الاقتطاع الجديد من المقاصة: سياقها، وآلية الرد الأمثل
بوابة اقتصاد فلسطين
عصمت منصور - كاتب متخصص في الشأن الاسرائيلي
اقر الكابينيت الاسرائيلي أمس الأحد خصم دفعة جديدة بقيمة 149 مليون شيقل من اموال المقاصة الفلسطينية التي تجبيها اسرائيل، في خطوة اعتبرت استكمالا للقرار السابق الذي اقطتعت فيه اسرائيل 500 مليون شيقل بحيث يصبح مجموع ما اقتطعته اسرائيل 650 مليون شيقل.
الخطوة الاسرائيلية فجرت ازمة اقتصادية الحقت اضرار بالغة بالاقتصاد الفلسطيني وكادت ان تقود الى انهيار السلطة اقتصاديا وفق ما حذرت منه المستويات الامنية في اسرائيل في تلك الاثناء، وهو ما دفعها الى ان تضغط على نتنياهو لاتخاذ مواقف تمنع وقوع انفجار قد يقوم الى سنوات طويلة من عدم الاستقرار، الامر الذي قاد الى ايجاد مخرج: ضريبة البلو والالتفاف على القرار الخطير غير المجدي في محاربة (الارهاب) من وجهة نظر المنظومة الامنية في دولة الاحتلال.
الخطوة الجديدة بخصم 149 مليون شيقل التي عرضها وزير الدفاع نفتالي بينت، لم يكن بالامكان رفضها او حتى تأجيلها من قبل بقية اقطاب اليمين داخل الكابينت وفي مقدمتهم نتنياهو، لاعتبارات تتعلق بالانتخابات، وبمصيرهم الشخصي.
بينت، يريد ان يترك بصمة تميزة عن سابقيه (ليبرمان ونتنياهو) وان يخرج الى النور افكاره الظلامية ومشاريعه المدمرة ونسف اي امل بامكانية العودة للمفاوضات، وكل هذا في الاشهر القليلة التي سيشغل فيها هذا المنصب الذي تمناه طويلا، لذا اقدم على تبني مشروع الاستيطان في الخليل وسَطى بشكل مباشرعلى مخصصات 8 اسرى من الداخل وسارع الى تقديم ملف المقاصة واقرار خصم دفعة جديدة تتعلق بأموال الشهداء هذه المرة.
رغم كل ما قيل لا يمكن النظر الى هذه الخطوة (وما سبقها وما سيليها) على انها خطوات تأتي في سياق الدعاية الانتخابية وان كانت تصب في خدمة نتنياهو انتخابيا. كما انه لا يمكن اعتبارها خطوات يمكن ان تخدم الامن، خاصة ان اجهزة الامن (رئيس الشاباك برجمان وفق القناة 13) تعارضها وحذرت من تداعياتها على الارض وان تقود الى غليان الشارع وانفجار الاوضاع بشكل متسارع.
الخطوة يمكن فهمها، واستيعاب ابعادها، فقط في اطار الحرب الاقتصادية والضغط المالي، التي تهدف الى اخضاع السلطة واضعافها وفرض المشروع اليميني في الضفة (الضم) عليها، والذي يرمي الى تحويلها الى سلطة هشة ايلة للسقوط وغير قادرة على خوض مواجهة طويلة الامد مع خطوات الضم واعادة تقسيم الضفة والذي سيترافق مع اعادة رسم دور وطبيعة السلطة وتحجيم مشروعها.
اسرائيل لا تعاقب السلطة في سياق رد فعل، بل تعيد صياغة العلاقة معها، وهي في هذا السياق لا تتخذ خطوات تمس العصب الذي يبقيها على قيد الحياة(الاقتصاد) فقط ، بل تحرض المجتمع الدولي ضدها وتدعو دول الى وقف المساعدات التي تقدمها للسلطة وسن قوانين ترهن هذه المساعدات بخطوات تضعف السلطة.
مثل هذا التوجه قاد هولندا الى وقف مساعداتها ودفع ترامب الى سن قانون تايلور فورس في العام الماضي والذي قلص المساعدات المقدمة للسلطة الى الثلث، ودول مثل المانيا والنرويج الى بعث رسائل تحذير للسلطة وهو ما يوحي انها في طريقها هي الاخرى الى اتخاذ خطوات شبيهة.
تتضح معالم المشروع اكثر وبشكل لا يمكن ان تخطأه العين، عندما يقر الكابينيت في نفس الجلسة سلسلة خطوات وتسهيلات لصالح غزة والمضي في نهج تخفيف الحصار والتسهيل على السكان من اجل منع الانفجار هناك حفظ امن مستوطنات الغلاف ظاهريا، ولكن في الحقيقة هي تأتي من اجل شراء الوقت لاسرائيل ولمن يحكم في غزة وتأبيد الانقسام وضمان عدم حدوث اي تقارب بين الضفة وغزة من اجل التفرغ للضفة ومواصلة عملية ضمها.
ازاء هكذا مشروع واضح المعالم، من البديهي ان يكون التصدي له على شاكلة خطوات بعيدة المدى، عميقة واستراتيجية، وليس رد فعل آني سطحي مثل رفض اموال المقاصة، بل الذهاب الى التصدي له من جذوره عبر تعميق تدخل المحكمة الجنائية الدولية واعادة بناء الشرعية الشعبية للسلطة بالانتخابات ورفض المدخل الامني والقنوات الخلفية في التعامل مع الاحتلال.
وتطبيق ذلك سييعد الاعتبار لطبيعة السلطة السياسية وأنها نواة دولة وليست وكيل لادارة اراضي محتلة، او الوقوع في فخ غزة الذي حصر الازمة في البعد المطلبي والانساني والامني.
رئيس الشاباك طالب في جلسة الكابينت التي اقرت الخطوة وفق القناة 13 ان تحسم اسرائيل امرها وان تقرر اي علاقة تريد مع السلطة، وهو بهذا ابرز البعد الحقيقي لسلسلة الاجراءات الاسرائيلية والتي لا يمكن الاستمرار بها وتوقع ان تبقى العلاقة مع السلطة على ما هي عليه.