كيف أدارت الحكومة أزمتين أطاحتا بالإيرادات؟
لا توجد دولة في العالم لديها وضع استثنائي كما فلسطين. منذ نهاية الربع الأول من العام الجاري بدأت الحكومة تواجه أزمتي كورونا والمقاصة اللواتي أطاحتا بكافة أنواع الإيرادات.. فكيف نجحت في ذلك؟
رام الله- عماد الرجبي- بوابة اقتصاد فلسطين
"الحكومة أكبر متضرر من اغلاقات جائحة كورونا" هذا ما قاله رئيس الوزراء محمد اشتية في عدة مناسبات كان آخرها خلال لقائه رؤساء الغرف التجارية.
ماذا يعني حديث رئيس الوزراء بالأرقام؟
تجمع الحكومة إيراداتها عبر وزارة المالية من خلال ضرائب محلية إضافة إلى المقاصة، وهي أموال تجبيها إسرائيل نيابة عن فلسطين عن السلع الواردة إلى الأخيرة مقابل عمولة تبلغ 3 بالمئة، وفق ما ينص عليه بروتوكول باريس الاقتصادي.
بتتبع نوعي الإيرادات نلاحظ كيف تضررت الحكومة من جائحة كورونا كالآتي:
انخفاض واضح في الإيرادات المحلية
وفق بيانات وزارة المالية اطلع عليها موقع بوابة اقتصاد فلسطين بلغ إجمالي الإيرادات المحلية (الضريبية وغير الضريبية) المتحصلة منذ بداية العام حتى تشرين الأول حوالي 3.368 مليار شيقل بمتوسط شهري يبلغ حوالي 336 مليون شيقل.
وبمقارنة الأرقام الأخيرة مع نظيرتها للعامين الماضيين نلاحظ أنها جاءت الأكثر انخفاضا إذ بلغ المتوسط الشهري للعام 2019 حوالي 355 مليون فيما العام 2018 قرابة 411 مليون شيقل.
وبشان الإيرادات المحلية في أول شهر من بدء أزمة كورونا، تظهر البيانات انخفاضا ملحوظا إلى 127 مليون شيقل فيما المعدل الشهري 355 مليون شيقل، وبدأت الإيرادات المحلية في التحسن الملحوظ خلال شهر أيلول.
انخفاض إيرادات المقاصة
أدت جائحة كورونا إلى تعطل الحركة التجارية بشكل كبير إذ عم الإغلاق الشامل في كافة محافظات الوطن ما أدى إلى تغير نمط الاستهلاك ليزداد على السلع الغذائية والابتعاد عن المنتجات غير الضرورية ما أثر على حركة الاستيراد من الخارج.
وبعد حوالي شهرين من بدء الأزمة واجهت الحكومة مأزقا كبيرا يتمحور في قرار القيادة بوقف كافة العلاقات مع اسرائيل نتج عنها عدم استلام أموال المقاصة ردا على الإعلان الإسرائيلي بضم أراض فلسطينية.
وحسب بيانات وزارة المالية ما تلقته الخزينة منذ بدابة العام 2020 حتى الشهر الخامس بلغ 3.472 مليار شيقل فيما لم تستلم بعد ذلك أي اموال مع قرار وقف العلاقات مع الجانب الاسرائيلي حتى عودته في تشرين الثاني.
كيف استطاعت الحكومة إدارة الأزمة؟
أمام واقع انخفاض الإيرادات المحلية وتوقف ضرائب المقاصة ووقوع فلسطين تحت الاحتلال يأتي التساؤل: كيف نجحت الحكومة في إدارة أزمتها المالية؟
قال مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية د. شاكر خليل إن جائحة كورونا أدت إلى هبوط الإيرادات المحلية بشكل كبير خاصة في أول 45 يوما من الأزمة نتيجة الاغلاقات التي جاءت لحماية المواطنين من الفيروس.
واوضح أن ضريبة الدخل التي تؤخذ على أرباح الشركات شهدت انخفاضا بسبب هبوط المبيعات تاثرا بالاغلاقات.
كذلك، شهدت ضريبة المحروقات انخفاضا مع قلة حركة المركبات والحركة التجارية الصناعية.
وأضاف أن الحكومة فور بدء الأزمة اعتمدت موازنة طوارئ تعتمد على التقشف كما تم إعادة هيكلة توزيع النفقات بناء على الوضع غير الطبيعي "تم زيادة الإنفاق على القطاع الصحي وتقليله في قطاعات أخرى".
ومن السياسات الأخرى للحفاظ على سير العجلة الاقتصادية قدر الإمكان أوضح مستشار رئيس الوزراء أنه في بداية الأزمة تم صرف رواتب كاملة للموظفين بهدف ضخ سيولة في الأسواق.
وأوضح أن دول العالم لديها ادوات لإنعاش الاقتصاد لكن في فلسطين الأمور صعبة بسبب محدودية الموارد ووجود الاحتلال مشيرا إلى أن الحل الأفضل كان باستمرار صرف الرواتب رغم انخفاض الإيرادات.
وكان البنك الدولي أشاد بسياسات الحكومة عبر خفض نفقاتها الإجمالية في النصف الأول من العام، على الرغم من زيادة الإنفاق الطبي والاجتماعي لمواجهة تفشي الجائحة.
وتابع في ملف الرواتب أن أزمة المقاصة اضطرت بالحكومة إلى صرف 50 بالمئة من الرواتب بحد أدنى 1750 شيقلا للحفاظ على دوران العجلة الاقتصادية قدر الإمكان رغم علم الحكومة أنه مبلغ قليل.
وأضاف أنه تم تأمين جزء الرواتب بنسبة 50 بالمئة من الإيرادات المحلية و50 بالمئة من القطاع المصرفي.
وأكد مستشار رئيس الوزراء أن الحكومة مضطرة للإغلاق وأنها من أكبر الخاسرين وغير سعيدة في هذه الإجراءات لكن الوضع الصحي يتطلب إجراءات مشددة لحماية المواطنين من "كورونا".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي ثابت أبو الروس إن الحكومة من أكبر المتضررين من جائحة كورونا نظرا لما عليها من التزامات ثابتة في وقت شهدت فيه كافة أنواع الإيرادات انخفاضا واضحا.
وأوضح أن إيرادات المقاصة شهدت انخفاضا في بداية الأزمة بسبب الاغلاقات في الأسواق فيما توقفت بعد ذلك ردا على إعلان إسرائيل نيتها ضم أراض فلسطينية.
وأضاف أن الضرائب المحلية شهدت بدورها انخفاضا بسبب اغلاقات الأسواق إذ أن التاجر اصحب لا يصدر فواتير إلى الجهات المختصة إضافة إلى انخفاض إيرادات التجار مع تراجع الحركة في الأسواق.
كما شهد الدعم الخارجي انخفاضا واضحا خلال العام الجاري.
وأضاف انه في ظل الأزمة التي واجهت الحكومة التجأت الأخيرة إلى تأمين جزء من التزاماتها عبر الاقتراض من المصارف.
وأكد أن السلطة لديها الخبرة الكافية في إدارة أزمة المقاصة نظرا لتكرارها للمرة العاشرة من قبل الجانب الإسرائيلي مشيرا إلى أن خبرتها ساهمت في مرونة تعامل القطاع المصرفي معها إذ أصبح على يقين أن الحكومة تستطيع رد ما عليها من التزامات "لذلك لاحظنا زيادة الاقتراض عن الحد المسموح به".