الرئيسية » أقلام اقتصادية » الاخبار الرئيسية »
 
08 آب 2019

الإقراض الزراعي.. السياسة في قلب الريف

بقلم: م. قيس حنتش

أرجو ألا يخدعك العنوان وتعتقد أن هذه المقالة هي في الزراعة..لا.. هذه المقالة هي في السياسية أكثر بكثير منها في الزراعة. وإن اعتقدت أن كلمة "قلب" في عنوان المقالة المقصود بها جوهر الموضوع ومكانته فالسياسة هي كذلك في هذا النموذج أو المقترح، وإن اعتقدت أن كلمة "قلب" في العنوان هي تغيير الحال من حال الى آخر فهي أيضا صحيحة في قلب حياة الأرياف وتطويرها في العديد من الدول التي طبقت برامج الإقراض الزراعي.

وسأبدأ معك أن الكثير من الحكومات في العديد من الدول مثل "دول البريكس"* ارتأت في فترة ما من حياتها وخلاصة لتجاربها أن الاقراض الزراعي والريفي هو الحل السحري لتطوير مناطق الريف، تلك الجيوب البعيدة التي كانت غالبا لا تستطيع الوصول إليها بسب عوز اللوجستيات والتكاليف الادارية المرتفعة.

فاكتشفت مصادفة أو عن طريق التجربة أن الاقراض الزراعي هو الحل المهم واليد الخفية التي تبقيهم على تواصل دائم مع تلك الأرياف، تواصلا يشعر مزارعي وساكني تلك المناطق أن الحكومة تعتني بشؤونهم وتعمل على تطويرهم عن طريق تطوير الأفراد لأنفسهم بالحصول على الإقراض الزراعي والريفي الميسر. وتعلموا أيضا من التجارب أن لدى الناس قدرة عجيبة على إدارة مصالحهم وتنسيق أمورهم عندما يرون مصالحهم تتحقق، ستظهر المعرفة المحلية جلية والقدرة على التجميع والتنسيق فيما بينهم بشكل واضح عندما يحصلون على الإقراض الجماعي التعاوني.

 ولك أن تضحك ايضا عندما تعلم أن الاقراض الزراعي تزداد وتيرته في بعض تلك الدول عند بداية دفع الأقساط الجامعية للطلبة في تلك الدول، حيث يتوجه الكثير من المزارعين للحصول على الإقراض تحت دواعي إقامة مشاريع زراعية صغيرة للحصول على أموال لدفع أقساط ابنائهم. وتعلم الحكومات ذلك تماما ولكنها تتغاضى عنه برحابة صدر لتمكين أولئك المعدومين أو ضعيفي الحال من إرسال أبنائهم الى الجامعات واشعارهم أن حكومتهم تقف معهم وترعاهم. ولذلك تضخ الحكومات مبالغ ضخمة وكبيرة لأغراض الإقراض الزراعي أو الريفي في هذه الدول، بل وفي بعض الأحيان تخصص لها مخصصات من الموازنة العامة السنوية أسوة بالمؤسسات الكبيرة فيها، لأنها تعلم أنها بذلك تنقل العديد من السكان من الطبقات الفقيرة أو المعدومة الى الطبقات الوسطى التي هي جوهر الاقتصاد والتنمية، وأنها إن لم تقم بسد الفراغ الموجود في حاجات الناس في تلك المناطق، قد تأتي جهات أو مجموعات أخرى لسد هذه الحاجات بطريقة غير محمودة.

أضحك الآن عندما أتخيل صورة سياسي ما يؤمن بالعدالة الاجتماعية وتكافوء الفرص وإعطاء مساحات تقدم جديدة لسكان الريف، وهو يقول لأحد مستشاريه لا عليك بما يتعلق بالريف "سنطبق برنامج إقراض زراعي كبير" وكان ليسمي خطته "الجذر العميق". وإن اتى سياسي آخر يؤمن بالهيمنة ومد اليد إلى كل جغرافيا الوطن لكي لا يملأ هذا الفراغ غيره، كان أيضا سيقفز على طاولته مستشار ليقول له نفس الخطة وأعتقد انه كان ليسميها "المخلب العميق". أيا كان جوهر رؤية الاثنين، أثبتت التجارب ان الريف كان ليستفيد في الحالتين.

كلمات مفتاحية::
هل تتفق مع ما جاء في هذا المقال؟