الرئيسية » الاخبار الرئيسية » محلي »
 
10 كانون الثاني 2019

مختصون يبحثون الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل خلال لقاء في رام الله

اعد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) ورقة خلفية امس الاربعاء حول "الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل: التحديات ومتطلبات النجاح" عرضها مدير البحوث د. بلال فلاح،  فيما قدم المداخلات الرئيسية في الجلسة كل من الدكتور محمد مصطفى مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية، وعبير عودة وزيرة الاقتصاد الوطني، وماهر المصري رئيس مجلس ادارة البنك الاسلامي الفلسطيني.

وفي عرضه للورقة، بين د. فلاح أن التبعية الاقتصادية لإسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، قد هدفت الى  السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني وإلحاقه قسرا باقتصادها من خلال مصادرة الأرض واستغلال والثروات الطبيعية والتاريخية لمصالحها، كذلك اعتمدت سياساتها على الانتقال الحر للعاملين الفلسطينيين للعمل في أسواقها كأداة للاستفادة من انخفاض تكاليف التشغيل واحتواء السكان الفلسطينيين. هذا إضافة الى تسهيل عبور السلع الإسرائيلية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء الروابط التجارية مع المحيط العربي، وإصدار العديد من الأوامر العسكرية التي تحد من تطور القطاع الصناعي الفلسطيني، ومنع إنشاء نظام مصرفي فلسطيني. وبين أن هذه الإجراءات قد أدت إلى خلق تشوهات عميقة في الاقتصاد الفلسطيني وجعلته اقتصادا تابعا من ناحية التشغيل، والاعتماد على التحويلات المالية في تحفيز الاقتصاد، وانخفاض إنتاجية القطاع الصناعي وارتباط نشاطه بالصناعات التقليدية واعتمادها على الطلب من السوق الإسرائيلي.

كما أشار د. فلاح الى أن اتفاقية باريس الاقتصادية لم تساهم في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للفلسطينيين. فقد أبقت الاتفاقية على التبعية للاقتصاد الإسرائيلي من خلال الغلاف الجمركي وحولته من أمر واقع بقوة الاحتلال الى اتفاقية تعاقدية تتعلق بجوانب السياسات الضريبية، والتحكم بالمعابر، والتأثر بالسياسات النقدية الإسرائيلية، وتخويل سلطات الاحتلال جمع الإيرادات الضريبية وتسليمها للسلطة الفلسطينية. وأشار أيضاً إلى توقف عمل اللجنة الاقتصادية واللجان الفرعية المنبثقة عنها، منذ اندلاع الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000، مما ساهم في تعطيل متابعة تنفيذ اتفاقية باريس التي بقيت المرجعية التي تحكم العلاقة الاقتصادية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي طوال السنين السابقة بالرغم من خروقات سلطات الاحتلال لها. كما تطرق الى تطور مسألة الانفكاك الاقتصادي على المستوى السياسي، كقرارات المجلس المركزي خلال اجتماعه في شهر آب الماضي، والتي جاء نتيجة التعنت الإسرائيلي وتنصله من الالتزامات السياسية. وتطرق د. فلاح أيضا إلى الأفكار المقابلة للانفكاك والخاصة بتعزيز الاقتصاد الفلسطيني ومقومات صموده من خلال الاستفادة بما تتيحه اتفاقية باريس او بمعزل عنها.

أكد د. محمد مصطفى في مداخلته على أن الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل هو مسؤولية تقع على عاتق الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. فمعضلة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي كما وصفها "مرض خبيث ينخر في الجسم الوطني" وهو ما يتطلب نضالاً اقتصاديا. كما رأى أن الانفكاك عملية تراكمية وشاملة تتطلب تضافر جهود الأطراف المختلفة والعمل الجدي في اتجاه انجازها. كما بين أن اتفاقية باريس الاقتصادية قد وضعت ضمن معطيات وظروف اقتصادية وسياسية معينة، لم تعد قائمة اليوم، مما حولها إلى تهديد للمشروع الوطني الفلسطيني. لكنه أضاف أن فرص تطبيق نموذج اقتصادي آخر يحكم العلاقة ما بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي يعتمد على البدائل الفلسطينية المتاحة والممكنة لاستبدال عناصر الهيمنة الإسرائيلية وبناء اقتصاد وطني ومستقل. كما أضاف أن تنفيذ الانفكاك يحتاج الى برنامج وطني للتنمية، ومؤسسات تعمل وتنجز ضمن خطة وطنية شاملة يساهم فيها الجميع بشكل شمولي.

من جانبها، أشارت وزيرة الاقتصاد الوطني عبير عودة إلى أن الخلل الأكبر والمعضلة الأساسية لا تكمن في اتفاق باريس فقط بل في وجود الاحتلال وسياساته الممنهجة التي أوصلت الاقتصاد الفلسطيني إلى مرحلة التبعية التي نشاهدها اليوم. واتفقت مع د. مصطفى في أن الحل يكمن في تكاثف الجهود والعمل المشترك. وأشارت إلى أن للحكومة محاولات عدة هدفت إلى تعديل بنود اتفاق باريس، لكن سلطات الاحتلال كانت تواجه هذه المحاولات بالرفض فلا يزال هذا الاتفاق يحقق للاحتلال الإسرائيلي هدفه بالسيطرة على مقدرات وموارد الشعب الفلسطيني. كما أشارت الوزيرة الى الجهود الخاصة في الانضمام للعديد من المنظمات الدولية ومحاولات الاستفادة من نفوذها، وإلى جهود الحكومة في تقوية البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني عن طريق إقامة المدن الصناعية، وتسهيل إجراءات الاستثمار، ودعم المنتج المحلي، وفتح أسواق جديدة من خلال توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع دول مختلفة.

وبدوره شدد ماهر المصري على أهمية فحص مدى قدرة الفلسطينيين على تقليص التبعية عن الاقتصاد الإسرائيلي وشدد أيضا على وجوب حدوثها تدريجياً. وأشار الى وجود نقص في المرجعيات السياسية والسياساتية التي تضع بشكل رسمي ملامح وطبيعة العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل. وتحدث أيضا عن عدد من التجارب السابقة والخاصة بالجهود التي بذلت في فصل المعاملات التجارية الفلسطينية عن الإسرائيلية من خلال دعم الاستيراد المباشر. وحسب رأي المصري فان الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي يجب أن يكون في اطار الانفكاك عن الغلاف الجمركي وأنه من الصعب الانفكاك كليا عن اقتصاد مجاور وقوي.

كما ناقش الحضور عددا اسرائيلمن المسائل المهمة ذات العلاقة، تمحورت حول التشوهات الهيكلية الناتجة عن التبعية الاقتصادية لإسرائيل وضرورة أن يسبق الفعل الاقتصادي وضوحا في الرؤية الاقتصادية على المستوى السياسي وخصوصا فيما يتعلق بالشكل المستقبلي للعلاقة مع إسرائيل. كما اقترح آخرون عدد من الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الانفكاك عن إسرائيل، وتضم تعزيز الاستيراد المباشر للسلع الاستراتيجية، كالوقود، من دول الإقليم وانشاء المخازن الجمركية. هذا إضافة الى ضرورة اتخاذ المواقف الحازمة من قبل المستوى السياسي للتعامل مع الخروقات الإسرائيلية، كما حدث في قرار وقف استيراد المنتجات الزراعية والدواجن من إسرائيل. واتفق العديد من المشاركين على أهمية الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، شرط أن يكون تدريجي وبخطى مدروسة ضمن أولويات واضحة وبما يتوافق مع الواقع الاقتصادي الفلسطيني.