الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
19 كانون الثاني 2020

ريادة الأعمال في القدس.. ضجيجٌ شبابي رقمي

بقلم هاني العلمي

تضج مدينة القدس اليوم بقدرات شبابها وحماسهم المتزايد للتنمية والتطوير، وهو نسق يتكامل مع هبة الشباب الفلسطيني في كل مكان نحو المنافسة والاندماج مع التطور الذي يشهده العالم، بيد أن المدينة المقدسة تشهد ضجيجا رائعا من نوع لم تشهده سابقا.

وقد تُعزى هذه الرغبة الجارفة لديهم بدخول بيئة حاضنة وطنية للمشاريع والأفكار الريادية؛ إلى التردي الذي تشهده القدس من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالأوضاع السياسية، والسؤال الآن هو: كيف يمكن لهذه البيئة المبتكرة أن تحافظ على نبض الحياة في مدينة هي لب الصراع السياسي والديني الأشد على مر التاريخ؟

في السنوات القليلة الماضية، كان قطاع ريادة الأعمال الناشئة في القدس يشهد الانجماد ذاته الذي حل بمختلف جوانب حياة المقدسيين، وذلك في سياق معطيات صادمة حول ارتفاع مؤشرات البطالة والفقر في المدينة، حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر من 72% من العائلات الفلسطينية تعيش تحت خط الفقر وذلك وفقا لإحصائيات نشرتها جمعيات حقوقية في القدس، فيما أظهرت إحصائيات نشرها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس) أن نسبة البطالة في القدس الشرقية قد بلغت 11% .

وعلى الرغم من هذه المؤشرات التي قد تكون محبطة للبعض، إلا أن القدس تمتلك باقة من الطاقات الشبابية المتّقدة، التي تحتاج إلى رعاية وإسناد، بدلا مما تعانيه هذه الطاقات والمؤسسات الشبابية المقدسية من إهمال من قبل الدول المانحة والجهات والشركات الدولية، وذلك في خضم ما تعانيه المدينة من حصار وانقطاع عن بعدها الوطني والاقتصادي في الضفة الغربية وسائر أركان الوطن.
لكن جذب انتباه شركات التكنولوجيا العالمية وصناديق الاستثمار الرأسمالي، لأفكار خلاقة ومشاريع ريادية إبداعية غالبيتها تتخصص في مضمار الثورة الرقمية؛ تصدر عن ثلة من الشباب المقدسي المتميز والمتسلح بعلمه وحبه للحياة، لم يكن مستحيلا، بل كان من الضروري بمكان من أجل وقف هجرة الأدمغة التي باتت تثير القلق والتساؤلات، فكان من الحري بنا كمجتمع رواد الأعمال في القدس الشرقية العمل بجد أكبر لتأسيس بيئة لريادة الأعمال تنبض بمواهب إنسانية هائلة، وتستغل الموقع الجغرافي للمدينة وسهولة التنقل والسفر التي يتمتع بها شبانها.
وبدأت حكاية خلق واقع جديد لم يكن يوما إلا حلما مجردا، يراودني كأحد الرياديين الطامحين لاحتضان الأفكار الريادية الناشئة، تماما كما يراود خيال الناشئين الطامحين لولوج عالم الريادة وأسواق العمل، فكانت مؤسسة (جست) بمقرها المتواضع في حي الشيخ جراح؛ بيئة حاضنة لريادة الأعمال وغنية بالتكنولوجيا العصرية، وأول حاضنة في المدينة توفر مساحة عمل لأصحاب المشاريع وتقدم البديل الوطني الذي يتواءَم مع الثوابت والمبادئ الوطنية.
إن فكرة احتضان الرياديين والرياديات في مدينة القدس هي اليوم آخذة بالنضوج، نضوج سيجلب حتما الشركات الدولية ليصبح هذا الضجيج أكثر جاذبية للجهات ذات الاختصاص، وذلك بتضافر الجهود الجماعية التي سعت لبناء اللبنات الأولى واستطاعت أن تحقق النجاح المنشود، عبر التشبيك والتواصل والانفتاح على العالم الخارجي، فبالإضافة إلى توفير الإرشاد والنصح من المختصين، وإشراك الشباب في دورات تدريبية غنية، نجحت (جست) في مد الجسور ونسج شبكة من العلاقات ما بين رواد الأعمال وأقرانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، والفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وفي أماكن تواجدهم في المهجر والشتات.
كما أن للفتيات والسيدات نصيب الأسد من هذه الحاضنة الوطنية، فالنساء المقدسيات المتحديات بطبيعتهن، قطعن شوطا في تطوير مشاريعهن الريادية الناشئة، فيما تسعى (جست) إلى تنمية المهارات القيادية لديهن، وبناء الثقة والقناعة بمقدرتهن على إنشاء الأعمال الخاصة بهن، التي ستشكل لهن مصدر دخل ثابت وخاص، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني والمجتمع المقدسي على وجه الخصوص.
ومع توفير البيئة المحفزة لرياديي القدس الناشئين، حلّق الشباب والشابات بأفكارهم وابتكاراتهم، فاليوم بتنا نفتخر بوجود مطورين لتقنيات حديثة مثل مركبات بدون سائق، أو تطوير جهاز لعلاج مرضى السرطان، أو حتى تطبيقات تكنولوجية عديدة تم تطويرها على أيدي طاقات مقدسية فذه.
وهكذا بدأنا نلمس ثمار هذه الجهود، فقد استطاع الشباب الريادي المقدسي اكتشاف قيمهم الذاتية المتأصلة وإرادتهم الصلبة، وقدرتهم على التفوق والابتكار والمنافسة مع أفضل المبدعين في العالم، انشد لها القاصي والداني، حين أصبح للريادة عنوانٌ واضح، إلا أن عملنا لم ينته بعد، وجهودنا لم تنفد بعد، بل إننا مستمرون في بث هذه الروح وتقديم المشورة والدعم المادي والمعنوي لتحقيق رؤى الشباب والشابات الرياديين والرياديات، وتمكينهم من إنشاء شركاتهم وتنفيذ مشاريعهم الخاصة، وهذا التزامي شخصياً، والتزام العديد من رواد الأعمال أبناء القدس.
هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟