هند خوري: من القدس يبدأ الحل.. ومن القدس ننطلق للتحرر والازدهار
حسناء الرنتيسي_ بوابة اقتصاد فلسطين.
هند خوري... السيدة الفلسطينية التي حملت همَّ الوطن في كل مراحل حياتها، تعلقت بالوطن والقضية الفلسطينية فأصبحت بوصلتها أينما ذهبت، فمنذ أن ترعرت في ظل النكبة وعاشت مراحل الأمل بالانتصار ثم الإحباط الذي تلا تلاشيه، كانت سفيرة فلسطينية في فرنسا، فعايشت الهم الفلسطيني في المنفى، وعايشت هم اللاجئ الفلسطيني، حينما اختارت أن تكون ابنة منظمة التحرير.
هي ابنة بيت لحم، وفي فلسطين رأت النور الأول على أرضها عام 1953، وهي الأن على أبواب ال67 عاما، تعيش بشغف لا ينطفئ، وعطاء لا ينضب.
اختير وزيرة للقدس؛ لتحمل هموم المدينة وأحلامها وقداستها المنتهكة على يد الاحتلال، واضعة يدها على جراح المكان لتخرج بيقين تام أن أبواب الحرية مفتاحها القدس العاصمة، وكل تحرر ونمو اقتصادي وازدهار لن يكون الا إذا قادته القدس.
في حرب عام 1967، عايشت خوري أقسى محطات القضية، حيث تقول "الكثير من الأصدقاء تركوا البلد" لكنها بقيت لتسير مع تيار القضية، مستندة على ما اكتسبته من علم لتغيير الواقع وخلق الروح الإيجابية.
هي السيدة التي ترى أن استقرارها الشخصي وحياتها بأمن وسلام وطمأنينة لا يمكن أن يتم بمعزل عن المجتمع، والمجتمع لا يمكن له النهوض من وسط الركام دون حرية وكيان سياسي مستقل وخطط حكيمة ومدروسة، ترصد وتقيم وتوجه البلاد نحو مستقبل واعد، الأولويات المجتمعية قادت أولوياتها الفردية، فحين اختارت تخصصها الجامعي جعلت أهم مؤشر نحوه مدى انسجامه مع التيار الوطني، فدرست الاقتصاد في الجامعة الأمريكية، لرؤيتها وقناعتها أن الاقتصاد هو البذرة الأساسية للنهوض بصلابة، والتصدي للاحتلال بدولة قوية لا يقتلها الفقر، وينهش كيانها ضياع شبابها وهجرتهم بحثا عن الحياة خارج حدود الوطن.
هي التي ترى أن الاقتصاد ليس فقط لخلق فرص عمل وتوفير مردود مادي، إنما يشمل نوعية التعليم والوضع السياسي، فكل هذه الأمور وغيرها تؤدي لاقتصاد ناجح أو فاشل.
في محطات حياتها عملت في مكتب هندسة للبناء، ثم واصلت مسيرة حياتها فتزوجت وأنجبت 3 أولاد، إلى أن انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى، التي تطلبت عبور المرحلة بالتزام وطني لا رجعة عنه.
في ذلك الوقت حصلت خوري على وظيفة كمسؤولة عن مشروع تشرف عليه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAD)، ما فتح لها الأبواب للتعامل مع أصحاب شركات كبرى، ترى فيها رأس مال فلسطيني يجب الحفاظ على بقاءه ليكون سندا للدولة في مسيرتها نحو الحرية، وهنا جربت إقناع الشركات بضرورة وجود خطط استراتيجية كضرورة للنمو والإنتاج الأفضل والتصدير، في الوقت الذي كانت فيه التجارب الصناعية الفلسطينية في بداياتها.
ساعدها احتكاكها بالقطاع الخاص فيما بعد باختيار تخصص إدارة الأعمال في جامعة "بن غوريون"، وفي هذه الفترة عملت مديرة لأحد البرامج في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ففي الوقت الذي لم يكن فيه تواجد لبعض المؤسسات الدولية، كانت هي من ينسق كل برامجهم، وعندما باشروا أعمالهم في فلسطين خلال فترة ما بعد اتفاق "أوسلو" وقيام السلطة الفلسطينية، كانت خوري تنسق لكل هذه البرامج في كافة المجالات.
أعدت خوري دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" تناولت فيها القطاع السياحي، وركزت على وضع القطاع ولامست نقاط ضعفه واحتياجاته من قلب العمل، حيث اشتغلت في مؤتمر بيت لحم 2000، الذي كان يهدف لخلق مركز سياحي في بيت لحم.
هي صاحبة الرأي القائل: "الاقتصاد لا ينمو إلا إذا نما المجتمع بكل جوانبه، التعليمية والاجتماعية والصحية والجيوسياسية" ففلسطين دفعت ثمن أطماع دول استعمارية في المنطقة العربية، ومصالح اقتصادية كانت فلسطين ضحيتها.
عملت خوري لاحقاً مع وكالة التنمية النرويجية في القطاع الثقافي وحقوق الانسان، فكانت مسؤولة عن التنسيق للدول المانحة، وهذا ما أعطانا دوراً للنظرإلى فلسطين من وجهة نظر الدول المانحة.
عام 2005 عينت وزيرة للقدس، وكانت تسير في منصبها على مبدأ "كيف أفهم الناس؟ وكيف أدعمهم؟"، وهو ما جعلها تحظى بترحيب وتعاون كبيرين شعبياً، بعدها بعام، تم تعيين خوري كسفيرة في فرنسا 2006-2010.
يقلقها التعصب الديني، وترى فيه قائدا للمجتمع نحو الضياع والتخلف الاقتصادي والمجتمعي، وترى أن السبب في ذلك التعصب كان من بينها نصب الحواجز العسكرية التي هدفت لإفقار الناس والضغط عليه، كما يقلقها تراجع القطاع الزراعي بشكل خطير جدا، وترى أن الخيار الفلسطيني دائما كان العمل في الوضع الطارئ لحرفه عن مسار النمو والتطور.
دعوة لفصل الجانب الاستراتيجي عن الطارئ
دعت خوري لفصل الجانب الاستراتيجي عن الجانب الذي يتعلق بالعمل الطارئ، وذلك حتى لا تضيع الأهداف والأعمال الاستراتيجية.
يؤلمها فقدان التوافق الفلسطيني على الخطوط العريضة،حيث تقول "إسرائيل حددت خلال وعد بلفور في أربعة سطور استراتيجيتها.. نحن لم ننجح بذلك"، وتتساءل "لماذا هناك خلافات دائما؟ لماذا لا يوجد اتفاق على نقاط أساسية تخص اللاجئين أو حل الدولتين أو غيرها؟ بشأن كل قضية لدينا هناك خلاف وانقسام".
كما ترى أن الاتفاق على الخطوط العريضة يجعلنا نضع الأمور في نصابها، ونكون متفقين على نهج واحد كي نتمكن من المضي قدما دون تشرذم.
أين حصاد المنح الدولية؟
تقول السيدة خوري أن جزء من اقتصادنا تديره الدول المانحة، حيث ثلث ميزانيتنا منها، فماذا فعلنا بها؟ وكيف انعكست على حياتنا في تنمية فرص العمل ودور المرأة وتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة؟ وتنمية القطاع السياحي كقطاع يمس هويتنا وشرعيتنا المهددة؟.
ودعت خوري لتقييم الماضي، والاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في استغلال الأموال الممنوحة لها في تطوير صناعاتها وكافة القطاعات، بينما فشلنا فلسطينيا، ودليل ذلك ما يحدث في الاحتفالات الدينية في بيت لحم مثلا، وعدم قدرتنا على جذب السياح لاقتصادنا، وتوفير الأجواء المناسبة الهادئة لهم ليتمكنوا من التحرك بسلاسة في الأماكن السياحية، الاكتظاظ الذي يحدث في كل مناسبة دينية يمكن تفاديه بعدة طرق، منها تنمية الأرياف لتخفيف الضغط على مراكز المدن، بإقامة بؤر تراثية وسياحية في كافة المناطق على سبيل المثال.
حذرت من "خسارة الطبقة الوسطى"
تقول خوري: "الحياة الاقتصادية تسمح لتنمية الطبقة الوسطى من المجتمع ونحن نخسرها الآن، وهذا خطير جداً، ولذلك نحن بحاجة للعمل على الشق المهني والأكاديمي والمبتكر، ففرص الشباب تعيسة إلا إذا هاجروا للخارج، الأرض تذهب والمصادر تذهب، لكن القوى البشرية تبقى، لذلك يجب تنميتها".
كما دعت للمحاربة من أجل استغلال المصادرالاقتصادية، فالشهب الفلسطيني قادر ومبتكر، لكننا نحن بحاجة لقانون وسياسات يتم العمل بها من مرحلة رياض الأطفال إلى الدراسات العليا، فكل طرق التدريس تغيرت، بما فيها الدراسات المهنية والزرعية والصناعية، وبات الوضع بحاجة لإعادة تقييم.
وأضافت: "يمكن للشعب الذي صمد لسنوات وتعرض للإفقار الانطلاق مجددا، بشرط إن وجدت سياسات لذلك."
دعوة لتحمل المسؤوليات
تقول خوري: " للأسف أصبح لدينا موقف سلبي من كل شيء، لكن الحقيقة أن كل من يعمل يخطىء، ومن لا يعمل لا يخطىء، نحن لم نستطع حتى الأن اتخاذ مواقف مسؤولة تجاه وضعنا وقضايانا، إذا كان لدينا موقف سلبي تجاه أي قضية، فعلينا أن نبني حواراً داخلياً نتساءل فيه ونسائَل، بعيدا عن إلقاء التهم على الآخرين، فيجب أن تقييم الماضي ووضع خطة مستقبلية ومرحلية، وعلى الكل أن يكون شريكاً في هذه الخطة".
وتضيف: "نفس الأسلوب الذي تبنيناه في الستينات نعمل به حاليا رغم فشله، وإذا لم يكن لدينا ورقة بحثية مدروسة ومعروضة للنقاش لا يمكن الوصول للقرار الصحيح، فيجب أن يكون لدينا موقف مبني على وجهة نظر علمية ومدروسة تجاه التنسيق الأمني مثلاً، أو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، أو مثلاً الانتفاضة وآلياتنا المستخدمة فيها، وطرق استغلال وسائل المقاومة كوسيلة ضغط".
وأنهت خوري حديثها بمقولة لـ "مارتن لوثر كينج" حينما قال "إن قوس التاريخ الأخلاقي طويل لكنه ينحني نحو العدل".