فائض الشيقل أزمة متراكمة .. وقيد أصبح أمرا واقعا
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
أزمة فائض الشيقل إحدى الضغوطات التي تمارسها اسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني لجعله يواجه الأزمات بشكل مستمر، تعمقت المسألة بعد "أزمة المقاصة" التي تمثلت بالموقف الفلسطيني الرافض لاستلام المقاصة منقوصة (عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة وفق اتفاقيات أوسلو)، وكأن أزمة الشيقل جاءت ردا على الموقف الفلسطيني.
تتعامل دولة الاحتلال الاسرائيلي مع النظام المصرفي الفلسطيني وكأنه واحد من الأدوات النقدية الاسرائيلية، فاذا رغبت اسرائيل بزيادة المعروض لديها من الشيقل سمحت للسلطة الفلسطينية وللنظام المصرفي الفلسطيني بضخ السيولة لأسواقها، أما إذا ارادت كبح جماحها فرضت قيودا عليها وتراكم الشيقل في المصارف الفلسطينية. يقول الخبير الاقتصادي ورئيس قسم الاقتصاد في جامعة النجاح د. بكر اشتية.
ويقول اشتية، في الحال الفلسطيني كجزء من اتفاقية باريس عملة الشيقل هي عملة التداول اليومية، العلاقات النقدية مع الإحتلال بالشيقل، الأسواق الفلسطينية فيها تدفق بالشيقل أكبر من قدرة النظام المصرفي الفلسطيني على استيعابه وتصريفه داخليا او محليا.
مصدر "الفائض" بالشيقل
من أين أتت هذه الأموال التي تعتبر "فائضا" لدى المصارف، يقول اشتية أن العمالة الفلسطينية تحول بحد أدنى 12 مليار شيقل سنويا للاسواق الفلسطينية، والتي تصب في النهاية في المصارف.
كما تقدر مشتريات "فلسطينيي الداخل" ب3 مليار شيقل سنويا. أضف الى ذلك تدفقات المقاصة مع الجانب الاسرائيلي والعلاقات التجارية المباشرة مع التجار الاسرائيليين، فهذه كلها تخلق كتلة نقدية تتجاوز ال20 مليار شيقل سنويا.
عام 2014 رفعت سقوف تصريف هذه الأموال من قبل المصارف الاسرائيلية، حيث مصرح للفلسطينيين ب4 مليار شيقل بشكل ربع سنوي، فكل 3 شهور بإمكان النظام المصرفي تحويل 4 مليار شيقل الى المصارف الاسرائيلية، وتكدس هذه الأموال في مصارفنا لن يكون له جدوى اقتصادية إن لم يتم اقراضها او تصريفها للخارج من خلال اتمام صفقات وتبادلات تجارية.
"الفائض" قيد أساسه اتفاق باريس
قيدنا اتفاق باريس، يقول اشتية، ويضيف: قيدنا اتفاق باريس تحت بند مكافحة الارهاب، بمعنى انه لا تحويلات مالية داخلية و خارجية الا من خلال النظام المصرفي الإسرائيلي كنظام رقابي على السلطة والنظام المصرفي الفلسطيني، لذلك كل فترة اسرائيل تتذرع اسرائيل ان السلطة لديها فائض من الشيقل، مع أن الرقم يجب أن يكون اقل من ذلك حسب تقديرهم. ويفسرون ذلك بأن هناك عمليات تبييض وغسيل أموال تتم داخل السلطة، وكذلك تمويل للارهاب، بينما فائض الشيقل الذي يشكل أزمة حاليا سببه الأعياد اليهودية.
وتتلخص الأزمة في أنه يتم ترحيل الأموال بالشيقل لدى المصارف الفلسطينية لاسرائيل وذلك كل أربع شهور، ومنذ أسبوعين لم تترحل، وهي كما أشرنا سابقا أموال مصدرها العمالة الفلسطينية في الداخل وأموال المتسوقين من الداخل في فلسطين.
يقول اشتية أن النظام المصرفي الإسرائيلي أصبح لديه نظام جديد أن المدفوعات النقدية لا تتجاوز سقف 11 ألف شيقل، بعد ذلك الرقم يجب أن يتم التعامل من خلال المصارف، وليس تعاملا نقديا مباشرا، وبالتالي قدرتنا على ترحيل الأموال من خلال صفقات تجارية مباشرة أصبحت محدودة، والمشكلة أن العكس صحيح، بمعنى أن الجائب الاسرائيلي والتجار الاسرائيليين يمكنهم ضخ هذه الأموال دون سقف محدد، دون رقابة تذكر، بالتالي يدخل لدينا كتل نقدية كبيرة من الشيقل، وقدرتنا على التصريف محدودة.
ويرى اشتية أن الجانب الاسرائيلي وصل لذلك القرار كرد على الجانب الفلسطيني بعد أزمة المقاصة، بهدف إلحاق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني، ما يخلق الحاجة إلى نوع من التنسيق النقدي مع الجانب الاسرائيلي.
للفائض "تكاليف" وتأثير سلبي
ويشير اشتية الى أن الأموال المحفوظة داخل المصارف الفلسطينية عندما يكون هناك فائض في السيولة بعملة الشيقل يكون لها كلفة، لحفظها وتأمينها وحل مشكلة التالف منها، وهي كلفة مباشرة.
وهناك كلفة أخرى غير مباشرة، حيث لدينا خلل في تركيبة الموجودات النقدية لدى القطاع المصرفي، فالمصارف بحاجة إلى كمية أكبر من الدينار الأردني، بحاجة لتصريف الشيقل، وبالتالي يتمثل ذلك في تضييع فرص على المصارف، هذه المليات تشكل ضغطا على المصارف الفلسطينية، ونحن بحاجة الى الوقوف عنده ماليا.
وللفائض تأثير كبير على البنوك الفلسطينية، فالبنوك تدفع اعتمادات مصرفية للتجار عند الاستيراد من الخارج، كما يوضح اشتية، فالتاجر لديه رصيد في بنك ما، وحين يتم صفقته مع تاجر صيني مثلا فإن البنك يقوم بتحويل الأموال له.
المشكلة تتمثل في أن هذه المصارف بسبب تكدس الشيقل لديها، وعدم قدرتها على تحويل الفائض الى الجانب الاسرائيلي أصبحت حساباتها مكشوفة أمام هذه الصفقات، وبالتالي أصبحت تضطر هذه المصارف الفلسطينية للإقتراض من البنوك الاسرائيلية لدفع هذه الدفعات للتجار الفلسطينيين بسعر فائدة مرتفع جدا مع الشواقل مكدسة لدى البنوك، فالسيولة متوفرة لكن لا يوجد إمكانية لتحويلها للجانب الاسرائيلي لتحويلها مجددا للمعتمد، وهذه كلفة للنظام المصرفي الفلسطيني.
ومن هنا نجد أن بعض المصارف الفلسطينية تفرض سقفا للايداع المصرفي بالشيقل بسبب عدم رغبتها بتكدس الشيقل، بعيدا عن وجود اشكاليات قانونية لهذا التصرف أو عدم وجودها.
كما أن محطات المحروقات لديها فائض من عملة الشيقل وتحتفظ بها، وتضطر لتحمل مخاطر الاحتفاظ بها من خلال أدوات غير مصرفية.
النقد: تم استئناف تحويل الفائض
"تم استئناف تحويل فائض الشيقل "، يقول محمد مناصرة، مدير دائرة الرقابة والتفتيش في "سلطة النقد الفلسطينية"، حيث أشار الى انه اعتبارا من يوم الأحد يكون الجانب الفلسطيني قد شحن 700 مليون شيقل كدفعة أسبوعية، وقال أن توقف شحن الدفعات جاء بسبب بسبب الأعياد اليهودية.
ويقول اشتية أن تصريحات سلطة النقد تقول أنه لا ازمة مزمنة، والقطاع المصرفي يتعامل مع القضية بشكل دوري.
لا حل سحري سريع
ويرى د. اشتية أن الحديث في أمر الحلول لهذه المشكلة فيه محاذير متعددة، من بين أسهل الحلول الوصول إلى تفاهمات مع الجانب الاسرائيلي حول هذه القضية، ولكن المحاذير هنا تتعلق بعدم رغبة السلطة بالتنسيق مع الجانب الاسرائيلي، رغم اننا نتعامل مع الجانب الاسرائيلي كنظام مصرفي ضمن اتفاقيات قديمة، فصعب حاليا الطلب من الحكومة الفلسطينية أن نجلس مع الجانب الاسرائيلي لرفع سقف التحويلات بالشيقل لدى الجانب الاسرائيلي من 4 مليار شيقل كل 3 شهور الى 6 مثلا للتخلص من الفائض، "والجانب الاسرائيلي أشك انه سيوافق لان ذلك سيؤثر على قوة الشيقل كعملة، وسيضعفها، واسرائيل حاليا ليست مع اضعاف الشيقل بهذ الطريقة".
حل آخر يتعلق بمكمن الخلل، بالعمالة الفلسطينية بالداخل والتي كل تحويلاتها بالشيقل، إضافة مشتريات فلسطينيي الداخل بالشيقل، وأفضل شيء بجانب العمالة الفلسطينية أن يتم تحويل نقدهم إلى حسابات بنكية، وهي لوحدها كافية للقضاء على فائض الشيقل.
كما تطرق اشتية لثقافة التبادلات الإلكترونية بدل الورقية، والتي أعلنت عنها الحكومة في بداية عملها، وهي تفعيل ثقافة الدفع الالكتروني، فكلما قل اعتمادنا على الشيقل بالتعامل اليومي كلما قللنا من حجم الأزمة، حيث لا يمكن ايجاد حل سحري بشكل سريع للأزمة.
كما أنه من ضمن الأدوات التي يمكن أن تلجأ لها البنوك نلاحظ أن أعلى سعر فائدة يكون على الشيقل، وتساءل اشتية "لماذا لا يتم تخفيض الفائدة على الإقراض بعملة الشيقل مع مراعاة أن الإقراض بالشيقل أعلى مخاطرة، حيث يتعرض الشيقل لتذبذبات كبيرة وهنا مكن الخطورة."
كما يقترح اشتية تقديم حزم من التسهبلات الإضافية على القروض بالشيقل، إن امكن ذلك.
وتعتبر السلطة الفلسطينية أكبر مقترض من المصارف الفلسطينية، حيث 22% من الإقراض موجه لها، و70% من الإقتراض بعملة الشيقل الاسرائيلي، فهي تمتص جزءا لا باس به، وبالتالي يرى اشتية أنه يمكن للسلطة تعزيز الإقتراض بالشيقل، وإلغاء الإقتراض بالعملات الأخرى كجزء من العلاج.
ويعتبر اشتية أن الإنفكاك النقدي عن الاحتلال سيكون الأصعب في ظل غياب العملة الفلسطينية، وفي ظل غياب الرغبة في إصدار عملة فلسطينية لأسباب عدة، حيث يتطلب الإنفكاك النقدي خطوات طويلة الاجل، فحجم الترابط في العلاقات النقدية كبير جدا، فنحن بحاجة بداية لعلاج التدفقات النقدية لدينا، وإذا تمكنا من تحويلها لحوالات نقدية يمكننا الحديث عن آليات الإنفكاك عن الشيقل الاسرائيلي.
وقد وضعت الحكومة الفلسطينية مفاصل أربعة للانفكاك عن الاحتلال، تمثلت في تعزيز المنتج الوطني، والاستيراد المباشر من العالم، وتعميق التعاون مع الدول العربية، علاوة على مقاطعة المنتجات الاسرائيلية.
كما تطرقت الحكومة في بداية عملها إلى نيتها إطلاق عطاء بعد للدفع الإلكتروني، وكما قال رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية "ستكون كافة المدفوعات للحكومة الكترونية، وسيقوم بذلك شركات من القطاع الخاص تتنافس على العطاء، (..) أما الخطوة اللاحقة التي ندرسها نحن وسلطة النقد، هي الذهاب باتجاه العملة المشفرة لتجاوز مسألة فائض الشيكل الذي يتكدس لدى البنوك".