الرئيسية » محلي »
 
25 آب 2021

عقد لقاء حول التفاعل مع جغرافيا الاستعمار: كيف يتم الالتفاف على نظام المراقبة الإسرائيلية على تجارتنا

بوابة اقتصاد فلسطين

عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان " التفاعل الفلسطيني مع جغرافيا الاستعمار كيف يتم الالتفاف على نظام المراقبة الإسرائيلية على التجارة مع الضفة الغربية (إشكالية التجارة الحدودية والشحن التجاري عبر المستوطنات)" بمشاركة مجموعة من المهتمين والمختصين وذوي الخبرة من مختلف القطاعات، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم. قام بكتابة الورقة الباحث وليد حباس، كما قدم كل من السيد إبراهيم القاضي مدير عام الادارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، والسيدة سونيا الدرابيع من الضابطة الجمركية، والسيد سمير حليلة، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.

افتتح الجلسة المدير العام للمعهد السيد رجا الخالدي مؤكدا على أهمية الموضوع وأن هذه الورقة تأتي في إطار اهتمام المعهد بمتابعة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المستجدة التي تهم المواطن الفلسطيني وصاحب القرار. حيث يعقد المعهد جلسات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة هذه المواضيع باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني. كما توجه الخالدي بالشكر مؤسسة هينرش بل فلسطين والأردن لدعمها هذا اللقاء.

ورقة ماس الخلفية

في إطار عرض الورقة، بين وليد حباس أن هذه الورقة تلقي الضوء على دور الواقع الجغرافي في الضفة الغربية والذي خلق مناطق رمادية (grey zones)، ما-بينية (in-betweens)، تسهل عمليات التحايل على أنظمة وقوانين التجارة الفلسطينية، وتوفر أرضية خصبة لجني الأرباح. كما وترصد الورقة أهم الطرق التي يستخدمها التجار الفلسطينيون للاستفادة ماديا من التجارة الحدودية، مستغلين معرفتهم بجغرافيا الاستعمار ودرايتهم بالفروقات بين المنظومات القانونية المختلفة داخل الضفة الغربية. علما بأن هذا الكسب ليس وحيد الاتجاه، بل أيضا ينجم عنه كسب للتجار الإسرائيليين في المستوطنات، ولو لم يكن هناك مصلحة كسب للطرف الآخر لما كان بهذا الشكل وبهذا الحجم.

أشار الباحث إلى أنه أثناء التحضير لعملية السلام، عينت الحكومة الإسرائيلية فريقا من المختصين لاقتراح صيغة معينة للعلاقات الاقتصادية مع الفلسطينيين، حيث أوصى هذا الفريق باستمرار الاندماج الاقتصادي والتبعية التجارية اللذان كانت إسرائيل قد فرضتهما قسرا على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ العام 1967؛ أي أن أي اتفاق مستقبلي "لا يجب أن يشمل أي حدود اقتصادية" بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية. كما أن الفريق الفلسطيني قد اقترح خلال مفاوضات بروتوكول باريس الاقتصادي في العام 1994 لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني وإسرائيل، إنشاء نظام جمركي شبيه بمنطقة التجارة الحرة (Free Trade Area) الذي قد يسمح للسلطة الفلسطينية بوضع نظامها التجاري الخاص بها مع دول العالم وترسيم حدود اقتصادية، بيد أن إسرائيل عارضت هذا المقترح بشدة وأصرت على تطبيق نظام الاتحاد الجمركي (custom union) دون ترسيم حدود فاصلة بين الطرفين. ويفرض نظام الاتحاد الجمركي على السلطة الفلسطينية، الالتزام بمستوى الرسوم الجمركية والضرائب المطبقة في إسرائيل (باستثناء قوائم محددة من السلع تم تفصيلها في قوائم A1 وA2 وB). كما أن بإمكان السلطة إجراء تبادل حر للسلع ما بين أراضي الحكم الذاتي وما بين إسرائيل (باستثناء ستة سلع زراعية كان من المفترض أن تنضم إلى التبادل الحر بحلول عام 1998)، وكذلك يحق للسلطة الفلسطينية استخدام المعابر الخارجية الإسرائيلية (الموانئ البحرية والجوية والحدود البرية) بشكل حر ودون أي معيقات.تعتبر الإيرادات الجمركية على الواردات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من حق الطرف الذي تصله البضائع في نهاية المطاف (أي الوجهة النهائية للاستيراد).

تغييرات هائلة على أرض الواقع

منذ العام 1994 حصلت تغييرات أدت إلى إحداث فجوة ما بين نصوص اتفاق باريس (De Jure) وما بين التطبيق العملي للاتفاق (De facto)، خصوصا عندما قامت إسرائيل بوضع حدود فاصلة وبناء جدار عازل وفرض نظام سيطرة مكانية والذي زاد من تكاليف النقل واللوجستيات وساهم في إحداث خسائر كبيرة للعديد من التجار الفلسطينيين. بيد أن هذه الجغرافيا الاستعمارية التي خنقت الاقتصاد الفلسطيني، وأضرت بالطرق التجارية وحرية المرور، كانت في ذات الوقت مصدر دخل واسترباح لقسم آخر من التجار.

نظام الحدود في الضفة الغربية

في أعقاب انتفاضة الأقصى (2000-2004)، قامت إسرائيل بفرض نظام حدودي عزل مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية عن إسرائيل باعتبارها "مناطق خطرة". تدريجيا، تم إحاطة الضفة الغربية بجدار عازل وتقسيمها إلى كانتونات منعزلة، محاصرة بسلسلة حواجز. لقد وضع هذا النظام الحدودي نهاية لما يمكن تسميته بالتدفق السلس للتجارة ما بين الطرفين، وتدريجيا تحول الجدار إلى ما يشبه نقطة عبور دولية، بحيث أجبرت إسرائيل التجار الفلسطينيين (مصدرين ومستوردين) على سلوك طرق تجارية خاصة تمر عبر بوابات تجارية محددة لهذا الغرض. كان لفرض هذا النظام الحدودي تبعات كثيرة على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، والتجارة الفلسطينية بشكل خاص، أبرزها:

أولاً: إجبار التجار الفلسطينيين على استخدام المعابر التجارية: حيث تحول الجدار العازل في الضفة الغربية إلى ما يشبه الحدود التجارية الدولية مع إسرائيل، حيث خصصت إسرائيل 5 معابر تجارية رسمية دائمة تمر منها نسبة كبيرة من الصادرات الفلسطينية وهي: الطيبة/طولكرم، برطعة/الريحان، الزعيم/القدس، بيتونيا، الجلمة، وترقوميا، بالإضافة إلى المعابر التجارية الموسمية مثل معبر بردلة الزراعي. كما أن هناك معابر تجارية غير رسمية بمعنى أنها ليست مخصصة لدخول البضائع، لكن السلطات الإسرائيلية تسمح لصناعات معينة بالدخول منها ضمن اتفاقيات غير مكتوبة مع التجار مثل حاجز بيت لحم 300 على سبيل المثال لا الحصر والذي تتجه منه الحجارة والملابس المصنعة في بيت لحم إلى إسرائيل.

ثانيا: خلق ما يمكن تسميته بالجغرافيا الاستعمارية: فلم يقتصر نظام الحدود الذي تفرضه إسرائيل على أراضي الضفة الغربية على الجدار والمعابر التجارية الرسمية وشبكة الطرق، بل شمل أيضا طبقات مختلفة من الحدود الإدارية التي أفسحت المجال لخلق منظومات تجارية وقانونية مختلفة بين مناطق معينة. يدرك التاجر الفلسطيني هذه الجغرافيا الاستعمارية التي تمكنه من الانتقال بسهولة من حيز إداري إلى آخر والاستفادة من الاختلافات في آليات تطبيق القانون.

وبين الباحث أن هذه التعقيدات التي فرضتها إسرائيل بحق التجار الفلسطينيين (تحديدا المصدرين) أجبرتهم على البحث عن طرق أخرى أقل تكلفة من الناحية الزمنية واللوجستية-المادية، مما خلق وسطاء وسماسرة للنقل اللوجستي، ولاعبين اقتصاديين فلسطينيين جدد ملمين بظروف الجغرافيا الاستعمارية.

ووضح الباحث أبرز أشكال استخدام الجغرافيا الاستعمارية من قبل الفلسطينيين: كاستخدام المستوطنات كمحطة عبور إلى إسرائيل (terminal)، التصدير والاستيراد عبر المعابر غير التجارية، وإنشاء المنطقة الرمادية الأكثر جذبا للتحايل "كفر عقب على سبيل المثال"، بالإضافة إلى التسجيل المزدوج (فلسطيني-إسرائيلي) للشركات، و"سوق حرة" إسرائيلية على أراضي الضفة الغربية في المنطقة "ب" و"ج" فيمنطقة برطعة على سبيل المثال، الاقتصاد السياسي للنفايات الإسرائيلية "بيت عوا على سبيل المثال".

وخلص الباحث بأن نظام العزل والمعابر التجارية الذي تفرضه إسرائيل، لم يقم فقط بالإضرار بالاقتصاد الفلسطيني، بل كانت له أيضا تبعات أخرى خطيرة تمثلت في ظهور منتفعين وسماسرة ومهربين يمارسون أعمال "غير مشروعة" فاقمت من الأضرار التي يلحقها الاحتلال الإسرائيلي بالاقتصاد الفلسطيني، وضاعفت الآثار السلبية الناجمة عن نظام العزل الإسرائيلي. بحيث ساهمت جغرافيا الاستعمار التي يقوم عليها نظام الفصل العنصري للاحتلال الإسرائيلي في إنشاء شبكات مصالح اقتصادية مكونة من فلسطينيين وإسرائيليين (بما في ذلك مستوطنين). هذا يعني، أنه على مستوى القاعدة فإن ثمة علاقات وطيدة بين فلسطينيين وإسرائيليين وهي علاقات قائمة بالسر أو بالعلن، لكنها بالطبع غير شرعية من الناحية الاقتصادية والسياسية، تعود بالنفع الكبير على المشاركين فيها، لكنها أيضا تعود بالضرر على خزينة السلطة الفلسطينية.

من جانبها استعرضت الدرابيع بعض عمليات تهريب البضائع من المستوطنات الى الضفة الغربية، فعلى سيل المثال تم تسجيل تهريب مواد منتهية الصلاحية ومخلفات طبية. تطرقت أيضاً الى أبرز المعيقات التي تواجه الضابطة الجمركية في التصدي لعمليات التهريب والتي من أبرزها عدم مقدرتهم على ممارسة أعمال الرقابة والضبط في المناطق "ج"، بالإضافة الى عدم كفاية كوادر الضابطة الجمركية لضبط كافة عمليات التهريب الجارية.

من جانبه أشار القاضي إلى استخدام بعض المهربين طرق مبتكرة في تهريب منتجات المستوطنات إلى الضفة الغربية، كما أشار إلى أن المنتج الفلسطيني الذي يتم إرساله إلى المستوطنات، وبعدها يتم تصديره إلى العالم الخارجي، هو منتج لا يحمل الهوية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن بعض البضائع التي يتم تصنيعها في المستوطنات، ومن ثم تهريبها إلى الضفة الغربية، تحمل علامات تجارية مزورة، مما يتطلب من الجهات ذات العلاقة توضيح الفروقات ما بين هذه البضائع والبضائع التي تحمل العلامة التجارية الحقيقية. في نفس السياق، أشار القاضي إلى أن المصانع والمشاغل التي تعمل لصالح الوسطاء الإسرائيليين في المستوطنات تواجه خطر عدم الديمومة أو الاستمرارية في الإنتاج في حال توقف العلاقة التجارية مع الوسيط الإسرائيلي. يرى القاضي أنه للحد من عمليات التهريب ومحاولة السيطرة عليها يجب إعطاء الأجهزة الأمنية والجهات الرقابية الأخرى صلاحيات أكبر، إذ أنه في الجانب الآخر يتمتع المهربون الإسرائيليون بحرية كبيرة للعمل في مجال تهريب البضاعة، حيث يتم توفير الحماية لهم في بعض الأحيان من قبل الجيش الإسرائيلي. كما أكد القاضي على أنه بالرغم من كون الاحتلال الإسرائيلي يمثل العقبة الأكبر في ضبط عمليات التهريب، إلا أن هناك العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها من قبل الجانب الفلسطيني للحد من عمليات التهريب، كفرض عقوبات صارمة على التجار الفلسطينيين الذين يقومون بإدخال هذه البضائع المهربة إلى السوق المحلي. وطالب في ختام مداخلته بضرورة رصد الأثر الاقتصادي لعمليات التهريب، لمساعدة صانع القرار على أخذ التدابير المناسبة.

بدوره أكد السيد سمير حليلة في بداية مداخلته على الفروقات بين النظام الجمركي الفلسطيني والنظام الجمركي الإسرائيلي، وأن المعمول به حاليا لا يمثل اتحاد جمركي كما يدعي التعريف الإسرائيلي لبروتوكول باريس الاقتصادي، إذ يوجد فروقات جوهرية ليست فقط في الضرائب المفروضة، بل بوجود فروقات تتعلق بسياسة الاستيراد، الإعفاء الجمركي، العلاقات الأمنية والدبلوماسية بين الدول، كما أن المواصفات الفلسطينية للبضائع المستوردة لا تطابق المواصفات الإسرائيلية. في هذا السياق، استعرض حليلة بعض الأمثلة المتعلقة بالمصانع الفلسطينية التي تعمل لصالح المصانع الإسرائيلية، وكيف قامت هذه المصانع بنقل أماكن عملها إلى أماكن أخرى قريبة من المستوطنات الاسرائيلية أثناء فترة الانتفاضة الثانية، وإلى المناطق الصناعية في الضفة الغربية وتحديدا في محافظة جنين، والتي من الممكن أن تشكل بؤرة جديدة لعمليات التهريب. كما أشار حليلة إلى غياب التنسيق الداخلي ما بين الوزارات الفلسطينية، إذ قامت عدة وزارات ومؤسسات فلسطينية بعمل لقاءات مع نظرائها من الجانب الإسرائيلي، تم التوصل خلالها إلى بعض التفاهمات التي تناقض بروتوكول باريس نفسه، ودون إجراء التوثيق اللازم. تطرق حليلة إلى مشكلة تسجيل البضائع الواردة إلى قطاع غزة عبر الحدود المصرية، اذ لا تخضع هذه الواردات إلى أي مرجع، ولتنظيم هذه العملية طالب بتنظيم هذه العلاقة ضمن إطار النظام الجمركي الفلسطيني. كما طرح حليلة مشكلة في غاية الأهمية تتمثل في أن الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل عبارة عن بضائع تم استيرادها من الخارج ولم يتم تصنيعها محليا. وفي ختام مداخلته شدد على ضرورة دراسة الأثر المالي والاقتصادي لظاهرة التهريب، وذلك لأهميته في تزويد اللجنة الاقتصادية المشتركة بالمعلومات اللازمة للحد من هذه الظاهرة والسيطرة عليها.

أشاد الحضور بأهمية الموضوع، حيث أشار السيد حسام خليفة من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن إجمالي الصادرات المعاد تصديرها إلى إسرائيل تشكل ما بين 25%-33% من إجمالي الصادرات إلى إسرائيل. ألقى بعض الحضور الضوء على بعض الممارسات الأخرى التي لم تتطرق لها الورقة مثل التجارة الإلكترونية التي تمثل أيضا وسيلة للتهرب الضريبي وهي بحاجة إلى عملية تنظيم ورقابة أيضا من قبل الجهات ذات العلاقة، وإلى عمليات التعاقد من الباطن (outsourcing) التي تقوم بها بعض الشركات الفلسطينية العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات لصالح الشركات الإسرائيلية.

للاطلاع على الورقة الخلفية حول موضوع النقاش، يرجى زيارة موقع المعهد الالكتروني www.mas.ps