"الإزدهار الاقتصادي" المطروح في ورشة البحرين .. وهم كبير مصيره الفشل
في أعقاب نشر برنامج "ورشة البحرين الاقتصادية " مساء أمس تتضح أكثر ملامح المشروع الاقتصادي/السياسي المقترح وحدوده، وبصراحه سذاجته ايضا ..! فهو يتحدث عن إنشاء شرق أوسط مزدهر ونابض، وعن دور للقطاع الخاص في تنميته في غياب للسلام ..! وبشكل مكرر وباهت يتحدث عن التركيز على العنصر البشري في فلسطين والمنطقة وتطوير التعليم والتعليم التقني والرياده والإبداع وكيف يمكن بناء حياه سعيدة وصحية للفلسطينيين، وذلك تحت شعار ثوري يصلح في كل زمان ومكان وهو “Empowering the people والمضحك/ المبكي في هذا الموضوع أن هناك ما زال من يعتقد أن تحقيق هذا الهدف ممكن بوسائل تقنيه فقط، او بشكلvirtual ، في غياب حق الشباب في التمتع بهوية سياسية وثقافية يفخرون بها وتفكير نقدي وأجواء من الحرية الشاملة التي تسمح لهم وتحفزهم على الريادة والإبداع .
عندما يعقد مؤتمر من هذا النوع أجد أنه كان يمكن أن يشمل أيضا عددا من الدول العربية الأخرى مثل ليبيا وسوريا واليمن في غياب الاستقرار الأمني والسياسي فيها، حيث يمكن تطبيق نفس المعادلة والمصطلحات عليها كلها Generic..! والطلب من القطاع الخاص فيها أن يقود عملية الإزدهار الإقتصادي في غياب للسلام ..! وكل ذلك من اجل ضمان دور للقطاع الخاص الإسرائيلي وإسرائيل في قيادة النمو في المنطقه باعتبارها دولة الريادة العالمية رقم واحد.
إن اصرار الفهم الأمريكي الكولونيالي والإسرائيلي أن الدول والشعوب لا تحتاج لتنفس هواء الحرية للنهوض والنمو، بل ان يدرس ويتعلم ابنائها فقط في أفضل الجامعات، ويفضّل الأمريكية، وأن يستلموا الحكم في بلادهم بانقلاب عسكري، وحينها يكون الإزدهار الاقتصادي هو مستقبلها الاكيد هو وهم كبير جربته عشرات الشعوب والدول في أمريكا الجنوبية وأفريقيا والعالم، وكان مصيره الفشل الأكيد.
الخطة الأمريكية في ورشة البحرين..
بعد قراءة سريعة للخطة الاقتصادية الأمريكية المطروحة في ورشة البحرين فإنه يمكنني أن أشير لمجموعة من الملاحظات الهامة عليها : -
أولا: الخطة شبيهة بعدد من الخطط السابقة التي أعدت من قبل أطراف دولية وأهمها البنك الدولي في العام ١٩٩٤ حول بناء الاقتصاد الفلسطيني ( مع فرق كبير في المستوى الفني والمنطلقات السياسية ) وآخرها خطة كيري لاستثمار ٤ مليارات دولار في الأراضي المحتلة (وأيضا هي شبيهة بها ولكن بفرق كبير في عمق التحليل والفرضيات) .
وكانت الدراستان الأولى والثانية تفترضان موافقة اسرائيل ومشاركتها في تسهيل تنفيذ الخطط المقترحة، وخاصة في الخطة الأخيرة مع دور كبير للرباعية الدولية في تسهيل الحصول على الدعم والموافقة الإسرائيلية لمشاريعها.
ثانيا: في التجربة الأخيرة مع الوزير كيري وفي ظل ظروف شبيهة لوضعنا الحالي -بل وحالنا الان أسوأ بكثير- فشلت الخطة فشلا ذريعا بسبب المواقف المناورة والمتشددة لإسرائيل ومستوطنيها في رفض كل التسهيلات والمماطلة في تقديمها، كان أبرزها على سبيل المثال، ترخيص الشارع الموصل لمدينة روابي والإستثمار في مناطق ج .
ثالثا: بالرغم من صحة أهداف الخطة ومنها ربط الضفة بغزة وإقامة البنية التحتية الأساسية فيهما وتطوير بيئة ملائمة لاستثمارالقطاع الخاص وتطوير العلاقات والشبكات الإقليمية، وذلك من خلال ثلاث مبادرات أساسية هي تنمية الاقتصاد وتقوية المجتمع وإصلاح الحكم، فان الخطة تلمح الى أن العوائق أمام تنفيذ هذه المشاريع هي عوائق داخلية تتعلق بالسلطة، ولا يتم ذكر اسرائيل في أي بند من البنود باعتبار أن احتلالها العائق الرئيسي والأهم أمام تنمية الاقتصاد الفلسطيني.
رابعا: مع أن الخطة تضع مبالغ محددة في مجموعة من الصناديق الدولية المتخصصة تستهدف القطاعات المذكورة أعلاه وهي على شكل هبات أو قروض ميسرة بمبالغ تصل لـ ٢٥ مليار دولارخلال عشر سنوات، إلا أن المبالغ التفصيلية المرصودة في هذه الصناديق أقل من ذلك بكثير، وهي تشمل أغلب القطاعات بما فيها الثقافه والرياضة والصحة والتعليم .. الخ.
خامسا: مع أن عددا من المشاريع والبرامج يمكن تنفيذها مباشرة من قبل القطاع الخاص أو الحكومي دون الحاجة لموافقات اسرائيلية؛ إلا أن ثلاثة أهداف من الأربعة تحتاج لموافقات اسرائيلية تفصيلية ولنا وللمانحين خبرة طويلة في الرفض والمماطلة الاسرائيليه لها.
والسؤال هو لماذا لا يوجد أية اشارة في الخطة لوجود الاحتلال ودوره في منع أو صنع الإزدهار الاقتصادي في فلسطين !؟.
سادسا: إنه يلاحظ في الخطة وبشكل ملحوظ استبعاد مشروعي المطار والميناء في غزة أو الضفة وتوجيه الإهتمام لاستخدام البنية التحتية في دول الجوار!!. أما المياه فالمطلوب هو مضاعفة مياه الشرب ولا خطة لزيادة مياه الري مع أنها الأساس في تطوير الزراعة، إلا في سياق الحديث عن تكرير مياه المجاري واستخدامها لهذا الغرض .
في النهاية، هذه مراجعة سريعة..
إنه لمن الممكن إقامة صناديق مالية للأغراض المحددة، وتعاون الحكومة والقطاع الخاص مع هذه الخطة أيضا اذا كان هناك مشروع سلام مطروح ومقبول فلسطينيا، وتمويل الخطة ممكن دوليا وإقليميا أيضا..
ولكن السؤال والتحدي الأكبر الذي يواجه مثل هذه الخطط وأوهامها هو كيف سيكون ممكنا تنفيذها على الأرض في ظل تجربة طويلة للفلسطينيين والمانحين في الرفض الاسرائيلي المبطن والمماطل لتنفيذ أو تسهيل تنفيذ اي من هذه المشروعات؟!!!.
وإذا كانت قاعدة خطة الإزدهار هذه هي عملية سياسية مقبولة للطرفين ( السلام) ، وهو غير موجود، فلماذا طرح الخطة (الوهم) في هذه المرحلة ..!؟.
إن عدم توفر السلام والاستقرار في المنطقة كاف لتدمير ثقة المستثمرين المحليين فكيف الدوليين منهم؟ وكيف ستخصص الدول ٥ مليارات دولارا للطريق الواصل بين غزة والضفة بدون موافقات سياسية اسرائيلية مسبقة؟ (مع أني أعتقد ان هذا المشروع بالتحديد يجب أن يوضع أمام الإدارة الأمريكية كتحدي أمام تنفيذ كل خطتها).
اما كل المشاريع التي تتم من خلال السلطة وبموافقتها دونما الحاجة لموافقات اسرائيلية فلا أرى ما يمنع الحوار الثنائي او المتعدد مع دول الخليج وبعض المانحين لتمويلها ثنائيا، بل وتقديم خطة وبرنامج فلسطيني الآن مع البنك الدولي على سبيل المثال، من أجل مساعدة الاقتصاد والشعب الفلسطيني على الصمود والبقاء حتى تحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.
لمواجهة الصفقة ..
بالإضافة الى الفعاليات الشعبية والوطنية المزمع القيام بها محليا في مواجهة صفقة القرن وورشة البحرين، فان هناك ضرورة للقيام بمجموعة من الإجراءات ذات الطابع الاستراتيجي للرد على ادعاءات الأطراف المغرضة والمعادية:
منها ما يتعلق بالمصالحة -على سبيل المثال - قيام رئيس الوزراء بزيارة لغزة والإعلان عن عدد من الاجراءات الاقتصادية والإنسانية فيها ما دمنا غير قادرين على إنجاز المصالحة، وأيضا تشكيل لجنة وطنية للإصلاح لتشرف على إجراءات وسياسات إصلاح النظام الحكومي والقضائي ( ومثاله القضايا المالية المتعلقة بالوزراء وغيرهم)، وتشكيل إطار مؤقت -ربما من أعضاء المجلس المركزي والتشريعي وغيرهم- للمراجعة والتوصية بأية قوانين أو مراسيم بقانون قبل اقرارها من مجلس الوزراء ورفعها للرئيس (خاصة في ظل غياب إطار تشريعي رقابي ل ١٢ سنة ماضية وحتى الآن ) ، ويمكن لنفس الاطار أن يناقش الحكومة في سياساتها العامه واستراتيجيتها لتحقيق مشاركة أوسع في صنع السياسات العامة.
أما قضايا الفساد، ومن أجل عدم الإختباء وراء أن هذه "ادعاءات مغرضه لأطراف معاديه"، يجب على أصحاب القرار (وهي ليست الحكومة) ان تعيد الثقة في الأجهزة الرسمية صاحبة الصلاحية، وأن تعالج عددا من قضايا الفساد الكبيرة بشكل واضح وبمحاكمات علنية تخلق حالة من الردع يمنع انتشار حالات الفساد ويؤكد التزام الحكومة وأجهزة السلطة الرسمية بمحاربتها، وتقارير مؤسسة أمان مليئة بالقضايا التي تنتظر الفحص الجدي .
إن سياسة الانتظار، وعدم الإقدام على خطوات تثبت وتؤكد شرعية النظام الفلسطيني (خاصة في ظل انقسام طويل وعميق وغياب الجهاز التشريعي الأهم لتثبيت ديموقراطية النظام لدينا)، وقدرتنا على إدارة شؤوننا بفعالية وشفافية بما فيها قدرتنا على إدارة أمورنا المالية وأخذ إجراءات تقشف جدية ... الخ ، إن هذه هي بعض ما نستطيع القيام به (كله او جزء منه أو سواه من الخطوات) من أجل خلق حالة إجماع فلسطينية محلية أولا، وإنشاء حالة تضامن واسع مع الموقف الفلسطيني الرسمي الشجاع .