قرار تحويل جباية ضريبة المحروقات للسلطة الوطنية.. مستدام أم مرحلي؟
رام الله- وصال أبو عليا – بوابة اقتصاد فلسطين
ضمن توجهات القيادة للانفكاك الاقتصادي عن دولة الاحتلال، وبعد مفاوضات مضنية بين الجانبين تم التوصل لاتفاق يقضي بشراء السلطة الوطنية للمحروقات من الجانب الاسرائيلي دون ضريبة البلو، وتم الحصول على المبالغ التي تراكمت على دولة الاحتلال، هذا ما أكده لبوابة اقتصاد فلسطين وكيل هيئة الشؤون المدنية أيمن قنديل.
تفاصيل الاتفاق
قنديل أضاف أن هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية وعلى رأسها الوزير حسين الشيخ وممثلين عن وزارة المالية الفلسطينية، كانت قدمت طلبا لشراء المحروقات دون ضريبة البلو، وقادت مفاوضات خاصة بهذا الطلب وصفت بالصعبة مع وزير مالية الاحتلال والمنسق وممثلين عن وزارة أمن الاحتلال أيضا، إلى ان تم التوصل لاتفاق مستدام حوّل بموجبه الجانب الاسرائيلي 2.4 مليار شيكل للسلطة الوطنية وهي اموال مستحقة.
وبشأن التفاصيل الدقيقة للاتفاق، أوضح قنديل أنه يشتمل على جزئين، الأول أن تشتري السلطة الوطنية المحروقات دون ضريبة البلو (المقدرة ب 220 مليون شيكل شهرياً)، ما يعني تحرير الجزء المتعلق بالمحروقات، فيما الجزء الآخر وباعتراف دولة الاحتلال أن السلطة الوطنية كسرت جزءا من اتفاق باريس، وهو نجاح كبير بتحرير جزء من أموالنا من سيطرة الاحتلال.
وانبثق عن هذا الاتفاق حسب قنديل، اتفاق آخر يقضي بتشكيل لجنة فنية متخصصة مشتركة (من وزارة المالية الفلسطينية والهيئة العامة للشؤون المدنية ووزارة مالية الاحتلال) فيما يتعلق بموضوع الأموال بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، مشيرا إلى أن هناك أموالا محتجزة للسلطة لدى الجانب الاسرائيلي.
الاتفاق ما له وما عليه
الخبير الاقتصادي د هيثم دراغمة أكد لبوابة اقتصاد فلسطين أنه مع اقتطاع سلطات الاحتلال للأموال التي تخصصها السلطة الوطنية لأسر الشهداء والأسرى من أموال المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية)، رفضت القيادة الفلسطينية هذه الخطوة المخالفة للقانون الدولي وأعلنت أنها لن تستلم أموال المقاصة منقوصة، الأمر الذي قابله تعنت اسرائيلي بعدم التنازل عن مطلبه ألا تدفع السلطة لهاتين الفئتين، مضيفا أن سلطات الاحتلال استغلت هذه الخطوة أيضا في الانتخابات الأخيرة كجزء من الدعاية الانتخابية لأحزاب اليمين.
في الوقت ذاته اعتبر دراغمة أن كلا الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي متمسكان بمواقفهما ولن يتنازلا، الطرفان صعدا على الشجرة، وأمام كل ذلك كان لزاماً التوصل لحل وسط سيما وأن السلطة الوطنية تعاني أزمة مالية جراء عدم استلام أموال المقاصة منذ آذار الماضي، الأمر الذي تمثل بالاتفاق على تحويل جباية المحروقات للسلطة دون الضريبة المفروضة عليها وتحويل المبلغ المستحق عن سبعة أشهر للسلطة.
عبد الرحمن من ناحيته قال إن تحويل الجباية للسلطة أعطى نوع من البقاء لها وتأجيل الانهيار. في حين خبراء اقتصاديون ألمحوا أن الاتفاق سيمنح السلطة فترة أطول لإدارة الأزمة الراهنة حيث سيوفر لها بعضا من السيولة المالية.
ضريبة البلو
ضريبة البلو كمفهوم هي أحد أنواع الرسوم المفروضة على الوقود المباع في السوق الفلسطينية.
وقال المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الوطني عزمي عبد الرحمن إن هذه الضريبة المفروضة على المحروقات جزءٌ رئيسي من الايرادات العامة للخزينة الفلسطينية، وتمثل الجزء الأكبر من أموال المقاصة التي تجبيها اسرائيل عن الحكومة الفلسطينية.
خبراء اقتصاديون أشاروا وبكل بساطة أن إسرائيل كانت تقوم بجباية ضريبة (البلو)، حيث كانت تبيع لتر الوقود شامل لضريبة القيمة المضافة، والبلو، و3 % أتعاب طواقم وزارة المالية في حكومة الاحتلال مقابل جبايتهم بحسب ما جاء في بروتوكول باريس الاقتصادي"، والان ستقوم وزارة المالية الفلسطينية بجباية ضريبة "البلو" بدلاً من الجانب الإسرائيلي، فيما لم يتضح بعد هل الجباية ستشمل ضريبة القيمة المضافة على الوقود والتي تصل نسبتها 16% ام لا.
كما أضاف هؤلاء الخبراء أن ضريبة (البلو) بلغت قيمتها عام 2018 وفق بيان خاص بالميزانية الفلسطينية 2.4 مليار شيقل، حيث شكلت نسبتها 30% من إجمالي أموال المقاصة، ونحو 20% من اجمالي الايرادات المالية، وهي ثاني أكبر مورد جبائي للحكومة بعد ضريبة الجمارك .
برتوكول باريس الاقتصادي
شدد وكيل هئية الشؤون المدنية أنه ضمن توجه القيادة للانفكاك الاقتصادي عن اسرائيل، قدّم الوزير حسين الشيخ طلباً لمراجعة بروتوكول باريس. في حين كان الاتفاق على شراء المحروقات دون ضريبة البلو جزءا من خطوات الانفكاك عن دولة الاحتلال.
بدوره دراغمة أشار إلى أنه لطالما كان هناك مطالبات فلسطينية بضرورة تعديل بنود اتفاق باريس الاقتصادي، ووصف بعض بنود الاتفاق بالمجحفة للفلسطينيين.
وذهب دراغمة للقول أن أي شيء لتعديل اتفاق باريس يعني موافقة مبدئية من اسرائيل على التعديل الذي لا يتم حسب القانون من جانب واحد. مضيفا اننا نفتقد إلى من يرسم سياسات اقتصادية بالشكل المطلوب في الوضع القائم، الأمر الذي يستدعي الحاجة لترتيب البيت الداخلي وسياسة اقتصادية واحدة.
من ناحيته عبد الرحمن عاد لنص بروتوكول باريس والذي تضمن على أن يكون هناك لجنة اقتصادية مشتركة من الجانبين الفلسطيني والاسرئيلي لدراسة الاتفاقية وتعديلها سنويا، لكن اللجنة لم تجتمع منذ عام 2000 ولم يتم أي تعديل على القوائم التي نظمت للاستيراد والتصدير منذ لحظة التوقيع حتى اليوم.
وأضاف أن سلطات الاحتلال تخالف الاتفاقية الموقعة ولا تقوم بتحويل الأموال المستحقة للسلطة وانما ترسل ما تريد أن تقوم بإرساله للجانب الفلسطيني دون موافقة فعلية من الطرف الآخر
الاتفاق بشأن ضريبة البلو لن يحل الأزمة
الخبير الاقتصادي دراغمة أكد ان الاتفاق الذي تم بشأن ضريبة البلو لن يحل الأزمة، باعتبار أن أزمة السلطة امتداد لأزمة الرواتب، لذا على المجتمع الدولي اذا ما زال يؤمن بحل الدولتين عليه انقاذ السلطة من الانهيار المالي، لأن ذلك إن استمر فإنه سيؤثر على قدرة السلطة في تقديم التزاماتها ودفع رواتب موظفيها، ما يعني أننا قد نصل إلى فوضى. داعيا في السياق ذاته إلى تقليل النفقات واعادة النظر في كثير من السياسات التي يمكن أن تكون حلا.
وفيما يتعلق بالحكومة الاسرائيلية المرتقبة، شدد دراغمة على أن السياسة الاسرائيلية هي سياسة عامة بالدولة ومن يصل لسدة الحكم ينفذها، مشيرا إلى ان ذلك قد يكون مخطط عالمي وبالتالي اسرائيل تنفذ، وفي حال غيّروا الأدوات وهذا وارد بالطبع، ربما يدفعوا اموال المقاصة ويذهبوا باتجاه قضم الأراضي أو التشجيع على الهجرة عبر مفاوضات مع دول أوروبية وكندا.
استيراد من الخارج
هيئة الشؤون المدنية وعلى لسان وكيلها أكدت أن مفاوضات يقودها الوزير الشيخ تجري الآن من أجل استيراد المحروقات من الخارج، ولفت إلى أن هناك اتفاقيات بين الحكومة الفلسطينية وحكومات عربية أخرى، لكن العائق ربما سيكون بالجزئية الخاصة بسيطرة الاحتلال على المعابر، حيث لم تعد للسلطة الوطنية سيطرة على المعابر منذ الثامن والعشرين من أيلول عام 2000.
وأوضح قنديل أن هناك خياران في الوقت الراهن، الأول: عبر الاستيراد المباشر من دول عربية منتجة للنفط وادخاله للأراضي الفلسطينية. فيما الخيار الآخر يتعلق بإقامة مخازن جمركية للتخزين والتخليص الجمركي في الأراضي الفلسطينية ويفضل أن تكون بالمناطق المصنفة ج، مُبيناً أن البضاعة المستوردة بدلا أن يكون تخليصها الجمركي في الميناء الاسرائيلي، سيصار للسلطة مباشرة، وهذا وارد في الفترة المقبلة وهناك مفاوضات مضنية بهذا الشأن مع الجانب الاسرائيلي.
اما وزارة الاقتصاد الوطني، أشارت بدورها أن جلّ اهتمامها الآن وفيما يتعلق بالانفكاك الاقتصادي عن دولة الاحتلال ولأن فاتورة المحروقات تستحوذ على الجزء الأكبر من فاتورة الحكومة، التوجه نحو استيراد المحروقات، لأنه لا يوجد ما يمنع الحكومة الفلسطينية من الاستيراد من الخارج، مؤكدا أنه جرى حديث بهذا الشأن مع جمهورية العراق لاستيراد البترول. في وقت يجري فيه بحث استيراد الكهرباء من مصر والأردن، ما يتضمن اعفاء من الرسوم الضريبية والجمركية.
خيار آخر
دراغمة اعتبر أن ما يجري الآن سيطول أمده، لأننا لا نعلم ما تريده اسرائيل وما هي مخططاتها هل تريد بقاء السلطة في الضفة او تقويضها، لكن المؤشرات تدل على أنها ستسيطر على المدن سيما بعد اعلان نتنياهو أنه سيضم الأغوار التي إن تم استثمارها فلسطينيا سنكون بغنى عن المساعدات الخارجية.
وأكد دراغمة أننا نخسر 3 إلى 5 مليارات دولار سنويا جراء عدم استثمارنا في مناطق أريحا والأغوار، فيما البحر الميت لا يسمح لنا الاستثمار فيه.