زجاج الخليل من فوهة اللهب لرفوف المعارض الدولية
صناعة الزجاج والخزف بالطريقة اليدوية القديمة في مدينة الخليل، تمثل هوية ثقافية وتراثية للمدينة المميزة بمكانتها الدينية والتراثية والصناعية. ويقدر الإنتاج السنوي للزجاج التقليدي الفلسطيني بشكل عام بمليون دولار سنويًا.
الخليل- بوابة اقتصاد فلسطين| حسناء الرنتيسي- يجلس ذلك الشاب العشريني أمام فرن حراري يداعب الزجاج المنصهر، يضعه في الفرن، يخرجه ويحركه ينفث فيه، لترى ما يشبه البالون الزجاجي الملتهب، يداعبه بيديه وبما يشبه القضيب أو القصبة الحديدة الطويلة ليصبح أخيرا تحفة زجاجية ذات بريق خام على شكل أباريق، وفوانيس، ومزهريات وكؤوس وصحون وغيرها من الأشكال والمجسمات، وبأحجام مختلفة، بفن وإبداع ودقة متناهية تبهر كل من يراها.
تنتقل هذه التحفة إلى قسم الرسم، حيث يجلس مجموعة رسامين على طاولة واحدة، تنتقل تلك التحفة الزجاجية بين أيدهم، من الرسام الأول الذي يأخذ القطعة بيضاء ليضع رسما أشبه بالحدود السوداء المزخرفة، ثم يستلمها زميله الاخر ليملأ الفراغات والحدود السوداء بألوان تناسب التحفة الزجاجية ونوعها، إن كانت إبريقا أو وعاء زجاجيا أو كاسات وما شابه.
تنتقل تلك التحفة لعامل آخر ليطليها بالزجاج السائل، ثم تنقل لتوضع بالفرن على درجة حرارة 1000 درجة مئوية لمدة 24 ساعة، لتصبح صحية الاستخدام يمكن وضعها في المايكرويف او الجلاية، وأخيرا تتربع تلك التحفة على أحد رفوف معرض الزجاج في المصنع ليقع زائر في عشقها ويقتنيها لتزين زوايا بيته او محله.
مهنة متوارثة
انتقلت هذه الصناعة من جيل لجيل كالجينات الوراثية، يزيد عمرها عن 700 عام كما يقول صاحب مصنع زجاج وحرف الخليل عبد الجواد عبد الحميد النتشة، يقول "منذ نشأة هذا المصنع لم يتغير شيء عليه سوى الفرن الذي كان يستخدم فيه الحطب قديما، ثم أصبحنا نستخدم السولار حديثا، وغير ذلك لم يتغير شيء، فالتقسيمات والمهام كما هي"، منوها لمعيقات يضعها الاحتلال في استيراد الآلات والمعدات التي تحدث تطورا في تلك الصنعة.
النتشة لديه أربعة أولاد يشرفون على سير العمل في المصنع، وينظمونه، ويعمل فيه نحو 18 عاملا، براتب 2000 شيقل كحد أدنى.
أما المواد المستخدمة في صناعة الزجاج فهي من الزجاج المكسر الملقى في الشوارع، يتم تجميعه وصهره من جديد ليصبح تحفة فنية مكتملة.
إقبال كبير
الإقبال المحلي على شراء التحف الزجاجية كان ضعيفا كما يصفه النتشة، لكن مؤخرا أصبح يلمس اهتماما محليا جيدا، بدرجة قابلة للتطور، لكن الإقبال الأجنبي أكبر من ذلك بكثير، فهذا المصنع هو قبلة الزوار الأجانب الذي يأتون من كل الدول ليشهدوا دورة حياة تلك التحف الفنية عن قرب.
عنوان للعراقة
يستذكر النتشة حوارا ما بينه وبين صاحب مصنع ايطالي زار مصنعه، يقول "سألته هل مصنعك أكبر من مصنعي، فأجاب، لا، مصنعك اكبر بكثير، فعمره مئات السنين ويحتفظ بآلية العمل التقليدية، بينما في مصنعنا الآلات هي من تعمل، وبالتالي اللمسة الإبداعية تكمن في مصنعك".
يجوب العالم
وعن وجهة التحف الزجاجية السوقية، يشير النتشة إلى أن التحف والأواني الزجاجية لمصنعه تجوب العالم في كافة اتجاهاته، حيث تصل كافة الدول، كما أن هناك حركة تسويقية نشطة في إسرائيل، فالتسويق المحلي ليست بقوة التسويق للخارج".
معيقات مؤلمة
خالد أحد ابناء عبد الجواد النتشة، يعرب عن فخره بتوارث تلك الصنعة التي تزداد عزا يوما بعد يوم، فهو يشعر بنشوة النصر حين يرى حيرة الزوار باختيار التحف التي تروق لهم، فكل تحفة لها جماليتها وميزتها.
لكن المعيقات الإسرائيلية كعادتها، تأبى إلا الظهور في كل قصة نجاح، فهذه الصناعة تواجه معيقات في النقل والتصدير لتلك التحف الفنية للخارج، وهذا يقطتع جزءا لا بأس به من الربح حسب خالد النتشة، فتكلفة المعابر والموانئ الإسرائيلية عالية جدا.
لكنه يعرب عن أمله في الحصول على مساندة السلطة الفلسطينية لذلك القطاع ليستطيع الصمود والانتشار ليحمل اسم فلسطين وينقله للعالم كله، فالضرائب عالية عليه من جهة، ومن جهة أخرى هناك ارتفاع في أسعار المحروقات، ما يساهم في رفع سعر منجاته وإضعاف قدرتها التنافسية.
ورغم العمر الطويل لتلك الصناعة وتوارثها من جيل لجيل إلا أنها لم تحظ باهتمام المدارس والمعاهد التي تهتم بتعليمها، هناك غياب واضح لها، فتلك المهنة يتم تعلمها بشكل تقليدي وليس مدروس ومنظم يليق بتاريخها العريق.
إضافة الى وجود المنافس الصيني الأقل ثمنا والأقل جودة أيضا، إلا أنه ينافس تلك الصناعة ويستحوذ على جزء من سوقها.
مؤخرا أصبح هناك إقبال من بعض الشركات والمؤسسات الفلسطينية لعمل منتجات دعائية لها بتلك التحف، كشركة الاتصلات وشركات السيارات وغيرها.
ومعيق آخر بقلة عدد السياح القادمين الى الخليل، فتنشيط الحركة السياحية سيساهم في خلق سوق قوي لتلك الصناعة حسب خالد النتشة.
لمشاهدة الفيديو تابع الرابط :https://www.youtube.com/watch?v=J9xcjxMfA4I