محللون: السلطة في مأزق مالي بعد وصول الاقتراض سقفه الأعلى
حسناء الرنتيسي_ بوابة اقتصاد فلسطين.
ألقت أزمتي المقاصة وجائحة كورونا بظلالها على الاقتصاد الفلسطيني من جهة، وعلى الوضع المالي للسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، بشكل يهدد وجودها، خاصة في ظل السياسات الإسرائيلية الأمريكية الرامية لإخضاعها وابتزازها وإضعافها سياسياً ومالياً، وهرولة أنظمة عربية للتطبيع مع إسرائيل.
وبلغة الأرقام، تشير البيانات إلى هبوط إيرادات السلطة الفلسطينية خلال الأشهر الخمسة الماضية بنسبة 70%، حيث كانت تحقق إيرادات مالية بأكثر من مليار شيقل، أما الآن فقد انخفضت إلى ما دون 280 مليون شيقل شهرياً.
وشهدت المساعدات الخارجية هبوطا حاداً بنسبة 50% تقريباً، حيث كانت تبلغ قيمتها نحو500 مليون دولار في الشهور السبعة الأولى من العام 2019، أما في 2020 ولذات الفترة لم تتجاوز قيمة المساعدات 250 مليون دولار، حسبما تحدث به الخبير الاقتصادي د. بكر اشتية خلال لقاءه على فضائية النجاح.
ويضيف اشتية: "انعكاس ذلك ظهر في قدرة السلطة الفلسطينية على تمويل نفقاتها، حيث لجأت إلى عملية الاقتراض المركبة (البنوك والدول الخارجية) ما أدى لارتفاع حجم الدين لصالح المصارف المحلية بـ 7 مليارات شيقل كديون على السلطة، ويشكل الدين الحكومي أكثر من 22% من التسهيلات الائتمانية، وهذا يعتبر تركزاً ائتمانياً غير مرحب به في هكذا حالة، كما يشكل خطورة على سلامة القطاع المصرفي".
وتابع: "إضافة إلى ذلك، هناك 4.5 مليار شيقل كقروض خارجية على السلطة، ناهيك عن 13 مليار شيقل متأخرات للقطاع الخاص ولصندوق التقاعد، وبالتالي هناك نحو 24.5 مليار شيقل كمديونية على السلطة".
وهنا يتساءل اشتية، إذا كانت السلطة الفلسطينية تعيش أزمة مالية في الوقت الذي كانت تستقبل فيه أموال المقاصة المقدرة بـ 680 مليون شيقل شهرياً، فكيف سيكون الوضع حاليا؟
وأشار إلى أنه وقبل الأزمة كانت تقدر المصاريف الشهرية للسلطة الفلسطينية 1.150 مليار شيقل، بينما تقدر حالياً بنحو 550 مليون شيقل، بما فيها أنصاف الرواتب.
ورأى الخبير الاقتصادي وجوب مراجعة السياسات السابقة لإغاثة الوضع الراهن، ولتجاوز الأخطاء الاقتصادية والسياسية. وأضاف: "الحكومة الآن تتحصل على 280 مليون شيقل شهرياً، وعليها تسير أمورها في هذا المبلغ مع الحصول على بعض القروض".
وأوضح أن الاقتراض البنكي الحكومي وصل للسقف الأعلى، وهنا قد تلجاً الحكومة للحصول على قروض من دول عربية، ومؤسسات وصناديق سيادية عربية، كذلك ستلجأ إلى بعض الأدوات الداخلية لتحسين الجباية الضريبية، وستعمل على تعزيز الرقابة على التهرب الضريبي وطرح بعض القضايا كتحسين العمل بقانون تشجيع الاستثمار والإعفاءات".
الحكومة تبحث عن منفذ
من جانبه قال الصحفي الاقتصادي جعفر صدقة أن قيمة القرض الحكومي المجمع من المصارف بلغ 400 مليون دولار، وصرف منه حوالي 320 مليون دولار حتى الآن.
وأشار إلى أن الحكومة سعت خلال شهر أيلول/سبتمبر الجاري للحصول على قرض مجمع جديد ب 300 مليون أخرى، لكن البنوك رفضت مع تزايد الأعباء ومخاطر عليها.
وتابع: "ضغطت الحكومة بكل الوسائل المتاحة لديها وتمكنت من الحصول على تسهيل قصير الأجل بمقدار 80 مليون دولار، وبضمانات معينة من أربعة بنوك، هي البنوك الإسلامية الثلاثة إضافة إلى بنك الاستثمار الفلسطيني".
وأشار إلى أن ذلك تدبير لشهر واحد، وتكراره الشهر القادم صعب وليس مضمونا، سواء من البنوك نفسها أو من بنوك غيرها.
وأوضح صدقة أن الحكومة قد استنفذت كل الإمكانيات والمصادر للتعامل مع الأزمة المالية على الأرجح، وذلك لتغطية الحد الأدنى من النفقات بما في ذلك نصف الراتب، حتى باتت أمام مسؤولية اتخاذ قرارات استراتيجية هذا الشهر.
.ما الحل؟
يرى الصحفي صدقة أن التعويل على نتائج الانتخابات الأمريكية لن يجدِ نفعاً، ولن يحل المشكلة سواء بفوز "دونالد ترامب" أو منافسه "جو بايدن".
من جانبه، اقترح الخبير الاقتصادي اشتية حصول الحكومة على ضريبة سنة مقدماً من القطاعات التي لم تتضرر خلال هذه الفترة، كالقطاعات الاحتكارية، وذلك بهدف مواجهة بعض الأعباء.
وقال اشتية إن الخطة الاستراتيجية التي تسير عليها السلطة حاليا تتمثل بإعداد خطط إنعاش للقطاعات الأكثر تضررا من خلال آلية الروافع، بمعنى أن تبحث عن القطاعات التي لو أنعشت يمكنها إنعاش قطاعات أخرى.
وأضاف: "الأصل في خطة الإنعاش أن تتماشى مع الخطة الرئيسية المعلنة وهي خطط الانفكاك والتمكين، كما أننا بحاجة لخط طوارئ لا تتعارض مع الخطة الرئيسية، كما أننا بحاجة لأوراق ضغط على الاحتلال، كابتداع أدوات جديدة للمقاومة، وهذا بحاجة لإجماع وطني".
أما المحلل الاقتصادي ثابت أبو الروس فيرى أن الحكومة بإمكانها القيام بعدة خطوات للخروج من الأزمة، أولها الإسراع في إنشاء البنك الحكومي، الذي يعتبر بنكاً سيادياً يتم اللجوء إليه عند الأزمات".
أما على المدى البعيد، يمكن للسلطة الفلسطينية القيام بإصدار سندات بضمانة الحكومة، فيتم اللجوء لها وقت الأزمات، وتسديدها عند انتهاء الأزمات، وبهذه الطريقة تخرج السلطة من تحكم البنوك وسلطة النقد في قضية القروض.
ويؤكد أبو الروس على أهمية تعزيز العلاقة ما بين القطاع الخاص والحكومة، بهدف حث القطاع الخاص على الإنتاج والصناعة بعيدا عن الشراء من الاحتلال الإسرائيلي، فإذا تم تشجيع الزراعة والصناعة والاكتفاء باستيراد المواد الخام، فستكون الحكومة بهذا قد شجعت التجارة البينية في فلسطين، وعملت على تشغيل الأيدي العاملة.
وأضاف: "أصل الأزمة يكمن في ارتفاع الاستيراد من الاحتلال أو من الخارج، وهذا ما عزز من إحكام الاحتلال سطوته على الأموال الفلسطينية".