الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
24 حزيران 2020

ما هي الحالة الرقمية للوباء...هل فلسطين مستعدة لمواصلة العمل عن بُعد ومواكبة متطلبات العصر؟

بقلم: هاني العلمي

بوابة اقتصاد فلسطين

خلال الموجة الأولى لتفشي فيروس كورونا، نالت فلسطين قيادة وحكومة وشعباً وما بذلته الطواقم الطبية والأجهزة الأمنية إعجاب العالم ومنظمة الصحة العالمية لسرعة الإجراءات الوقائية التي تم اتخاذها لمواجهة جائحة فيروس كورونا، هذا إلى جانب تكاتف مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لمساندة هذه الجهود، وأظهر نسيج المجتمع الفلسطيني شتى صور التلاحم والتآخي في رفد الموارد لمواجهة الآثار الاقتصادية لهذه الجائحة.

لكن هنالك جانب آخر من الإنجاز الفلسطيني والذي لم يحظَ بحصة من الإشادة ولم يلقَ بعد الاهتمام اللائق والمتابعة الفاعلة، ألا وهو معرفة مدى جاهزية فلسطين رقمياً سيما من حيث البنية التحتية التكنولوجية والمعرفة الرقمية حتى نتمكن من مواصلة العمل في مواجهة هذا الوباء الذي عاد ليتفشى في محافظات الوطن. ولقد صمدت فلسطين خلال الفترة الماضية رقمياً أمام الجائحة متجاوزة الشكوك والتخوف من انهيار البنية التحتية للاتصالات وخدمات الإنترنت، واستمرت الأعمال والعملية التعليمية عن بُعد رغم بعض الصعوبات والتحديات.

ولاحظنا جميعاً أنه في ظل الأزمة انتعشت بعض الأنشطة الإلكترونية مثل الخدمات المصرفية الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، على الرغم من عدم توفر بيئة ناظمة وآمنة للتجارة الإلكترونية في فلسطين. كما تمكنت العديد من المؤسسات الاقتصادية من متابعة العمل عن بُعد مع بعض التباين العائد إلى قصور في شبكة الإنترنت، أو عدم توفر الأجهزة الإلكترونية، أو عدم توفر المعرفة والخبرة الرقمية، كما أن طبيعة النشاط الاقتصادي تحدد مدى موافقة العمل الإلكتروني لمتطلبات هذا النشاط أو ذاك.

لقد خاض أرباب العمل وآلاف الموظفين غمار تجربة العمل عن بُعد من منازلهم، رغم شح الإمكانيات الموجودة لدى غالبية هؤلاء الموظفين، فكانت فترة صعبة للغاية في ظل عدم توفر الحواسيب المنزلية أو المحمولة، هذا بالإضافة إلى نقص أو محدودية سعات الإنترنت وسرعته في المنازل.

أما بالنسبة للتعلم عن بُعد فقد نجحت العديد من مؤسسات التعليم العالي في تجربة التعليم عن بعد نظراً لما تتمتع به هذه المؤسسات من توفير البنية التحتية والمنصات الإلكترونية التي تم توظيفها في السابق كتعليم مساند يواكب التطور الرقمي الحاصل في التعليم العالي عالمياً ويعزز من نهوض التعليم الجامعي في فلسطين، مع وجود بعض التحديات من حيث توفر الحواسيب في المنازل وجودة شبكة الإنترنت، وهي ذاتها التحديات التي واجهتها المدارس والتي تفاوتت تجربتها ما بين النجاح والفشل، وضاعف من الصعوبة مدى معرفة واطلاع المعلمين والمعلمات للتعامل بمرونة مع منصات التعليم الإلكتروني وأساليب التعليم عن بعد، إلى جانب مستوى مهارات طلبة المدارس وذويهم للتعامل مع البرامج والمنصات الإلكترونية.

وحسب دراسة نفذتها مؤسسة فيصل الحسيني حول التعليم عن بعد في القدس في ظل وباء فيروس كورونا، واشتملت عينة الدراسة على 17 مدرسة، فقد أظهرت الدراسة أن إحدى الصعوبات تمثلت في التواصل مع الطلبة حيث لم تتمكن المدارس من الوصول لما يقارب 35% من الطلبة وذلك إما لعدم توفر الأجهزة الإلكترونية أو بسبب ضعف الأجهزة المستخدمة أو عدم رغبة الطلبة بالتواصل، كما كشفت الدراسة أن ما نسبته 54% من المعلمات والمعلمين هم بحاجة إلى تدريبات على استخدام التكنولوجيا في التعليم، فيما 45% من المعلمين والمعلمات هم بحاجة للتدريب على مهارات أخرى خاصة بالتعليم عن بعد.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، إلا أن التعليم عن بعد كان الملجأ الأخير لحماية العملية التعليمية وإن كان فرض هذه الوسيلة جاء سريعاً دون تهيئة أو تحضير نظراً لما فرضه تفشي الوباء المتسارع علينا من اتخاذ قرارات إلزامية فورية لمواجهته. ومع ذلك انخرط الآلاف من طلبة المدارس في الوطن في عملية التعليم عبر التقنيات المرئية والمسموعة، حيث شهدنا العديد من المبادرات المدرسية والطلابية في تلك الفترة، والتي سخرت هذا الحيز لصالح إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العام الأكاديمي، علماً أن عدد طلبة المدارس في فلسطين تجاوز (1.300) مليون طالب وطالبة، دون توفر الرقم الدقيق لعدد الطلبة الذين تمكنوا من التفاعل مع التعليم الإلكتروني. لكن من الأهمية بمكان النظر والتعمّق في هذه التجربة، ومعرفة ما هي طبيعة التحديات وما يجب تطويره عبر الشراكة ما بين الحكومة (وزارتي التربية والتعليم والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات)، والقطاع المدرسي الأهلي والخاص.

 ومع عودة تفشي فيروس كورونا في موجة ثانية، فإننا لا نزال أمام تحدي العمل والتعليم عن بُعد، ويتطلب ذلك تقييم الصعوبات التي واجهت قطاعات واسعة خلال هذه الفترة، مع الأخذ بالاعتبار أن الآلاف من الأسر الفلسطينية لا تمتلك أجهزة حاسوب حيث أشار تقرير صدر في أيار الماضي عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نسبة الأسر الفلسطينية التي تمتلك أجهزة حاسوب في عام 2019 بلغت 33%، على الرغم من امتلاك 80% من الأسر في فلسطين قدرة النفاذ إلى خدمة الإنترنت في المنزل حسب التقرير المذكور، الأمر الذي يجب الالتفات إليه والبحث في إمكانية توفير الحواسيب المنزلية إلى جانب تمكين كافة الأسر من النفاذ إلى الإنترنت، وتطوير المعرفة الرقمية لدى المواطنين لاسيما الطلبة والمعلمين.

وإلى جانب تضرر أعمال وأنشطة العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة، ونتيجة عدم توفر أجهزة حاسوب منزلية أو بسبب ضعف جودة خدمة الانترنت، فقد واجهت كذلك المواقع الأمنية سيما حواجز المحبة، ذات التحدي حيث لم تكن متصلة بخدمات الإنترنت مما كان يعيق هذه الطواقم من التواصل مع جهات الاختصاص، لاسيما الطبية منها في حالات الطوارئ، والإدارات العامة للأجهزة الأمنية، أو حتى مع عائلاتهم وأطفالهم على مدى 3 شهور من الإجراءات المشددة.

ولعل من أخطر التحديات التي علينا بحثها ومعالجتها بشكل فوري عند الحديث عن العمل والتعليم عن بعد والتجارة الإلكترونية، هو الأمن الإلكتروني، فلا يكفي أن نعالج موضوع توفير أجهزة الحاسوب المنزلي وزيادة سرعة الإنترنت وتمكين الجميع من النفاذ إلى الإنترنت، وإنما من الضروري بحث توفير الحماية الإلكترونية خاصة إن عدنا إلى العمل من المنازل وعبر شبكات غير مؤمنة بأنظمة الحماية، على عكس ما هو معمول به في بعض المؤسسات الرسمية وغيرها التي حرصت على توفير أنظمة لحماية المعلومات.

ولن نغفل حقيقة التحدي الأكبر وهو حرمان فلسطين من مزايا أنظمة الانترنت المتطورة فدول الجوار تتمتع بخدمات الجيل الرابع فيما أدخلت العديد من دول العالم تقنية الجيل الخامس، الأمر الذي شكل عبئاً وتحدياً كبيراً على مطوري ومزودي خدمات الانترنت في فلسطين لاسيما من حيث رفع سرعة وسعة الانترنت وتحسين شبكة الانترنت، لكن هذا لا يعني أن لا نبحث عن حلول خلاقة وفوراً.

إن التعامل مع الحالة الرقمية في فلسطين بات يمثل أهمية قصوى، وذلك لأن العمل عن بُعد بات يدخل في مختلف القطاعات، ومنها قطاع الصحة الذي يقف اليوم في خط الدفاع الأول لمواجهة الوباء، فالعديد من دول العالم سبقتنا في استغلال الانترنت لتطوير الخدمات الصحية ومتابعة حالة المصابين بفيروس كورونا عن بعد، وتقديم العديد من البيانات وتناقلها وبحثها عبر لقاءات ومؤتمرات عن بُعد، وغيرها الكثير من الخدمات التقنية المتقدمة، ونحن ندرك مدى الفائدة التي قد نحققها لو تمكنا من مساندة قطاع الصحة الفلسطيني عبر تطوير البنية التحتية ورفع أداء شبكة الانترنت في فلسطين.

وفي هذا السياق يجدر بنا جميعاً في الحكومة والقطاع الأهلي والقطاع الخاص، وعلى وجه الخصوص مزودي خدمات الإنترنت والاتصالات أن نقف وقفة واحدة لتقييم أدائنا جميعاً خلال الجائحة من الناحية الرقمية، وأن نستقي العبر والدروس، وأن نحرص على العمل الجماعي لتحسين البنية التحتية والإعداد للمرحلة القادمة سواء إن عُدنا إلى إجراءات الوقاية من الجائحة والحجر المنزلي أو لم نعُد، لأن متطلبات العصر باتت واضحة والتقدم نحو المستقبل يتمحور حول توفير التقنية العالية بأسعار في متناول يد الأفراد والمؤسسات، وتعزيز القدرة سواء على صعيد البنية التحتية أو الموارد البشرية التي هي بحاجة للإعداد الجيد للتعامل مع التطور الرقمي وهذا العالم الافتراضي الذي اخترق حياتنا وصار نمطاً وممارسةً يومية.

 

هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟