاقتصاديون ارتفاع معدل التضخم؟

بوابة اقتصاد فلسطين

لماذا، على وجه التحديد، يعتبر التضخم المرتفع سيئاً للغاية؟ هذا السؤال البسيط يمثل إحراجاً لمهنة الاقتصاد. جميعنا يشعر أنَّ معدل التضخم البالغ 6.2% هو أمر غير مرغوب فيه، لكنَّنا لا نجيد تفسير السبب.

من السهل استخدام النظرية الاقتصادية غير الناضجة لتوضيح سبب أنَّ التضخم ليس بهذه الأهمية. إنَّ المال هو ما يسميه الاقتصاديون "الحيادية"، أو في بعض الأحيان "الحيادية الفائقة".

وللمبالغة في التبسيط بعض الشيء، بحسب النماذج الاقتصادية؛ سيؤدي ارتفاع معدل التضخم إلى رفع الأجور والأسعار بطريقة تناسبية على نطاق واسع، مما يترك النواتج وأنماط التوظيف في الاقتصاد إما دون تغيير أو مع تعديلات طفيفة فقط.

التضخم يربك الناس

وبرغم ذلك؛ ما يزال معظم الاقتصاديين متمسكين بنظرة سلبية تجاه ارتفاع التضخم. إحدى الفرضيات هي أنَّ التضخم يربك الناس.

معظم الناس ليسوا آلات حسابية مفرطة في العقلانية، ويميلون إلى رؤية ارتفاع الأسعار التضخمية على أنَّها تمثل تغيرات اقتصادية حقيقية. لذلك قد يرى المنتجون طلبات اسمية أعلى على سلعهم، ويعتقدون أنَّهم أصبحوا فجأة أكثر شعبية لدى المستهلكين، بدلاً من مجرد أنَّهم عالقون في دوامة تضخمية.

ومع ذلك، في ظل هذا السيناريو، ليس شرطاً أن يكون التضخم أمراً سيئاً. إذا زاد المنتجون من إنتاجهم؛ وظّفوا المزيد من العمالة؛ فإنَّ ذلك يميل إلى تعزيز الاقتصادات، وليس إلى إلحاق الضرر بها. هذا كله صحيح في حال كانت هناك درجة أولية من احتكار تقييد الإنتاج.

لكن ماذا لو علم المنتجون في النهاية أنَّهم يواجهون "تضخماً بحتاً"، وعليهم العودة إلى قراراتهم السابقة؟ من المؤكد أنَّ ذلك سينطوي على تكاليف.

تأثير وباء كورونا

لكنَّ أسوأ فترات الانكماش الاقتصادي تنطوي على تقلص جميع القطاعات تقريباً في الوقت نفسه تقريباً، بدلاً من أن تكون المشكلة الرئيسية هي الكثير من الاضطراب و"الذهاب والإياب". قد تكون بعض تكاليف التحويل هذه حقيقية، لكن لا يبدو أنَّ هذا هو السبب وراء كره الناس للتضخم كثيراً.

ففي الوضع الحالي، تأتي تكاليف "الذهاب والإياب" الحقيقية من موجات الوباء، وليس من السياسة النقدية.

إحدى الحجج المرتبطة بـ "المدرسة النمساوية للاقتصاد" هي أنَّ التضخم يؤدي إلى الكثير من الائتمان، وبالتالي؛ الكثير من الاستثمار طويل الأجل، بطريقة تثبت في النهاية أنَّها غير مستدامة.

بغضِّ النظر عما إذا كان هذا الرأي صحيحاً في بعض الأحيان، في ظل الظروف الحالية، يبدو أنَّ المستثمرين في حالة قلق أكثر من كونهم سعداء بالتضخم.

القلق من التضخم

إذاً، يظل السؤال موجوداً: لماذا كان التضخم سيئاً للغاية؟ ضع في اعتبارك أنَّ معظم الفوائد الحكومية مربوطة بالفعل بالتضخم. على الرغم من ذلك؛ فإنَّ ضريبة الأرباح الرأسمالية ليست كذلك –وهنا تكمن التكلفة المحددة لتضخم الأسعار، أي هي ترفع المعدل الحقيقي للضريبة على استثمارات رأس المال.

ومع ذلك؛ فإنَّ هذا لا يفسر كيف يبدو أنَّ التضخم يحمل مثل هذه التكاليف واسعة القاعدة، بما في ذلك على غالبية الأمريكيين الذين لا يمتلكون المراكز المهمة في الأسهم.

على أنَّ قلقين رئيسيين يبقيان لديَّ؛ أولهما؛ هو أنَّ معدلات التضخم المرتفعة تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة بطريقة مسببة للاضطراب. وإن كان للأفضل أم للأسوأ؛ فإنَّ المزيد من الأمريكيين يعملون في قطاع الخدمات البيروقراطي نسبياً، والذي يشمل التعليم، والرعاية الصحية، والحكومة.

إذا ارتفع تضخم الأسعار إلى 6%؛ فإنَّ معظم هؤلاء العمال لا يتلقون بسرعة زيادة في الأجور لاسترجاع مستويات معيشتهم السابقة.

قد يحصلون على رواتب أعلى من خلال الحصول على وظيفة جديدة، أو عن طريق التهديد بترك عملهم. لكن غالباً ما يشكل هذا وضعاً متوتراً ومقلقاً، من وجهة نظر شخصية ومهنية.

قد يكون الناس قد تلقوا دولارات تحفيزية في وقت مبكر من الوباء، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي؛ إما أنَّهم استطاعوا إحراز التعادل، أو إحراز المزيد من التقدم المالي. ومع ذلك؛ في ظل التضخم، سيعانون من فقدان القوة الشرائية، وسيكرهون ذلك.

إزالة التضخم

أما مصدر القلق الرئيسي الثاني؛ فهو أنَّ التضخم يميل إلى الحاجة إلى عملية إزالة تضخم لاحقة، وذلك فقط لأنَّ الناس يكرهون التضخم بشدة.

ونعلم- نحن خبراء الاقتصاد الكلي- أنَّ عمليات إزالة التضخم (أو الانكماش التام) تميل إلى إحداث ركود.

عندما يقوم الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بتشديد السياسة النقدية بمقدار كبير، ينخفض إجمالي الطلب في الاقتصاد، مما يؤدي إلى خسائر في الإنتاج والعمالة.

بالطبع، هذه طريقة مضحكة لشرح سبب سوء معدلات تضخم الأسعار المرتفعة؛ وبشكل أساسي، فإنَّ التضخم سيئ لأنَّه يجب أن ينتهي.

نسخة أكثر دقة من هذه النظرية هي أنَّ العمال والناخبين يملكون تسامحاً محدوداً فقط تجاه الاضطرابات –التي إن حدثت؛ سينتهي بنا الأمر إلى ارتكاب أخطاء فادحة في جهودنا للخروج منها.

وهكذا؛ فإنَّ الانتقاد المناسب للتضخم هو نقد عام جداً. الوباء هو اضطراب أيضاً، وقد ارتكبنا العديد من الأخطاء في جهودنا لإنهاء ذلك أيضاً.

أحد هذه الأخطاء، في الواقع، كان التضخم المفرط. لن يكون هذا الخطأ الأخير بالنسبة لنا، لأنَّنا ما زلنا نبني دائرة الأخطاء التي تتسع باستمرار.

المصدر: بلومبيرغ

كلمات مفتاحية::