الرئيسية » الاخبار الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
10 تشرين الأول 2021

الأسرى الفلسطينيون...حرمان من أبسط الحقوق واستغلال من مصلحة السجون الإسرائيلية لتحقيق أرباح اقتصادية

حسناء الرنتيسي-بوابة اقتصاد فلسطين: لعل انتزاع الأسرى الستة لحريتهم من داخل معتقل جلبوع، وتنقلهم في مساحة صغيرة على أرض الوطن لساعات أو أيام قليلة، وحجم أحلامهم البسيطة التي بدت صادمة لنا، جعلتنا نتساءل عن ماهية الحياة لمن حكموا بقضائها كاملة في أقبية مظلمة، وفي ظروف لا يعلم تفاصيلها إلا هم، فكيف لإنسان بمجرد أكله لثمرة "صبار" أن يعتبر ذلك إنجازاً لحلمه؟ وكيف له بمجرد رؤية أطفال يلعبون، يكون قد ملأ فراغا كبيرا في روحه المحتجزة في أقبية تمنع الشمس والهواء؟ 

أبسط احتياجات الإنسان، كيف تصبح حلماً؟

 "ما بين عامي 1948- 1992 كان الكانتين كما يُطلِقُ عليه الأسرى -بقالة صغيرة في المعتقلات- يقتصر على بيع الدخان والشاي والقهوة والبسكويت والسكر فقط، ويختلف من سجن لآخر، وتكون المشتريات فيه بأسعار مرتفعة مقارنة بأسعارها في الخارج"، يقول الأسير المحرر عامر القواسمي، الذي أمضى 24 عاما في سجون الاحتلال وتحرر في صفقة.

كان البسكويت أو الخبز الجاف هو الوجبة الوحيدة التي يتناولها الأسرى أثناء الإضرابات، كما أن الشاي والقهوة كانت مسموحة بمعدل مرتين للقهوة بالأسبوع تقريباً، وكأسين من الشاي يومياً، ومنذ العام 1967 حتى 1994 كان الأسرى يتلقون مصروفاً من منظمة التحرير بقيمة 50 ديناراً للأسير الواحد، يصرف كل دينار بثلاثة شواقل". 

ويتابع القواسمي: "عاش الأسرى حالة جوع، فالطعام لم يكن يتوفر بكميات مناسبة، وكانت وجبة الطعام عبارة عن نصف بيضة أو نصف تفاحة، أو نصف برتقالة".

يؤكد ذلك مدير مكتب هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيت لحم منقذ أبو عطوان، الذي عاش تجربة الأسر أيضا، والذي أوضح أن أبرز احتياجات الأسير هي اللباس والغذاء والغطاء والدواء، وقد كان بإمكان ذوي الأسرى إدخال الملابس لهم، لكن إدارة السجون حددت نوعا محددا من الملابس، ويمنع إدخال أي نوع اخر، لكن وبعد فترة قامت بمنع إدخال الملابس للأسرى الفلسطينيين، واعتبرت أن ملابس السجن تكفيهم".

ويوضح أبو عطوان أن إدارة السجون لا تقدم شيء للأسرى، ففي الثمانينات والتسعينات كانت تقدم لهم بعض اللوازم، أما اليوم فيُطلَب من الأسرى توفيرها على حسابهم الشخصي من الكانتين، ومن هذه اللوازم الأغطية، حيث يعاني الأسرى من أزمة كبيرة بسبب البرد في الشتاء وغياب مصادر للتدفئة، كما ترفض إدارة السجون إدخال الأغطية وتوفيرها للشراء داخل السجون، ويرى أن الأمر ليس أمنياً بالدرجة الأولى، بل إجراءات عقابية تتخذ ضد الأسرى.

في الأسر حيث ثمار الوطن بلا رائحة، واللحوم مجمدة بلا نكهة ولا لون، وبأسعار باهظة، وحرمان بعض الأسرى من تناولها لأشهر بل لسنوات. وحين يستذكر الأسرى بعض طقوس الحياة خارج الأسر، تقودهم رغبتهم لتناول ما هو غير ممكن الوجود في الكانتين، كأن يشتهوا الكنافة، فيسارعون لتجفيف الخبز وطحنه وبله بالسكر، فهذا ما تطاله أيديهم.

 رف صغير لكل أسير، وحقيبة صغيرة تلازمه في مكان لا ترحال فيه إلا بين الزنازين وأقبية التحقيق والمحاكم، فلا يسمح لهم باقتناء ما يرغبون من ملابس، ناهيك عن شروط وقيود حين كان يحضرها الأهل من الخارج، بالنهاية تعمل مصلحة سجون الاحتلال على دفع الأسرى لشراء احتياجاتهم من داخل السجون، وبأسعار مضاعفة.

يقول الأسير المحرر القواسمي: "هناك أسرى مر عليهم 20 عاما وأكثر، لم يتذوقوا طعم الجوافة مثلا، وهناك أطعمة يتم إحضارها بكميات قليلة، لأعداد كبيرة من الأسرى، ما يضطرهم للتنازل عنها لصالح غرفتين للأسرى أو ثلاثة، حتى تكفيهم".

وأضاف: "كان لدى الأسرى بعض الحقوق قبل اتفاقية أوسلو، وبعدها لم يعد لهم منها شيء، حتى أصبح الأسير الفلسطيني يعيش داخل السجن على حسابه وعلى حساب السلطة، ويوفر على مصلحة السجون الكثير من حقوقه ولوازمه".

استنزاف اقتصادي للأسرى

وعن أسعار المشتريات في الكانتين يشير أبو عطوان إلى الفارق الكبير في الأسعار عن الخارج، مع عدم توفر كافة اللوازم، وكميات محددة وقليلة يسمح للأسير بشرائها، فمثلاً القلم قد يكون سعره خارج السجن شيقلاً واحداً، لكنه يتم بيعه بـ 5 شواقل وبجودة أدنى، وهناك علب السجائر إذا كان سعرها 20 شيقلاً بالخارج، تباع داخل المعتقل بـ 40 شيقلاً، "ما يحدث هو استغلال واستنزاف اقتصادي للأسرى وذويهم".

 ويوضح القواسمي أن إضراب الأسرى عام 1992 أدى لنقلة نوعية لصالح الأسرى، حيث تم السماح لهم على إثرها بإدخال بعض الملابس والخضار والفواكه، ما خفف من العبء الاقتصادي عليهم، لكن في المقابل تم تقليص كمية ما يحصل عليه الأسير من الصابون والمنظفات ومعجون الأسنان. تغيرت الأوضاع بعد العام 2000، فصار الأسير الفلسطيني يحصل على راتب من السلطة الفلسطينية بقيمة 400 شيقل لكل أسير، ليتمكن من الشراء من الكانتين، بالإضافة لأموال يأخذها من أهله، وبات الأسير الفلسطيني بمثابة مشروع ربحي لمصلحة السجون، يدر عليها أرباحاً كبيرة.

جوالات مهربة بأسعار خيالية

كان الأسرى قد طالبوا بوضع خط هاتف في كل قسم، لكن إدارة السجون رفضت ذلك، ما اضطرهم لتهريب أجهزة المحمول ليتمكنوا من التواصل مع ذويهم، بعد قيام مصلحة السجون بإيقاف برنامج الزيارات إبان انتفاضة الأقصى، توالت تصعيدات الحركة الأسيرة داخل السجون، ومنها إضراب في العام 2000، حصل الأسرى خلالها على وعود تتضمن إمكانية إجراء مكالمات هاتفية مع ذويهم، لكن مخابرات السجون لم تحقق لهم ذلك، فلجأوا إلى تهريب الهواتف النقالة.

ويقول القواسمي: "عمليات التهريب الصعبة والخطرة لتلك الهواتف، قادت الأسعار لتصل إلى أقام فلكية، فنقال بحجم "القداحة" كان يصل سعره إلى 80 ألف شيقل، رغم أن قيمته في الخارج لا تتجاوز 150 شيقلاً، فأصبح عشرات الأسرى يتشاركون في جهاز واحد".

أسرى... يعاملون كمجرمين

 ويقول أبو عطوان أن حكومة الاحتلال لا تنظر للمعتقلين الفلسطيننين على أنهم أسرى، هي تستخدم المصطلح بشكله الأجوف، وخاض المعتقلون الفلسطينيون إضرابات عدة ليعاملوا معاملة الأسرى، لأنه وحسب اتفاقية جنيف الرابعة "على دولة الاحتلال أن تتكفل برعاية الأسرى، وأن تقوم بدفع رواتب لهم وخلق فرص عمل لهم داخل دولة الاحتلال، وأن توفر لهم كافة الاحتياجات".

وتابع: "حكومة الاحتلال تنظر للأسرى الفلسطينيين على أنهم قتلة ومجرمين، وفي سبعينات القرن الماضي كانت تشغلهم بالسخرة، وانتهت تلك الظاهرة عندما خاض الأسرى إضراباً ضد ذلك".

لدى أبو عطوان بحث تحدث فيه عن استغلال الأيدي الأسيرة في الفترة ما بين عامي 1976 و1980 بشكل عبودي، حيث كان الأسير يعمل لمدة 8 ساعات في اليوم مقابل 3 سجائر، أما الآن فترفض حكومة الاحتلال تشغيلهم مقابل أجر، كما أنها لا تقدم لهم الاحتياجات اللازمة كأسرى، لأنها تنظر إلى سجونها على أنها بديل عن المشانق، ومن يحالفه الحظ يبقى على قيد الحياة ومن لا يحالفه الحظ يموت، وعندما نقول أن هذه السجون تنتج المرض والموت، فإننا بذلك نتحدث عن أقل ما يمكن وصفه لطبيعة السجون في دولة الاحتلال.

وأوضح أنه لا يمكن إصلاح هذه العملية الإجرامية، إلا إذا أقرت حكومة الاحتلال أن المعتقلين الفلسطينيين أسرى، فلن يتغير الوضع بغير ذلك، فالأسرى يعاملون معاملة السجناء الأمنيين، وللأسف أحيانا نردد هذا المصطلح، مع العلم أن المعتقل الأمني يعني أنك مرتكب لجناية بحق مواطن إسرائيلي، أي أنك مقاتل غير شرعي، ومعاملتك داخل السجن تتم على أنك مقاتل غير شرعي.

وأضاف: "المفهوم الدولي لديه مشكلة معنا، منذ الستينات وحتى اليوم نناضل من أجل الحرية الاستقلال، السؤال كم دولة في العالم مقتنعة بحقنا في الاستقلال؟ وكم دولة تساندنا كفلسطينيين؟ الأدهى والأمر أن بعض الدول العربية تنظر إلى نضالنا على أنه غير شرعي، كما تعترف بإسرائيل، على شعبنا النضال لإجبار إسرائيل على معاملة أسرانا على أنهم أسرى حرب".