نقيب المقاولين: قرابة 400 مليون شيقل مستحقات المقاولين على الحكومة... و250 شركة وصلت مرحلة الانهيار
إخلاص طمليه-بوابة اقتصاد فلسطين: يقلب محمد أبو السمن صاحب شركة أبو السمن للمقاولات والاستثمار أوراق الملفات والديون المتراكمة على شركته التي أسسها عام 2003، والتي كانت من أهم وأكبر الشركات في قطاع المقاولات وصاحبة تصنيف ائتماني مرتفع لدى البنوك، لكن تلك الديون أدت إلى الحجز على شركته ودخوله السجن لمدة 90 يوماً، حيث بلغت ديونه لصالح البنك قرابة 120 ألف دولار، وديون للموردين بقيمة 700 ألف شيقل، ما دفعه لبيع معظم ممتلكاته، التي لم تكن كافية سوى لسد جزء من تلك الديون.
هذا الانهيار حدث بعد أن نفذ مشروع حفريات لصالح وزارة الأشغال، حيث لم تبين الوزارة نتيجة المختبر الهندسي الخاص بفحص التربة والصخور، فقدرت الشركات المتقدمة قيمة الحفر بسعر أقل بكثير من الواقع حسب أبو السمن. ولا زالت الكفالة البالغة 150 ألف شيقل محجوز عليها.
ويوجد لأبو السمن مستحقات من مشروعين نفذهما لصالح وزارة الزراعة، هما بركة حصاد مائي في سهل عرابة، ومشروع سد مياه في بني نعيم، وتأتي هذه المستحقات كفرق عملة بقيمة 270 ألف شيقل تم الإيعاز بها لجميع المقاولين بقرار من رئيس الوزراء، إلا أن الوزارة ترفض تسليمه المبلغ المستحق، وهو غير قادر ماديا على الملاحقة القضائية للقضية.
مستحقات المقاولين المتأخرة
قصة أبو السمن واحدة من بين قصص أخرى لمقاولين يعانون من احتجاز مستحقاتهم، ما يؤثر على قدرة الشركات على الصمود والاستمرار، فقطاع الإنشاءات يشكل ما نسبته 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين، عدا عن تشغيله لنحو 21% من مجمل الأيدي العاملة، حيث يبلغ عدد شركات المقاولات المصنفة في الضفة الغربية 450 شركة، وقرابة 400 شركة في قطاع غزة.
وبالنسبة للشركات التي تأثرت بسبب تأخر حصولها على استحقاقاتها المالية، فهناك نحو 250 شركة منها ما يواجه دعاوىً قضائية من الموظفين أو من الموردين، وأخرى تم تنفيذ أوامر حجز بحقها، وغيرها شركات تعثرت مالياً بعد اقتراضها من البنوك، وتأثر تصنيفها الائتماني لدى سلطة النقد، الأمر الذي يهدد بإفلاس تلك الشركات وانهيار يضرب أركان هذا القطاع.
من جانبه فسر نقيب المقاولين الفلسطينيين المهندس أحمد القاضي أسباب انهيار بعض شركات المقاولات ووصولها إلى الحجز والإفلاس، فأوضح أنه وبعد فرض الإغلاقات بفعل كورونا حصل اعتلال في ميزان العرض والطلب، إلا أن السبب الرئيسي الذي أدى الى وصول بعض الشركات إلى مرحلة الانهيار هو توقف الجهات المشترية وبالذات القطاع الحكومي عن دفع مستحقات المقاولين.
وأضاف: "يبلغ حجم مستحقات المقاولين قرابة 146 مليون شيقل، كما توجد فواتير قيد التدقيق لم تصل إلى وزارة المالية تبلغ قيمتها 100 مليون شيقل، بالاضافة إلى الإرجاع الضريبي الذي يبلغ أكثر من 150 مليون شيقل. وهذا لأن وزارة المالية تحجم عن دفع المستحقات في تواريخها التي لا تتعدى 56 يوماً بعد انتهاء المشروع حسب ما ينص عليه العقد، لكن هناك شركات استلمت مشاريع منذ أكثر من سنتين ولم تحصل على مستحقاتها حتى هذه اليوم".
وأوضح القاضي إن آلية الدفع تتم حسب المخصص المالي أو جباية الضريبة، كما يتغير حسب الوضع السياسي والاقتصادي، لكن نسبة الدفع المعروضة على الشركات هي 10% فقط من قيمة المستحقات، وهنا "يمكننا القول إن قطاع المقاولات معرض للانهيار، وانهياره يلحق الضرر بنحو 100 قطاع مرتبط بقطاع المقاولات مثل الأسمنت والحدادة والنجارة وغيرها".
وتابع: "يجب على الحكومة النظر إلى القطاع الخاص كشريك أساسي في بناء البلد وإعمارها، ونطالب الحكومة بتوزيع عادل في الصرف، بين القطاع الخاص الذي له مستحقات تقدر بمئات الملايين وبين رواتب الموظفين العموميين".
عقد المقاولة الموحد...
أدى احتجاز مستحقات المقاولين إلى إفلاس شركات، ودخول بعض المقاولين للسجون، وهنا طالب القاضي بالالتزام بعقد المقاولة الموحد، ويرى أن الحكومة بصفتها من يطرح عطاءات تنفيذ الالتزامات التعاقدية، وكونها صاغت العلاقة بينها وبين الشركات، فيجب عليها تطبيق هذه القوانين على الطرفين، وعدم تحميل العبء على المقاولين عند تقصيرها.
واعتبر القاضي أن إحالة العقود الموقعة بين الوزارات وشركات المقاولات، ودفع الفواتير المتعلقة بها إلى وزارة المالية، يمثل إجحافاً بحق الشركات المتعاقدة، فمثلا إذا قامت وزارة الأشغال بإرساء مشروع رصف شارع على شركة ما، فمن المفترض أن يتم الدفع من خلال وزارة الأشغال، لكن الواقع أن مهمة وزارة الأشغال تقتصر على تدقيق الفاتورة، وتحصيل قيمة الفاتورة تتم من خلال وزارة المالية.
ما هو الحل؟
وحذر القاضي من مخاطر المماطلة بالدفع على هذا القطاع، وأوضح أن وزارة المالية لا تقوم بدورها في دفع مستحقات المقاولين المحددة حسب العقود وحسب الالتزامات، كما طالب بتحديد وقت وآلية لصرف الدفعات، ليتمكن المقاولون من جدولة دفع التزاماتهم للموظفين والموردين والعمال.
وأضاف: "لا يوجد تعويض لفروق العملة ولا تعويض للارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء الذي حصل في الفترة الأخيرة، على الرغم من أن القانون الناظم بيننا وبين الحكومة وهو عقد المقاولة الموحد أو الوثيقة القياسية، يفرض على الحكومة دفع 9% كنفقات تمويل في حال تأخرت الحكومة عن دفع المستحقات المالية في التاريخ المحدد".
ومن المسلم به عند أخذ مشروع لا بد أن يكون لديه جاري مدين أو قرض أو استصناع للبنوك الاسلامية، وعدم ورود الدفعة في تاريخ معين تؤدي إلى تعثر المقاول مع البنك، وهذا يؤدي إلى تراكم فوائد إضافية للبنك.
تحديات تعصف بالقطاع
يرى القاضي أنه ثمة تحديات كبيرة تحيط وتعصف بهذا القطاع، لعل أبرزها ارتفاع أسعار المواد الخام الداخلة في الإنشاء لأكثر من سبب، حيث أن الإغلاقات المستمرة أثناء جائحة كورونا أدت إلى صعوبة النقل في الموانىء وارتفاع كلفة النقل، كما أن إغلاق المصانع في الصين أدى إلى أرتفاع أسعار المواد الخام، إلا أن المشكلة الأساسية في فلسطين أن معظم الدول قامت بعمل خطط إنقاذ للقطاع الخاص، لكن في فلسطين لم يكن للحكومة دور في إيقاف هذا الارتفاع، لذا نطالب الحكومة بتعديل العقد بما ينسجم مع مصلحة طرفي العقد، بحيث توزع المخاطر بين الجهة المشترية والجهة المتعاقدة.
تحدٍ آخر يتمثل بسعر صرف العملات، فيرى أن غياب العملة المحلية، أدى إلى أن تكون العطاءات بعملات اليورو، الدولار، الدينار أو الشيقل أحياناً، إلا أن المصاريف الإدارية وأجور الموظفين والعمال، والتزامات المقاولين للموردين تكون بالشيقل، لذا عند توقيع العقد لا بد من تثبيت سعر صرف، بما يحفظ حقوق طرفي العقد من تذبذب سعر العملة سواء كان ارتفاعا أو نزولا.
كما أشار القاضي إلى أن من التحديات الكبيرة هو نقص الأيدي العاملة الماهرة، فالعامل الماهر يفضل العمل بالداخل المحتل بسبب ارتفاع الأجر الذي يتقاضاه مقارنة بالأجر في الأراضي الفلسطينية، كما أن طبيعة المعدات وبيئة العمل المتطورة والمتوفرة في الداخل في مجال البناء تساعد العامل من الناحية الجسدية، مما يؤدي إلى هجرة اليد العاملة الماهرة إلى الداخل، وصعوبة إيجاد عمال للمشاريع.