الأسعار تواصل الارتفاع الجنوني .. والمستهلك المتضرر الأكبر
حمزة خليفة_ بوابة اقتصاد فلسطين: تشهد الأسواق الفلسطينية في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الإنشائية، وفي ذات الوقت تشكو المصانع والمنشآت الاقتصادية من ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، والتي تلقي بانعكاساتها مرة أخرى على الأسعار النهائية للمستهلك.
فما هي أسباب هذا التضخم ؟ وما هو انعكاسه على الاقتصاد الفلسطيني؟ وما هو أمد استمراره ومتى سينتهي؟ وكيف يمكن التخفيف من حدته؟ وأسئلة أخرى سنحاول الإجابة عنها في هذا التقرير.
ما هي المسببات؟
يقول أمين سر اتحاد الصناعات البلاستيكية محمد عابدين "لبوابة اقتصاد فلسطين" أن السبب الرئيسي لتضخم الأسعار هو تأثيرات أزمة كورونا حول العالم، فالبروتوكولات الصحية والحجر الصحي حول العالم أدى إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية عالمياً، لكن توفر اللقاحات وعمليات تلقيح الدول لمواطنيها أعاد الحياة إلى طبيعتها، ما دفع نحو ارتفاع الطلب، خاصة على المواد الخام التي تدخل في العمليات الإنتاجية والمواد الإنشائية كالحديد والمعادن بشكل عام، في حين لم تستعد المصانع حول العالم طاقتها الإنتاجية الكاملة.
هذا الأمر خلق فجوة كبيرة بين العرض المنخفض والطلب المرتفع، ودفع نحو ارتفاع للأسعار بفعل السباق العالمي للحصول على السلع بشكل أسرع.
أما عن الأسباب الأخرى، أشار عابدين أن أبرزها ارتفاع أسعار شحن ونقل البضائع بين الدول وبأسعار مضاعفة ومرتفعة للغاية، وذلك لعدم انتظام خطوط النقل البحرية واستغراقها لمدة أطول في الوصول إلى وجهتها بسبب إغلاق الكثير من الموانئ، وتوقف الشحن الجوي لفترات طويلة في معظم بلدان العالم وأبرزها الصين وأوروبا.
وتابع: "هذا رفع تكلفة الشحن ونقل البضائع لما يصل إلى سبع أضعاف التكلفة السابقة، وبالأرقام فإن تكلفة نقل حاوية واحدة الصين إلى الموانئ الإسرائيلية كان يكلف قرابة 2700 دولار أمريكي، بينما الآن ارتفعت لتصل إلى 16000 دولار".
من جهته يرى المحلل الاقتصادي نائل موسى إن السبب وراء التغيرات السعرية الأخيرة في فلسطين، هو ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية وبالتالي انعكاسها على الأسواق الفلسطينية، فالاقتصاد الفلسطيني لا يوجد له أي حركة سواءً إيجاباً أو سلباً باتجاه الأسعار، لأنه متلقٍ لها، وأن كل ما طرأ على الاقتصاد العالمي هو بفعل جائحة كورونا.
وأشار في حديثه "لبوابة اقتصاد فلسطين" إلى أن أنواع التضخم تنقسم إلى نوعين، تضخم طلب وتضخم عرض، وفي فلسطين هناك نوع جديد هو "التضخم المستورد"، ويعني الارتفاع في الأسعار نتيجة اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على الاستيراد من الخارج، بحيث تعادل نسبة الاستيراد قرابة 60% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يجعل الأسواق الفلسطينية تتأثر بأي هزة اقتصادية في العالم وخاصة فيما يتعلق بالأسعار.
"لن تنتهي قريباً"
وبالنسبة للتوقعات حول انتهاء أزمة التضخم هذه وعودة الأمور إلى نصابها، أوضح محمد عابدين أن ارتفاع تكاليف النقل دفعت نحو ارتفاع أسعار المواد الخام الداخلة في المنتجات المحلية، وبدوره سيرفع من أسعار المنتجات المحلية في فلسطين، وأيضاً على المنتجات الاستهلاكية الرئيسية المستوردة.
وأكد على أن عودة الأسعار إلى طبيعتها سيأخذ مزيداً من الوقت، وقد يطول أمدها، كما ستؤدي إلى زيادة انعكاساتها تدريجياً على المستهلك الفلسطيني، ناهيك عن القلق العالمي حول المتحورات الجديدة من سلالة كورونا وأهمها المتحور الهندي المعرف بمتحور "دلتا"، وهو ما يعيق عودة وتعافي الاقتصاد العالمي وما يرتبط به.
وفي الوقت نفسه يرى المحلل نائل موسى أن أمد هذا التضخم ليس مرهوناً بمؤشرات الاقتصاد الفلسطيني بل بالاقتصاد العالمي، "ففي اللحظة التي سينخفض بها التضخم عالمياً سينعكس ذلك على اقتصادنا مباشرة".
المستهلك أكبر المتضررين
أشار عابدين إلى أن المستهلك النهائي هو المتضرر الأكبر جراء هذا التضخم، وبشكل أكبر من الشركات والمصانع والتجار.
وتابع: "إذا ما تحدثنا عن قطاع الصناعات البلاستيكية، فقد ارتفعت المواد الخام البلاستيكية إلى الضعف تقريباً، والصناعات البلاستيكية تدخل في الكثير من المجالات أهمها التعبئة والتغليف، التي تدخل بشكل كبير في قطاع المواد الغذائية التي تشكل أساس الاستهلاك المحلي، وهذه الدائرة ستؤثر على الأسعار في كل القطاعات التي تتشابك معها".
ويتفق معه موسى في هذا الرأي، فيرى هو الآخر أن الواقع سينعكس بشكل كبير ومباشر على المستهلك، كما أن فعاليته الشرائية ستنخفض لأن الارتفاع والتضخم جاء نتيجة تأثيرات خارجية، وفي المقابل لم يحصل أي تغير على الدخل لديه، وهنا قد ينخفض الإنفاق، وقد تنتقل طبقات معينة في المجتمع إلى طبقات أدنى، مثل أن ينتقل من هم في خط الفقر العادي إلى خط الفقر المدقع.
أما بالنسبة للتجار والمستوردين وأصحاب المنشآت فهم أيضاً سيتأثرون بفعل ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج أو السلع المستوردة فإن الطب على المنتجات والسلع سينخفض، ما يعني أن حجم المبيعات سيقل انعكاساً لذلك، وسينجم عنه تراجع في النشاط الاقتصادي وحالة من الركود.
وبالرغم من ذلك يرى موسى أن التضخم الحاصل ليس كارثياً، وأن المشاريع المتعثرة هي التي لن تستطيع الصمود في وجه هذه الحالة، لكن الاقتصاد الفلسطيني ككل سيستمر لأنه مر بظروف أصعب واستطاع الصمود والبقاء".
دور الحكومة
أكد عابدين على ضرورة دعم المنشآت الصناعية والإنتاجية عبر تقديم حوافز ضريبة المبيعات وأنواع الضرائب الأخرى، لتعزيز دعم المنتج الوطني الحفاظ عليه، وتمكينه من منافسة المنتجات المستوردة وخاصة المنتجات الإسرائيلية، بالإضافة لفرض القيود والتعامل بالمثل مع للمنتجات الإسرائيلية بالنسبة للمواصفات والمقاييس كما تتعامل دولة الاحتلال مع منتجاتنا، وذلك لتقنين دخول هذه المنتجات لأسواقنا المحلية.
فيما أوضح موسى أن الحكومة ليس بمقدورها القيام بشيء بسبب ظروفها المالية الصعبة، ويكفي أن تتمكن من دفع فاتورة رواتب الموظفين لكيلا تتعقد الأزمة بشكل أكبر.