الحشرة القرمزية تلتهم صبّار فلسطين.. والزراعة توصي بمبيد "محظور"
بوابة اقتصاد فلسطين
لم يكن موسم "الصبر" هذا العام موسما عاديا، حيث غابت الثمرة عن العديد من الأماكن في فلسطين، حيث أخذت تلك الأشجار الممتدة والمتشعبة في عدة قروض عبر التاريخ على السقوط، حين هاجمتها الحشرة القرمزية فنالت منها لوحا تلو الآخر، وصولا لشجرة تلو الأخرى، لتنتشر الحشرة فتقضي على الموسم في معظم المناطق.. التقرير للصحفية حسناء الرنتيسي لمجلة آفاق البيئة والتنمية يشير الى كيفية اكتشاف الحشرة وآالية التعامل معها، وهي آلية "متخبطة" حتى الآن، وهذا ما يظهره التقرير.
سيدة مسّنة كانت السبب في اكتشاف آفة زراعية نالت من صبار أو "صبر" قريتها (رنتيس) الواقعة غرب رام الله، أم فايز من المهتمين بالطبيعة والتي على تواصل دائم بها من خلال ممارستها العلاج بالأعشاب الطبية، كانت ضيفة في مشروع ثقافي في القرية حين أحضرت معها "لوح" صبر مغطى بمادة قطنية لتقدمه للمشرفين على المشروع قائلة "عمري فوق الـ 70 سنة وما عمري شفت هيك إشي"، تشير إلى الآفة التي أصابت الصبار، فأحضرت لوحا مصابا للمشرفين على مشروع مقامات رنتيس لمساعدتها في حل اللغز.
الفنانة بترا البرغوئثي، مديرة مهرجان سوق الصبار للثقافة والتسوق وإحدى مؤسسات "مقامات رنتيس" أبدت اهتمامها بالموضوع، فحملت لوح الصبار واستشارت مهنسا زراعيا، والذي بدوره توصل الى أن هناك حشرة أصابت الصبار.
البرغوثي قامت بمساعدة فريقها بإرسال لوح الصبار لوزارة الزراعة أيضا ليتم الفحص، والذين أخبروها أن هذه الآفة منتشرة في كل فلسطين.
ضعف الإمكانيات
مرشدوا الوزارة حضروا للقرية واطلعوا على وضع أشجار الصبار، تقول البرغوثي "الوزارة فحصت وأعدت تقريرها أن هناك حاجة لنوع معين من المبيد الحشري، وأشارت فيه للأماكن المصابة، والتي تم الحصول على احصائية بها من المجلس القروي في القرية، لكن المعضلة كانت فيمن يقوم بعملية الرش ومن يقوم بتوفير المعدات والإشراف على العملية كاملة، خاصة وأن المشروع ثقافي وليس من ضمن اختصاصه تسلم المهمة، وكذلك اصطدم الفريق الذي يسعى لانقاذ مصدر رزق الكثير من أهالي القرية بمعضلة ضعف الإمكانيات للمجلس القروي، وذلك في الوقت الذي اعتذرت فيه الوزارة عن القيام بالعملية بسبب ما قالت أنه أيضا غياب للأمكانيات".
تعاون فريق البرغوثي مع المجلس القروي للبحث عن متطوعين وعن أدوات للرش والتنقل بين الأشجار المصابة، والموزعة في أماكن وعرة ومختلفة، كما أنه كان يجب تجنب المنخفضات أثناء الرش، تلك العقبات أعاقت تنفيذ عملية الرش في مرحلته الأولى، والتي نصحت بها وزارة الزراعة، فعملية الرش كان يجب أن تتم على مرحلين، الأولى نهاية شهر 2 وبداية شهر 3، والثانية نهاية شهر 4 وبداية شهر 5، حسب ارشادات الوزارة، في نهاية شهر 4 تمكن فريق من المتطوعين من رش بعض الأماكن المصابة ضمن الإمكانيات المتاحة.
مشروع مقامات كان يسعى بمساعدة المجلس القروي لانقاذ صبر القرية من جهة، ومن جهة أخرى كان المشروع في إطار التحضيرات لمهرجان الصبار في القرية، ورغم أن المغزى من اسم المهرجان لم يكن مرتبطا بثمرة الصبار كثمرة تتشهر بها القرية فقط، انما كان له بعد رمزي، للدلالة على حياة أهالي القرية وصبر سيداتها وأبنائها.
الحشرة القرمزية ..
رئيس قسم أمراض النبات في وزارة الزراعة، عماد عيد، أوضح أن الحشرة التي أصابت الصبار في عدة أماكن في فلسطين هي الحشرية القرمزية، وتصيب هذه الحشرة نبات الصبار فقط، ولونها أحمر داكن كونها تفرزالسائل القرمزي الكارمين، موطنها الأصلي هو الغابات الاستوائية والشبه استوائية في أمريكا والمكسيك.
وكون الصبار في فلسطين مزروع في أماكن هامشية ووعرة وعشوائية، وغالبا يشكل جدارا حول المزارع، ساهم ذلك في سهولة انتشار الحشرة وصعوبة السيطرة عليها بشكل سريع.
وقال عيد أن هذه الحشرة تم رصدها في فلسطين قبل سنتين في محافظة جنين، الإدارة العامة شخصت الحشرة وعملت أكثر من مشاهدة للتوصل للأسلوب الصحيح للإدارة، لكنها انتشرت الآن في محافظة جنين ورام الله وسلفيت، ويمكن أن تكون في مناطق أخرى، وهي تتركز في المناطق قرب الجدار، حيث تسجل هذه المناطق أعلى إصابات للصبار، وهي سريعة الانتشار، ففي المغرب مسحت تقريبا زراعة الصبار خلال سنتين، ليتم زراعة أنواع مقاومة لهذه الآفة فيما بعد، حيث تم اكتشاف 7 أنواع مقومة للحشرة.
وتأخذ الحشرة القشرية الرخوية شكلا بيضاويا، وتفرز مادة شمعية فتظهر الحشرة كالقطن، وعلى شكل مجموعات، تعمل الحشرة على امتصاص المواد الغذائية من الصبار، السوائل، مما يؤدي الى جفاف ألواح الصبار ومع شدة الإصابة تسقط الألواح وقد تسقط الشجرة كلها.
في مرحلة الدراسة
يشير عودة صبارنة مدير دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة أن اكتشاف الحشرة القرمزية تم من خلال جولات المرشدين الزراعيين الذين لاحظوا الحشرة وتأكدوا منها كهوية، وأبلغوا الادارة العامة في داخل الوزارة التي نقلت المهمة للإدارة العامة للوقاية التي تتبّع انتشار الحشرة وتحاول حصر أماكن وجودها لعمل برامج ارشادية عامة.
وأوضح أن الادارة العامة للوقاية الان في مرحلة دراسة المبيدات اللازمة، حيث تقوم ببعض الدراسات وتتواصل مع دول الجوار لتحدد نوع المبيد اللازم وتعطيه للارشاد لابلاغ المزارعين به.
وأشار صبارنة لوجود حملات جماعية للرش تقوم بها الوزارة بالتعاون مع البلديات وههيئات الحكم المحلي.
وتوقع أن تكون بداية السيطرة على الحشرة خلال العام القادم.
توصيات لمحاولة السيطرة..
ثمار الصبار المصابة غير ضارة، يقول عيد، حيث أننا نقشر الثمرة ونتخلص من القشرة، والتي هي موطن نشاط الحشرة التي تمتص العصارة، وبالتالي لا مشكلة من أكل الثمرة، انما المشكلة أن الحشرة تضرب الانتاج وتقضي على الشجرة بانتشارها.
وبالحديث عن إمكانية القضاء على الحشرة قال عيد أن القضاء عليها صعب، لكنه أوصى بعدة خطوات لمحاولة السيطرة ومنع الانتشار، من هذه التوصيات التوقف عن نقل ألواح الصبار للغنم أو لاستخدامات أخرى من المناطق المصابة إلى أخرى، وكذلك عدم بيع الثمار في اماكن أخرى، كما أكد على ضرورة استخدام صناديق بلاستيكية لنقل الثمار حتى يتم تعقيمها، مع ضرورة تقليم الأشجار وعدم السماح بالشكل المتراكم الذي يمنع وصول الشمس لداخلها ويمنع من الوصول الى كافة أجزئها عند الرش.
وأشار عيد الى أن بداية الربيع هو الوقت الأنسب للرش. وقال أن الوزارة استخدمت في أول بقعة مصابة أكثر من مادة كمبيد حشري، وحصلت على نتائج جيدة، وأوصى برش مبيد chlorpyrifose مع زيت صيفي او زيوت اخرى، حيث يخلط الدواء مع الزيت الذي يحاول خنق الحشرة، وقال أنه يمكن استخدام سائل الجلي مع المبيد.
وأبدى عيد استياءه من تعامل المزارعين مع الآفات التي تصيب مزروعاتهم، وقال أن هذه الحشرة لا يمكن أن يتم التعامل معها من خلال أماكن بيع المبيدات الحشرية، فالأجدر بالمزارع العودة لوزارة الزراعة أو احدى المديريات التابعة لها، والتي بدورها سترشده بما يحقق الفائدة الأكيدة.
وأشار عيد إلى أهمية العمل الجماعي حين التصدي للحشرة، كون الصبار يقع في مناطق نائية ومتفرقة، وبالتالي هناك دور لمشاركة المجالس البلدية والقروية، كما دعا مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في السيطرة على الحشرة لمحاصرتها والقضاء عليها ومنع انتشارها.
الزراعة توصي بمبيد محظور
توصيات وزارة الزراعة باستخدام مبيد chlorpyrifose لم يرق للخبير البيئي د. جورج كرزم، مدير وحدة الدراسات البيئية في مركز العمل التنموي "معا"، الذي أبدى استهجانه من توصية وزارة الزراعة باستخدام مبيد حشري كانت قد حظرته عام 2011 كما أن المبيد تم حظره أيضا في دليل كانت تصدره وزارة الزراعة، وآخر نسخة منه صدرت عام 2017، ولم يرد فيه السماح باستخدام هذا المبيد الحشري.
مرفق قرار وزارة الزراعة منذ عام 2011 بحظر استخدام مبيد "كلوربريفوس" بأسمائه التجارية المختلفة، بالإضافة إلى مبيدات أخرى...
وقد اتخذ هذا القرار في حينه إثر تحقيق تلفزيوني مشترك بين مجلة آفاق البيئة وتلفزيون وطن ضمن برنامج عين على البيئة، حيث كشف التحقيق (بالأدلة والوثائق) الفوضى والعشوائية لدى وزارة الزراعة في كيفية التعامل مع موضوع المبيدات.
واعتبر الخبير كرزم الحديث بالمبيد المستخدم أنه ترويج مباشر، بل دعائي تجاري، لاستعمال مبيدات سامة وخطرة بل قاتلة. قائلا "المبيد الذي نصح المرشد الزراعي باستعماله ذاكرا اسمه العلمي - والذي نتحفظ على ذكره- محظور ليس فقط في العديد من دول العالم، بل حتى في مناطق السلطة الفلسطينية!!، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على وجود عشوائية وفوضى كيميائية زراعية خطيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وغياب المنهجية العلمية في عملية حظر تداول مبيدات معينة أو السماح باستعمالها؛ فيواصل بعض المرشدين الزراعيين الترويج للمبيدات التي حظرتها الوزارة ذاتها! علما أن العديد من دول العالم، وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي دأبت منذ سنوات طويلة على طرح بدائل طبيعية وبيولوجية وعضوية وميكانيكية للوقاية من الآفات والأمراض الزراعية أو لمكافحتها."
وأضاف، المبيد الذي نصحت وزارة الزراعة باستخدامه لمكافحة آفة الصبر، هو مبيد حشري فسفوري عضوي يتلف الجهاز العصبي المركزي للإنسان، بالإضافة لإتلافه الأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وإخلاله بالمادة الوراثية (DNA). وقد استخدمت أميركا هذا المبيد، إلى جانب مبيدات أخرى، كغاز أعصاب في حرب الخليج عام 1991. وبسبب آثاره الصحية والبيئية الخطرة والمميتة، فقد حظر استعماله في دول الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأسيوية.
كما أبدى كرزم استياءه من عدم التطور في التعاطي مع القوانين البيئية، وتساءل "هل يعقل أن تتقدم معظم دول العالم في سن القوانين الملائمة للبيئة والتي تحافظ عليها، بينما تبقي وزارة الزراعة على التعامل بأوامر عسكرية كانت قد صدرت خلال حكم الاحتلال للضفة وبقيت نافذة حتى اليوم!!.