د. طلال أبو غزالة: فرصة نجاح الإنسان تصبح أكبر عندما لا تساعده الدولة
بوابة اقتصاد فلسطين
الدكتور طلال ابو غزالة الفلسطيني المنشأ، والأردني الجنسية، استطاع أن يحول طفولته البائسة الحزينة والبدايات القاسية المؤلمة إلى منحة وإلى فرصة للنجاح، فأصبحت شركاته تغزو العالم، لتصل إلى 128 شركة في 107 دول.
كان من أوائل من بشّر باقتصاد المعرفة في المنطقة العربية وصار من روادها الأوائل، يقود ثورة على التعليم في دولنا، ويصفه بأنه غبي وخاطئ، وأنه امتداد للكتّاب الموجود منذ قرون في بلادنا، وأن التعليم بشكله الحالي توفي إلى رحمة الله، وعلينا أن نقتنع بذلك، وندرك أن التعليم الحق هو ما يؤدي الى الابتكار والاختراع، وليس الى الحفظ والتلقين، مثمنا في الوقت نفسه الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها مصر خلال هذا العام بالاعتماد على التابلت.. الى الحوار:
د. طلال: انت مهتم منذ سنواتك البكر بالمستقبل، فكيف نبني المستقبل، كيف نطلب من الشباب أن يهتم به؟
أنا رجل اسكن في المستقبل لا اتحدث عن الماضي او الحاضر، لأن الشباب هم المستقبل، فأنا أهتم بهم كثيرا، وأؤمن بهم ايمانا ينتصر أيضا على المعاناة، وخلال الفترة الماضية، أصدرت وصايا للشباب فيها وصفة للنجاح، وهي تمثل قناعة وايمانا عندي، ومن هذه الوصايا، ان المحبة أقوى سلاح، وهو سلاح معد، فاذا شعر الانسان بأنك تحبه، فهو لن يستطيع أن يكرهك، فمن أراد النجاح عليه بحب الناس، لا يمكن أن تنجح في عمل او في محيط سياسي او غيره اذا كنت تكره من حولك، فالمحبة من أهم خطوات بناء المستقبل، ومن الوصايا التي أؤمن بها، أن السعادة قرار، فأنا على امتداد عمري لم أر انسانا تعيسا وحزينا ينجح، ومن هنا يجب أن تقرر أن تكون سعيدا، كما أنك اذا لم تؤمن بأن الخير في المستقبل فلن تنجح، فمن أسوأ ما اسمعه كلمة "مفيش فايدة"، هذا خطأ جسيم، لا يوجد شيء في الدنيا بلا فائدة، فأنت تستطيع أن تحول ما هو سيء ليصبح جيدا، كما أنني أؤمن بأن الراحة مضرة بالصحة، فأنا منذ كان عمري عشر سنوات وأنا أعمل حتى وصلت سني الى 81 سنة، ولم احصل على راحة يوما، ولذا أدعو الناس، كل الناس ألا يفكروا بالتقاعد، وللعلم هي كلمكة ليس لها وجود في اللغة العربية، وهي مكونة من كلمتين "مت" و"قاعد"، فالمتقاعد هو انسان يموت وهو قاعد، وعلى الانسان ألا يتوقف عن العمل أبدا.
هل بناء المستقبل يكون بيد الانسان أم بيد الدولة والحكومات؟
هل تعلم أن الانسان أمامه فرصة نجاح أكبر عندما لا تساعده الدولة، فمن ساعد بيل غيتس؟ ومن ساعد زوكيمبيرغ؟ من ساعد ستيف جوبز؟ فالدولة لا تقدم لأي مما سبق ذكره، لم تقدم تمويلا، لم تدعمه، فمن أبدع وتفوق هو من لم تساعده الدولة خاصة في عصر المعرفة، ففي هذا العصر: السلاح بيدك، وليس بيد الدولة، وأقصد به السلاح الايجابي الذي يتيح للكل التقدم والتفوق، فالانسان يستيطع أن ينجح رغم كل المعوقات، فلا نكاد نعرف شخصا ساعدته الدولة وبرز، فكل من نجح، لم تساعده الدولة، لأنه اضطر أن يعتمد على نفسه، وأن يبني نفسه، ويحقق نجاحاته، فلا يجب على أي أحد أن ينتظر دعما من الدولة، ففي عصر المعرفة قدرك بيدك، وتستطيع أن تتفوق كما تفوقت أكبر 5 شركات في الدنيا، حيث أصبحت ميزانيتها تريليون دولار، أي الف مليار دولار، فصاحب كل شركة من هذه الشركات تعب على نفسه وأراد النجاح فاخترع اختراعا أوصله لما هو فيه، وهذا هو المستقبل، ونحن لسنا أقل قدرة منهم، لكن المشكلة أن تليمنا لا يزال عقبة في الوصول الى فكرة التعلم للاختراع.
لكننا في أوطاننا نرى تبريرات عديدة للفشل، نرى ان الكل يحمل الدولة تارة والسياسات تارة أخرى، وتفشي الفساد تارة ثالثة، فكيف نتخلص من ذلك؟
هذه التبريرات لا تخص دولنا فقط، هي بكل دول العالم، كما أن المواطنين في اميركا ليسو كلهم ستيف جوبز او بيل جيتس، بل تجد هناك من يشكو الظلم وعدم المساواة، وعدم دعم الدولة، وانها لا تشجع أحدا ولا توفر فص عمل، فهل تعلم أن من اخترع الياهو طالبان، تخرجا ولم يجدا وظيفة وفي أثناء لهوهما على الكمبيوتر والبحث على الكمبيوتر اخترعا نظام الياهو الذي أصبحت قيمته الآن 150 مليار دولار.
هل تعرضت أنت للفشل؟
أنا لم أفشل لكن تعثرت فقط، وكان كثيرا، لكنني أؤمن بأن التعثر ليس فشلا، التعثر فرصة لتبدأ من جديد بطريقة أفضل، الفشل هو حين تتوقف عن المحاولة، ليس هناك فشل في الحياة.
كثيرا ما تهاجم التعليم في أوطاننا، وتصفه بأنه نظام غبي وخاطئ، ما أسبابك في ذلك؟
وأكثر مما تقول، تعليمنا يضر بمستقبل أولادنا، لأنه يخرج بطريقة الكتاب، ولعلي أسالك هنا: ما الفرق بين نظام الكتاب من مئات السنين وبين النظام الان، أستاذ، طلب، كتب، تلقين، امتحان، هل تغير شيء؟ لم يتغير شيء، لا في مدارسنا ولا في جامعاتنا سوى المقاعد والسبورة، فما الهدف من هذا التعليم، هو اختبار قدرتك على مدى حفظك لمعلومات ليس الا، ما أطول نهر، ما حدود المانيا، وهكذا، هل هذا ينتج عقلا مفكر؟ مستحيل، فنحن ندرس حفظ ونمتحتن قدرة على الحفظ.
لكن دعني أترك الماضي بكل الامه، لنتحدث عن المستقبل، المستقبل يحتاج المخترعين وليس المتعلمين، فالتعليم لم يعد هدفه أن تلقن وتمتحن، سأضرب لك مثالا، حين تذهب الى طبيب ويقوم بفحصك ويعيط العلاج المناس، لكن حين تذهب الى المدرسة يتم اعطاء العلاج للكل، وبنفس الدواء، فلا يوجد في هذا الكون عقلان متساويان، كما لا يوجد جسدان متساويات يحملان نفس المكونات، فكيف أعطي لهم جميعا نفس المنتج، فالطب تطور ليعالج المرض الذي أصيب به المريض، بينما التعليمم لا يزال يعلم نفس التعليم لكل العقول.
في مصر الان تجربة مهمة في التعليم تعتمد على البحث والتعليم، أكبر مما تعتمد على الحفظ والتلقين، لكنها تتعرض لهجوم شديد، ما رأيك في هذه التجربة؟
هذ مهم جدا، آن لنا أن ننتقل من التعليم الى التعلم، فهل نما الى علمكم أن التعليم توفي، هل نما الى علمكم أنه لا يوجد استاذ في أي جامعة في العالم حتى ولو كانت هارفرد أو اكسفورد يمتلك معلومة ليست موجودة على الانترنت، أنا اتحدى أي أحد يثبت عكس ذلك، فدور الأستاذ الملقن هو صفر الان، نحن أسسنا كلية طلال أبو غزالة الجامكعية للابتكار، وهي الوحيدة في العالم التي لا يتخرج فيها الطالب بامتحان، بل في اختراع.
ولكن هل ترى أننا بأوطاننا نستطيع أن نقوم باختراعات مثل بيل غيتس، وزوكيمبيرغ؟
بالطبع، وىن لنا أن نقود العالم، لا أن نلحق بركبه، فهل تعلم أن من اخترع الواتس اب، هو عامل في مطعم في اوكرانيا، وهي دولة ليست غنية، وتعاني صراعا بين روسيا وأوروبا، هذا العامل كان حين ينتهي عمله بالمطعم يجلس الى الكمبيوتر يبحث عن فكرة حتى اخترع واتس اب، وليس لذلك ميزة لأحد في عصر المعرفة، الكل أمامها متساوون في الحقوق والواجبات، عصر المعرفة هو العصر الوحيد الذي تحقق فيه الديمقراطية كاملة، فالكل يجلس أمام شااشات الكمبيوتر ابن الرئيس مثل ابن الغفير، فعلينا أن نبدأ ونأخذ القرار، وأين دور المعلم، هل يتم الغاؤه؟
المعلم لن يختفي، ولكن دوره فني، دوره المساعدة على التعلم وليس أن يقوم هو بالتعليم، دوره أن يساعد الطالب ويوجهه.
تتحدث عن الاختراعات، واعداد جيل يبحث عن التعلم وليس التعليم، ومع ذلك فان عدد الطلاب الذين يختارون تلك التخصصات في تناقص، ما السبب وما الحل؟
السبب أن برامجنا كلها أكاديمية، تعتمد على الحفظ والتلقين، وبالتالي تعود الطلبة على ذلك، وحين يصل الى الجامعة يخاف أن يذهب الى كلية تعتمد على الفهم والتحليل، فيذهب الى الأسفل او الى ما تعود عليه، وهو الحفظ والتلقين، وحتى نغير ذلك فلا بد أن يكون الجزء الأكبر من التعليم هو تعليم تطبيقي ومهني، فليس مطلوبات حين تكون هناك حصة في الجغرافيا أن تعطينا معلومات، فالمطلوب أن تعلمني كيف أصبح خبيرا في رسم الخرائط، كيف أصبح خبيرا في تحويل الخريطة كي تصبح رقمية؟
بالحديث عن أهمية التعلم، وأهمية تحويله الى تطبيق عملي، والى الحقيبة المدرسية، ولكن ألا ترى أننا ما زلنا نعاني من ضعف البنية التحتية للمعلومات؟
بالتأكيد، نعاني ضعفا في البنية التحتية، وهذا سهل حله من خلال انشاء مراكز تعريفية، ولكن أزف اليك خبرا، خلال سنوات قليلة لن تحتاج الى بنية تحتية، لأن هناك شخصا اسمه ايلون ماسك سوف يخترع أقمارا صناعية للانترنت، وتستطيع أن تستخدم الانترنت من اي مكان بالعالم دون اذن من أحد.
كنت من أوائل من تحدث عن اقتصاد المعرفة، لكن ما زال الكثير لا يعرف أو لا يدرك أهمية اقتصاد المعرفة، فما السبيل لتدرك بلادنا هذه الأهمية؟
هنا في القاهرة عام 2009، كان لي لقاء مع بيل غيتس، وكان رئيس الوزراء هو أحمد نظيف، وكان الحوار يدور حول هذا الموضوع، وملخص الحوار أننا نتكلم عن الحياة التي نمارسها ليكون الانترنت بكل تعاملاتنا، سواء بالاقتصاد، أو ادارة الحكومة، التعليم، أو بمعنى أكثر سهولة كيف يصبح الانترنت كما الجهاز العصبي في جسد الانسان، فالجهاز العصبي هو اساس حياة الانسان، ففإذا تعطل هذا الجهاز ستتوقف حركة الانسان، وفي العالم المعرفي الرقمي، وبالتحديد الاقتصاد الرقمي، يجب أن يكون الانترنت هو الجهاز العصبي لاقتصادنا، وهنا يجب أن نعترف بأن الثروة الحقيقية في المستقبل هي الاختراعات المعرفية، ويجب أن نعتبر بأنه ليس هناك أمة في الدنيا تستطيع أن تحل مشاكلها الا بالتحول الى الاقتصاد المعرفي، وهو يتيح لك أن تتعامل من خلال الانترنت بتكلفة أقل وبسرعة أعلى وبجدوى وتواصل أكبر.
*حوار محمد القزاز- لجريدة الأهرام المصرية