الحد الأدنى للأجور .. اتفاق على المبدأ واختلاف على التوقيت
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
تشير أرقام الإحصاء الفلسطيني حول مستوى الأجور في فلسطين أن 30% من العاملين بالقطاع الخاص يتقاضون أجورا اقل من الحد الادنى للاجور، حيث أن ثلث المستخدمين في القطاع الخاص فقط يحصلون على حقوقهم كاملة، بينما تبلغ نسبة خط الفقر في فلسطين 2480 شيقل، ورغم ذلك نجد أن هناك من يعارض قرار رفع الحد الأدنى للأجور، ولكل أسبابه.
بالعودة لنسبة تطبيق الحد الأدنى للأجور في فلسطين يوضح سامر سلامة، لبوابة اقتصاد فلسطين أن الأرقام التي تتحدث عن عدم تطبيق الحد الادنى للاجور بنسبة 30% سببها قطاع غزة وليس الضفة، ففي الضفة تقريبا 92% نسبة التطبيق، لكن بسبب اضافة ارقام غزة تصبح النسبة 30%، حيث في القطاع تمتاز الأجور بالتدني وعدم الإلتزام بالحد الأدنى.
"التوقيت" محط اختلاف
محمد عابدين، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة يعبر عن موقف القطاع الخاص الرافض لآلية الرفع المباشر، داعيا للعمل على ايجاد منظومة متكاملة لتنمية وتحفيز الإقتصاد، كخطوة تسبق خطوة التوجه نحو رفع الحد الأدنى للأجور، حيث يجب أن يكون هناك منظومات مختلفة لرفع مستوى المعيشة، وليس فقط للعامل او الموظف الفلسطيني، مؤكدا عدم اعتراضه على الرقم او قيمة الأجر، بل يؤكد المطلب بتحفيز العامل بالأجر المناسب الذي يجعله يختار العمل بالسوق الفلسطيني،فمثلا نجد أن قطاع الصناعات البلاستيكية بحاجة إلى ألفي عامل، حيث أن هناك عزوف من العامل الفلسطيني المهني عن العمل لدى المشغل الفلسطيني نظرا للانخفاص الكبير في مستوى الرواتب بالمقارنة مع الأجور المدفوعة للعاملين لدى المنشآت عند الجانب الاسرائيلي، وبالتالي الرفض ليس على قيمة الأجر، انما هي دعوة لتوفير متطلبات أخرى للوصول لتنمية اقتصادية شاملة ومتكاملة.
ويضيف عابدين، البطالة لدينا أكاديمية وليست عمالية، ووزارة العمل يجب أن تعمل بالتوزاي مع وزارة الإقتصاد بفتح مراكز مهنية نظرا للنقص في المهارات المهنية والفنية والحرفية.
كما أشار الى قرار "تصنيف صناعات خطرة" الذي أصدرته وزارة العمل، والذي رأى أيضا أن توقيته سيء، لأن الجوانب المنافسة لم تصنف هذا التصنيف، وثقافيا صناعات خطرة تعني عدم الإقدام على العمل بها، كما أنه بالقانون فإن الصناعات الخطرة تتطلب العمل 6 ساعات وليس 8، كما أن تكاليف العمل أعلى، وكذلك تكاليف التأمين، ويرى أن هناك تسرع في اتخاذ قرارات في ظل ظروف سيئة.
ويتفق مع ذلك الخبير الإقتصادي ثابت أبو الروس، الذي يرى أن القرار صائب لكن بتوقيت خاطئ، ويوضح ذلك باعتماده على قراءتين، الأولى تتعلق بالعامل، والثانية تتعلق برب العمل أو المشغل . فأي مبلغ يحققه العامل يحدث أثرا اقتصادي على مستوى عائلته، فإذا انعكس الأثر على مستوى العائلة تلقائيا سينعكس الأثر على مستوى الدخل العام وعلى زيادة مستوى الاستهلاك وحركة السوق وينعكس على نسبة رضى الموظف في مؤسسته اذا توفر له مبلغ اضافي أفضل من المبلغ السابق وهو 1450 شيكل . كما أنه يوفر على المؤسسة التدريب، حيث ان القطاعات الانتاجية تتجه نحو تدريب العاملين على القطاعات الانتاجية، وعندما يكون الدخل منخفضا تخسر المؤسسة تلقائيا قيمة المساهمة المالية المدفوعة على تدريب العاملين الذين يستقيلون بعد فترة ويكونوا قد استفادوا من التدريبات ويقوموا بتوظيف التدريب لدى المنشأت الاسرائيلية
من الأرشيف: لماذا فشل تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور؟
أما من جانب المؤسسة، فهناك قطاعات ومنشآت صغيرة ومتوسطة وتعد بالالاف ، ومستوى الدخل لرب العمل او المشغل فيها متدني وضئيل، بينما القطاعات المتوسطة والكبيرة فإنه مناسب.
ويقول أبو الروس أن أرباح رب العمل تتاكل بمقدار رفع مستوى الراتب ، حيث أن هناك حالة عزوف كبيرة من العامل الفلسطيني من التوجه نحو العمل في السوق الفلسطيني، في الوقت الذي تسعى فيها رئاسة الوزراء لترسيخ خطة العناقيد، وهي تقوم على توفير العمالة، لكن إذا كانت العمالة غير راضية عن الأجور وتتوجه الى قطاعات العمل الاسرائيلية التي تدفع من 4 إلى 5 أضعاف الأجر الفلسطيني.
ويشير أبو الروس إلى أن الإقتصاد الفلسطيني يعاني ظروفا سيئة قبل الجائحة، حيث سمي عام 2019 بالعام الأسود على الإقتصاد الفلسطيني، حيث كان يعاني من تباطؤ في النمو بشكل كبير، وبالتالي الوضع أسوأ في ظل الجائحة، مشيرا الى ما تعانيه مئات المؤسسات التي توجهت إلى تسريح العاملين لديها، حيث تشكل رواتب الموظفين في المشاريع الإقتصادية العبء الأكبر من المصاريف التشغيلية.
ومع أن الحد الأدنى للفقر في فلسطين أعلى من الحد الأدنى للأجور، وأن العامل الفلسطيني يمثل الحلقة الأضعف في أي مؤسسة فإن أي مبلغ يتقاضاه العامل لا يمثل الحد الأدنى المعيشي، وهنا يتساءل أبو الروس، "الى اي مدى يتحمل السوق هذا العبء من الرواتب؟"، مستشهدا بالجمعيات الخيرية في فلسطين، حيث هناك ما لا يقل عن 3200 جمعية خيرية، وبالتالي تطبيق القرار سيشمل هذه الجمعيات، والتي تعاني ظروفا سيئة ومصادر تمويلها هي التبرعات، وهذه المؤسسات ومعها مؤسسات القطاع العائلي او القطاع الخاص الصغيرة لا تحتمل هذا العبء حاليا، فاقتصادنا ما زال ناشئا وضعيف
العمل: العمل بالتوازي وليس التتابع
من جهته يقول سلامة أن الكل متفق على ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور، الحكومة والقطاع الخاص والاتحادات العمالية، فهناك توافق على اهمية ذلك، مع التوضيح أنه عند الحديث عن الحد الادنى للأجور، فنحن لا نتحدث عن الراتب، إنما عن العامل غير الماهر عندما يلتحق بالعمل لأول مرة، هنا يمكن اعطاءه هذا الراتب، أي الحد الادنى لشريحة معينة، وخاصة العمال غير المهرة، بينما العامل الماهر يفاوض على راتبه مع الجهة المشغلة.
في الاقتصاد هناك مدارس، ولا يوجد رأي او مدرسة واحدة فقط، وبالتالي الكل متفق اننا كاقتصاديين تكمن مشكلتنا الحقيقة في بنية الاقتصاد الوطني، وليست بسبب ضعف السياسات الاقتصادية، انما بسبب اننا اقتصاد محاصر وعائلي وضعيف وهش، وهذا ما يجعل منه اقتصاد ضعيف، يقول سلامة.
ويضيف، أن معالجة الخلل البنيوي ضرورية، لكن لى أن تتم بالتوازي وليس بالتتابع، ففي الاقتصاد نرى المفارقات، رواتب عالية تؤدي الى استهلاك عالي وادارة اكبر لعجلة الاقتصاد والعكس صحيح، عجلة الانتاج لا تدور بشكل جيد بسبب الظروف التي عرّتها كورونا، فالمشكلة موجودة قبل الجائحة، وبالتالي عجلة الاقتصاد لا تدورلا والإنتاج ضعيف والاستهلاك يقل. وهنا تنبهت الحكومة لهذه المعضلة، وهي على وعي تام بها، فكان منها أن طرحت خطة التنمية بالعناقيد لمعالجة الخلل، فالعناقيد تمثل دوائر تترابط معا لاكتمال الدائرة الاقتصادية.
ورأى سلامة أن هناك ضرورة لعدم التوقف عند الرقم، أي المبلغ المطروح للحد الأدنى للأجور، وانما عند المنهجية، بتعزيز بنية الاقتصاد، حيث بدأنا فيه بالتنمية بالعناقيد، بالمقابل العمل بالتوازي على تحريك عجلة الاقتصاد بجلب العمالة للسوق الفلسطيني. كما أن الرقم لم يأتي جزافة، إنما جاء بناء على دراسة من قبل منظمة العمل الدولية، مع العلم أن هذا المبلغ اقتراح، وعلينا أن لا نتوقف عنده.
التصنيف القطاعي مطلوب
ويقترح أبو الروس ضرورة فصل قطاع الجمعيات و القطاعات الصغيرة على حدا، وكذلك المتوسطة والكبيرة على جانب ثاني والتعامل معها بما يناسب وضعها من حيث فرض الحد الأدنى للأجور وقيمته، موضحا "لا نريد أن يكون هناك بطالة إضافية نتيجة التخوف من توظيف عمال جدد نتيجة رفع الحد الادنى للأجور".
بينما يقول سلامة أن هناك قطاعات ملتزمة بالحد الأدنى للأجور، بل وتمنح أجورا أعلى من الحد الأدنى، وتمثل القطاعات التي لديها انتاجية عالية وربح جيد، كما أن الرشكات الكبيرة ملتزمة.
وبما أن 99% من منشآتنا صغيرة ومتوسطة، و96 % تشغل أقل من 4 عمال، اذن فالبعد القطاعي لهذه المنشآت وقدرتها على التزام الحد الادنى للاجور مطروح على طاولة الحوار، والتخوفات موجودة، لكن يدعو سلامة لتعميق الحوار مع وجود حد أدنى وطني، معتمد ومعترف فيه، ويمكن أن يصل الحد الأدنى أكثر من المبلغ المطروح بكثير، يتعلق ذلك بإمكانية القطاعات كإنتاج ومستوى ربحية.
يشار الى أن قد صدر قرار رسمي مؤخرا برفع الحد الادنى للأجور لجميع القطاعات في فلسطين، إلى 1950 شيقلاً شهرياً، و87 شيقلاً الأجر اليومي، و12 شيقلاً أجر الساعة، على ان يتم تطبيق القرار بداية العام المقبل.