النفايات... ثروة فلسطين المهدورة
تخسر فلسطين سنويا ملايين الشواقل بسبب عدم استغلال النفايات الصلبة بشكل جدي، إذ لا يتم تدوير إلا نحو 1% من مجمل النفايات الصلبة في الضفة الغربية وغزة، التي تبلغ كميتها سنويا نحو 850 ألف طن حسب بعض التقديرات. ويتم التدوير عبر مبادرات فردية أو مشاريع صغيرة.
رام الله- بوابة الاقتصاد الفلسطيني| أسماء مرزوق- يرى الخبير في الشؤون البيئية جورج كرزم أن إعادة تدوير النفايات في فلسطين عملية مجدية اقتصاديا، ستزيد إنتاجية موارد الطبيعة، وبالتالي تساهم في رفع إجمالي الناتج المحلي. موضحا: من 60-70% من النفايات في فلسطين هي مواد عضوية يمكن تحويلها إلى كمبوست (سماد عضوي) ذي الجودة العالية بتكاليف قليلة وتقنية بسيطة وبمردود كبير. و16% من الكرتون والورق والبلاستك كذلك يمكن تدويرها من دون تكاليف عالية.
كنوز القمامة
يضيف كرزم: ستخلق مشاريع إعادة تدوير النفايات الصلبة فرص عمل كثيرة فعلى سبيل المثال؛ دفن ألف طن نفايات جافة (معادن، بلاستيك، زجاج، وورق) بالمتوسط يولد نحو 17 فرصة عمل. في المقابل، تدوير كمية مماثلة من النفايات يوفر نحو 25 فرصة عمل، أي بزيادة 47%.
مؤكدا على أن الجدوى الكبرى هي الجدوى البيئية والصحية فاستمرار الدفن العشوائي سيخلق كارثة بيئية بعد سنوات تتمثل بالأمراض التي ستخلقها مكبات النفايات الصلبة القريبة من المناطق السكنية وذات القدرة الاستيعابية المحدودة. وكذلك الاستمرار بسياسية الدفن ستلوث احواض المياه الجوفية حسب كرزم.
مبادرات فردية
منذ سنتين توقفت ايمان من رمون شرق رام الله عن إلقاء معظم نفايات منزلها، اذ تقوم بتحويل مهملات المطبخ إلى سماد عضوي، من خلال فصلها ثم وضعها في برميل مغطى وفق آليه بسيطة تلعب فيها البكتيريا دورا في تحليل المواد وتخميرها، وتحويلها الى سماد عضوي فعال يغني التربة ويزيد انتاجيتها.
تقول إيمان التي التقطت الفكرة من صفحات الإنترنت: حاليا اعتمد بشكل كبير على منتجات حديقتي من خضار وفواكه وأكون واثقة من خلوها من الأسمدة والمواد الكيمياوية الضارة التي تكثر في منتجات السوق، إلى جانب أنها خلصتني مظهر النفايات المزعج أمام باب المنزل.
تعلق مهندسة الطاقة المتجددة والبيئة علا عويدي، إن فكرة التدوير ما تزال جديدة على مجتمعنا فهنا تجد مشروعا صغيرا لسيدة وهناك ورشة لعدد من الرياديين لكن الامر لم يصل ليكون ثقافة او استثمار على مستوى كبير رغم ان سلطة البيئة اضحت تولي الموضوع اهتماما اكبر. وتضيف أن مشاريع البيئة الممولة من الخارج غالبا ما تكون توعوية لا تستهدف خلق مشاريع استراتيجية كإعادة التدوير.
وتشير عويدي إلى أن ما نجده هو ورش لفرز النفايات خصوصا الخردة في مناطق مختلفة كالخليل إلا ان السوق الفلسطيني لا يستفيد منها كما يجب اذ تباع إلى إسرائيل بأسعار زهيدة ليتم تدويرها ثم اعادتها وبيعها لنا بأسعار عالية. مضيفة: والأنكى أن ما يتم في جنوب الضفة هو إعادة تدوير آلاف أطنان الخردة بطرق عشوائية ضارة للبيئة والإنسان لصالح إسرائيل.
البيئة تشجع
يؤكد المهندس في سلطة البيئة مروان ابو يعقوب ومدير دائرة النفايات الصلبة سابقا أن مؤسسته تعمل بكل طاقتها لتشجيع مشاريع إعادة الفرز والتدوير لما لها من أثر ايجابي على البيئة والاقتصاد إلا أن الاستثمار في الموضوع غائب حسب ابو يعقوب. ويوضح أن المطلوب هو إيجاد مشاريع ضخمة قادرة على تقليل حجم النفايات الصلبة لتكون بمثابة رافعة للاقتصاد الفلسطيني.
وأضاف: هناك مشروع في طور التخطيط لدى بلدية البيرة بدعم كندي، وللأسف كان هناك مشروع استثماري متميز لفرز وتدوير النفايات على وشك الانطلاق في منطقة الباذان في نابلس إلا أن خلافات دبت بين الشركة المؤسسة والبلدية حول موقع المشروع أوقفت العمل عليه.
مشاريع لم تستكمل!
استبشر بعض البيئيين خيرا بافتتاح أول شركة استثمارية لتدوير النفايات في فلسطين وهي « تدوير» التابعة لمجموعة باديكو والتي بدأ العمل على إنشائها منذ 3 سنوات برأس مال يصل إلى 3 ملايين دولار. إلا أن الشركة سرعان ما قُرر لها أن تغلق قبل بدئها العمل بعد استجابة بلدية نابلس لمطالب اهالي المنطقة التي أقيم فيها المصنع بمنع اقامته لما فيه من ضرر عليهم.
السيد عبد الله الشعراوي مدير دائرة الاستثمارات وتطوير الأعمال في مجموعة باديكو قال لبوابة اقتصاد فلسطين: "تم تعطيل مشروعنا رغم ما فيه من فائدة للبيئة والاقتصاد الفلسطيني، قمنا بالمشروع من باب المسؤولية الاجتماعية أكثر منه من باب الربح لكن إغلاقه كبدنا الخسائر، وما حصل سيجعلنا نفكر كثيرا قبل التعاون مع البلديات، لأننا كنا قد حصلنا على موافقة من البلدية السابقة والآن تلغي البلدية الجديدة الاتفاق لكننا نعمل الان على نقل المشروع إلى موقع اخر خارج نابلس".
من جانبه، أكد رئيس بلدية نابلس غسان الشكعة أن قرار عد السماح للمصنع بالعمل جاء نتيجة عدم استيفاء المصنع المراحل القانونية واحتجاجات الاهالي.
معظم النفايات في فلسطين مواد عضوية وسهلة التدوير
في غزة، كانت هناك تجربة مشابهة اذ أسس مصنع لفرز النفايات وتصنيع الذبال (السماد العضوي) في رفح بمنحة من اليابان إلا أن المصنع، الذي كان من المفترض أن يعالج 120طن من النفايات يوميا ليوفر كميات كبيرة من السماد العضوي ويدور عدة مواد اخرى كالبلاستك والورق والمعادن، قلص عمله إلى الحدود الدنيا بسبب عدم وجود امكانية لتسويق منتجاته بسبب الاغلاق.
ويوضح عضو مجلس الإدارة بالمشروع الأستاذ على برهوم أن اسواق مصر قد أغلقت بوجه منتجات المصنع وحتى إن الكمية القليلة التي ينتجها المصنع حاليا من الذبال تواجه منافسة من الذبال الاسرائيلي منخفض السعر.
العالم يدور نفاياته
تدور أوروبا ما نسبته 40% من نفاياتها الصلبة ويحتل الألمان المرتبة الأولى في العالم بالفصل بين أنواع النفايات، وتبلغ نسبة تصنيع النفايات أكثر من 60 %، إذ تعالج الصناعات الألمانية سنوياً ما قيمته 500 مليار يورو من المواد الخام. ويشكل هذا المبلغ 45 % من تكاليف الإنتاج، في حين تشكل الأجور 18 % فقط.
في إسرائيل، التي تعتبر غير متقدمة في هذا المجال اذا ما قورنت بدول اوروبا، يتم تدوير ما نسبته 18% من النفايات الصلبة فقط..