العناقيد الصناعية في محافظة الخليل.. ما مدى نجاحها؟
خاص بوابة اقتصاد فلسطين
انتعش الاقتصاد الفلسطيني قليلا بعد توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي الملحق لاتفاقية أوسلو 1994 وذلك في إطار الحل السياسي لكنه بدأ يشهد أداء سلبيا بعد اندلاع الانتفاضة الثانية 2000.
ورغم تعاقب الحكومات الفلسطينية لكنها لم تستطع تغيير الحال كثيرا إذ كانت تتبع ذات النمط التقليدي وأسلوب المعالجة للقضايا والمشاكل الاقتصادية عبر اعتمادهم على المنح والمساعدات الخارجية.
غير أن الحكومة الثامنة عشر برئاسة د. محمد أشتية بدأت تخرج عن ذلك النمط بتبني نهج اقتصادي يعتمد على تطوير الاقتصاد الفلسطيني والانفكاك تدريجيا عن بروتوكول باريس لتقليل التبعية عن الاحتلال.
واحدة من السياسيات في تطوير الاقتصاد هي العناقيد الصناعية، وتم اختيار محافظة الخليل لتكون عنقودا بسبب ثقلها الصناعي والتجاري، فما مدى نجاحه في الخليل.. وهل الفكرة تعتبر تطويرا أوبديلا للممارسات الاقتصادية التي تم تبنيها سابقا؟
بدأ مفهوم العناقيد الصناعية يتبلور عام 1990 بعد نشر الاقتصادي مايكل بورتر الملقب برائد الاستراتيجيات التنافسية كتابه الشهير "الميزة التنافية للأمم". وأحدث الكتاب ثورة في نظريات توطين المشروعات الصناعية لا سيما بعد قيامه بتحليل ودراسة نماذج من المشروعات الصناعية في عشر دول صناعية، ولاحظ وجود شبكة من العلاقات الأفقية والرأسية بين المشروعات.
وتعرف العناقيد الصناعية على أنها تجمع جغرافي محلي أو إقليمي أو عالمي لعدد من الشركات والمؤسسات المرتبطة والمتصلة ببعضها البعض في مجال معين بما يمثله من منظومة من الأنشطة الإنتاجية اللازمة لتشجيع ودعم التنافسية وذلك من خلال المطالبة الدائمة بالدعم والحماية الحكومية (1)
ورغم اختلاف احجام واشكال العناقيد الصناعية في الدول الا ان هناك سمات اساسية مشتركة: ومن اهمها :
وقد ساهم تبني فكر العناقيد الصناعية في العديد من دول العالم في تنمية وتطوير عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها في التغلب على المشاكل التي تواجهها والناتجة عن صغر ومحدودية حجم الشركات .
وتعتبر تجربة إيطاليا من ابرز التجارب في ترسيخ العناقيد الصناعية حيث حققت نجاحا باهرا في انتاج السلع التقليدية والملابس وحقائب اليد الجلدية والملابس والاثاث وهو ما ساهم في دعم الاقتصاد القومي وتطوير دور تلك الشركات في عملية التصدير (4)
مدى نجاح العناقيد الصناعية في الخليل ؟
تعتبر الخليل من المدن الفلسطينية العريقة ولها من المميزات ما يجعلها محط انظار فئات كثيرة من الناس، وقد اشتهرت الخليل بالمقومات الزراعية والتجارية والصناعية والسياحية، التالية :-
وبعد هذه المعطيات هل يمكن ان تشكل محافظة الخليل عنقودا صناعيا متكاملا يمكن ان يؤسس لدعامة اقتصادية للسلطة الفلسطينية؟
عند اخضاع المميزات الواردة في تكاملية الزراعة والتجارة والصناعة والسياحة للعنقود الصناعي نجد ان نقاط الالتقاء كالتالي :_
أولا:- التجمع الجغرافي
تتميز محافظة الخليل بوحدتها الجغرافية المترابطة مكانيا واجتماعيا وماليا وهذا يعتبر أولى المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها لانجاح النموذج العنقودي وهذا التجمع يمتاز بفئة متعلمة وشابة وفتية ولديها القدرة والامكانية المطلوبة.
ثانيا:- علاقات ترابط افقية وعمودية مبنية على تبادل السلع والخبرات والموارد البشرية. المتابع للحراك الاقتصادي في الخليل يجد انه يحقق العلاقات الافقية في التعاون ما بين افراد القطاع الصناعي الواحد ويكون التعاون ناتج بالأساس عن العلاقات الاجتماعية القوية والتي عززها المفهوم الاقتصادي، فنجد التعاون ما بين افراد القطاع الواحد في تبادل المواد والمعلومات والخبرات بين نفس المستوى من الإنتاج.
اما الترابط العمودي، فقد نجحت المحافظة ونتيجة الظروف السياسية بالوصول الى الترابط العمودي من خلال قدرتها على توفير كل عوامل الإنتاج المتعلقة بمراحل انتاج المنتجات وقد يكون هناك ثغرة مهمة وهي ان المواد المتوفرة ليست بالضرورة ان تكون من داخل المحافظة نفسها فقد تكون هذه المواد اما من الطرف الإسرائيلي او الشراء من الخارج عن طريق الاستيراد وهذا قد يشكل نقطة للضعف لتعزيز مفهوم العنقود الصناعي نظرا لضعف القدرة على المنافسة وفتح أسواق جديدة وهذا قد يؤدي الى ارتفاع التكاليف المباشرة .
بالإضافة الى القدرة في العلاقات العمودية من التعامل مع جميع المراحل الإنتاجية بدءا بالمواد الأولية وصولا الى منتجات جاهزة تستطيع المنافسة في الأسواق العالمية وقدرتها على تغطية جزء كبير من السوق المحلي في كثير من المنتجات سواء المنتجات الجلدية او صناعة منتجات النايلون او الصناعات الورقية او الأحذية وغيرها
ثالثا:- البيئة الاجتماعية المشتركة :-
تتميز الخليل بعلاقات اجتماعية قوية تطغى على السلوك التجاري فنجد ان قوة العائلة اقوى بكثير من قوة الردع بالقانون ونجد الترابط الاجتماعي والفكري والديني مرتفع بشكل كبير وهذا مؤشر مهم في تعزيز ترابط ونجاح مفهوم العناقيد الصناعية
رابعا:_ شبكة من المعاهد والجامعات التعليمية
يوجد في الخليل ما يكفي من الجامعات المختلفة سواء التي تؤهل الخريج من الناحية الاكاديمية او العملية مثل كليات الزراعة. ولكن، هذا غير كافي لأن الحاجة الفعلية للمحافظة هي التخصصات المهنية وهذا غير متوفر بشكل كافي حيث ادى التوجه الى الدراسة الاكاديمية والابتعاد عن التخصصات المهنية لارتفاع نسبة البطالة في المحافظة لتصل الى 20 % وهذا مؤشر سلبي لانجاح فكرة العناقيد الصناعية (3)
ان نجاح النقاط الاربعة سالفة الذكر يؤدي بشكل مباشر الى تعزيز ورفع الانتاجية والتي تشكل هدف مهم للمنشات الصغيرة والمتوسطة والتي تهدف لزيادة القدرة على المنافسة وايجاد حيزا لها في السوق التجاري .
خامسا :- الدور الحكومي
لكي تكتمل الدائرة وتنجح الفكرة ويجعلها قابلة للتنفيذ والتطوير لا بد من الدعم الحكومي والمتمثل برؤية واضحة لتشجعيع الاستثمار المحلي والاجنبي عبر خلال خلق بيئة تنظيمية واضحة مشجعة ومحفزة للاستثمار والسعي لجلب مستثمرين خارجيين لتدعيم القطاع الصناعي والتجاري في المحافظة وتقديم التسهيلات والحوافز الضريبية والتشجيعية اللازمة ودعم المناطق الصناعية الناشئة واخذ التجارب من الدول التي اقامت المدن الصناعية.
اذا اجتمعت العناصر المذكورة والعمل على تقوية نقاط الضعف وتجاوز المعيقات وتعزيز نقاط القوة فإن ذلك يؤدي الى تجاوز فكرة التجمع المجردة الى الارادة الحقيقية للتعاون والتنسيق بين عناصر السلسة المختلفة التي تؤدي الى تحقيق ربحية للجميع.
لذلك يجب ان تشجع الحكومة هذا العنقود وتنظمه ويجب ان تقوم بتقوية نقاط الضعف الموجودة من خلال تحويل التصريحات الى وضع الخطط الكفيلة لنجاح العناقيد.
المراجع – مراجعة