الفلسطيني زهير عورتاني.. أول من أدخل الحصّادات للسعودية
حسناء الرنتيسي- بوابة اقتصاد فلسطين
الرجل الثمانيني زهير عورتاتي، أيقونة بلا منازع، رجل اقتصاد وعلم... مقلّ بكلامه، يأبى الحديث عن نفسه رغم تاريخه الحافل بالإنجازات والنجاحات، إلا أنه يكتفي بوصف نفسه بالفلاح ويفخر بذلك، كما أنه يرفض نسب أي إنجاز لنفسه فقط، إنما يشير لجهود من عمل معه قبل جهوده، ويرى أنه لولا "شراكته" وعمله معهم لما حقق ما حققه من إنجازات، أو أصبح ما هو عليه الآن.
التقيناه في بوابة اقتصاد فلسطين، ليحدثنا عن مقتطفات من مسيرة حياته وعمله.
اللقاء:
لم يأت من فراغ تعريف عورتاني نفسه بالفلاح، فقد تخرج عورتاني من كلية الجبيهة الزراعية في الأردن، وعلى مدار سنواته الثمانين بقي متواصلا مع العمل الزراعي بمجالات شتى.
عورتاني أخ لأربع أولاد و7 بنات، وهو ابن لمعلم تخرّج من الأزهر وعمل في مجال التعليم، وكان حريصا على تلقي أولاده العلم الذي يقودهم للنجاح والسير بخطى واثقة نحو المستقبل أيا كان شكله.
من القطاع الحكومي لعمله الخاص
عمل عورتاني في مجال البحث العلمي في الأردن، فبدأ عمله في محطة الفارعة ومن ثم انتقل للعمل في محطة الشومري في الأزرق، ثم غادر الأردن متجها نحو السعودية، ليعمل في وزارة الزراعة هناك.
معلوماته الغنية في مجال الزراعة هيأته للحصول على مكانة مرموقة في عمله بمجال الأبحاث، حيث عمل 9 سنوات في تطوير المزارع والمشاتل في السعودية.
اكتفى عورتاني بسنواته تلك من العمل في القطاع الحكومي، فاستقال من الوزارة وعمل في القطاع الخاص، كونه صاحب طموح للعمل الريادي والعمل الحر، فكان منه أن أنشأ شركة زراعية للأعلاف والحصّادات وغيرها من مستلزمات الزراعة، ويسجّل له أنه كان أول من أدخل الحصادات للملكة العربية السعودية، حيث حصل على عقد وأحضر شركة من الدول الأسكندنافية ليدخل تلك الحصادات للملكة.
ومن الزراعة قاده الطموح ليطوّر عمله ويقتحم عالم الاتصالات والتكنولوجيا ليؤسس شركة في المجال، فهو يرى أن هناك ارتباطا وثيقا ما بين مجال خبرته في الزراعة والمختبرات، وبين التكنولوجيا التي تعرّف عليها من خلال مختبراته ومن عمل فيها من الخبراء في المجال.
ويقول عورتاني "عندما تعمل في البحث العلمي يصبح لديك خبرات في مجالات أوسع، في المختبرات تعرفنا على بعض التكنولوجيا واستفدنا من خبرات المختصين، عمليا لديك الأساس العلمي وهو الذي يقودك للتحرك في مجال توسيع إطار العمل."
قضى عورتاني 32 عاما في السعودية، عاد بعدها ليكمل مشواره في الأردن، فعمل في مجال القطاع البنكي، وعام 1993 اشترك مع مجموعة أصدقاء في شراء "بنك الأردن والخليج" بعد اندماجه مع "بنك المشرق، وكان وضع البنك سيئا حسب وصفه، فأراد تطويره، وترأس مجلس الإدارة للبنك لست سنوات، ثم ترك البنك وعاد للعمل في مجال الزراعة تحديدا.
يقول " اشتريت مزرعة في منطقة جرش، واستغليتها في تطوير البذور وتحسينها، اشتغلت حوالي 16 سنة مع مجموعة، كنت الممول والمشرف مع الفنيين والمهندسين، استطعنا عمل إنجاز بالوصول لمجموعة بذور محسنة نافسنا فيها الكثير من الدول، بعنا جزءا منها، وأصبح لدينا 60 ألف خط من البذور المختلفة، وكانت كلها بذور مطورة، والمزارعين والمؤسسات والشركات قد يستفيدوا منها، جزء ممن عمل معنا أصبح لديهم شركاتهم الخاصة، وهو تطور طبيعي لمسيرة العمل.
حكاية مصنع الجينز
جذوره الراسخة في الوطن نادته فلبى النداء، وعاد محملا بخبرة عشرات السنين ليعطي بلاده ويضع بصمته فيها، اشترى فروع بنك "انترا" وعمل على تحويل ورشة حياكة صغيرة لمصنع جينز في مدينة نابلس، بالتوازي مع تأسيس البنك.
يقول "المصنع كان قرب محطة محروقات، وعند افتتاح البنك قلنا أننا نريد عمل مشروع للبنك، اخبرنا صاحب المخيطة الصغيرة أننا يمكننا دعم مخيطته الصغيرة لتصبح مصنعا، وذلك لخدمة سكان المنطقة الواقعة قرب مخيم بلاطة، وقد بلغت قيمة المشروع مليون و600 ألف قمت بدفعها من مالي الخاص لتطوير المشروع، وأخبرتهم أن المشروع تم تمويله من البنك، وذلك لدعم البنك وزيادة ثقة الناس به، حينها لم يكن هناك أي بنوك عربية أخرى عدا بنك القاهرة، وقد أردنا إغلاق البنوك الإسرائيلية وتقديم الخدمات للناس".
ويصف عورتاني المشروع بالناجح، وهو مصدر رزق لحوالي مئتي عائلة، ويعتبره عورتاني إنجاز تنموي قائم.
تعلوا نبرة صوته حين يتحدث عن الإنجازات التي تركت أثرها على عدد من المواطنين وعلى بلده، فهو الإنسان الذي يريد دفع أبناء بلده لخوض الأعمال وإقامة المشاريع الخاصة، ويحث على تأهيلهم وإذلال العقبات أماهم، ويعتبر أن دوره في ذلك هو الإرشاد وتقديم الأفكار، وترك التطبيق للشباب الطموح والمبدع.
عن الوضع الزراعي .. "انا مش مرتاح"
"الزراعة واجب".. تحدث عورتاني بحرقة عن أهمية الزراعة في فلسطين تحديدا، ويبدي تذمره من تفشي الأمراض لدى الأشجار والنباتات بينما الجهود المتفرقة تضيع هباء منثورا، فتتفاقم المشاكل وتتعمق الأزمة.
هو ذلك الانسان الذي يمقت العمل الفردي، ولا يرى فيه إلا مضيعة للوقت والجهد، وهنا دعا وزارة الزراعة لتبني برامج علاجية لأمراض الأشجار وللتخلص من النباتات الضارة، وزراعة الأراضي البور بالسير على مبدأ تشاركي كجهد جماعي متكامل.
ويدعو عورتاني للعمل بشكل جدي في مجال تأهيل المهن الفردية، يقول "عملت ذلك في السعودية، معظم المختبرات في أرامكو وفي وزارة العمل نحن أثثناها، بتدريب الناس على مهن مختلفة.. هكذا نهضنا ونجحنا، لدينا الإمكانيات للتدريب والتأهيل، لدينا بعض المختبرات لكن المختبرات المعدة ليس لديها برامج معينة وخطط وما شابه، وهو ما يقود للعمل التعاوني".
وعن الوضع العام للقطاع الزراعي قال "أنا مش مرتاح"، هناك جزء كبير من الأراضي بور، وهناك أعشاب ضارة منتشرة بشكل مقيت، ولا أعرف الأعذار لترك الأمور على ما هي عليه، في ظل تعرض الأراضي للمصادرة واحتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية".