بعد العنب .. المزارعون ينشغلون بالدبس
الخليل- ساري جرادات- بوابة اقتصاد فلسطين
تشتهر الخليل بصناعة الدبس المستخرج من العنب. ويحظى الدبس باهتمام كبير لدى المزارعين نظرا لإقبال المواطنين عليه لما فيه من فوائد إضافة إلى أنه يعد موردا ماليا جيدا للمزارعين.
منذ نحو خمسة عقود اعتادت السبعينية زكية دعسان على الاستيقاظ في ساعات الصباح الأولى لتعد الدبس، ففيه يتضاعف جهدها من أجل الإعداد والتجهيز، كونه من أكثر منتجات العنب صحة، ويشهد إقبالاً كبيراً في موسمه من المواطنين على صناعته أو شرائه.
ويعتبر محصول العنب ثاني أكبر المواسم الزراعية في فلسطين بعد الزيتون، ويساهم العنب بنسبة 12% من الإنتاج الزراعي في فلسطين، وتقدر مساحة الأراضي المزروعة به حوالي 80 ألف دونم، وبنسبة إنتاج تصل إلى 120 ألف طن سنوياً، وتعتبر محافظتي بيت لحم والخليل من أكبر المدن المنتجة للعنب، وفق معطيات مديرية زراعة الخليل.
تقول الحاجة دعسان في حديثها لـ "بوابة اقتصاد فلسطين": "الدبس غذاء أطفالنا، فهو خال من المواد الكيماوية، ويعطي طاقة خاصة في الشتاء بمقاومة برده، لهذا لم يكن أطفالنا يمرضون ويعانون من أمراض مختلفة في الماضي، ولكنهم يمرضون اليوم جراء العديد من أنواع الأغذية غير الصحية المنتشرة في الدكاكين ".
ويعالج الدبس أمراض فقر الدم، كما يمد الجسم بالسعرات الحرارية والطاقة في فصل الشتاء، فهو يحتوي على كمية عالية من الكالسيوم، وفق حديث مدير مركز المأمون الطبي الدكتور زهير جرادات ل "بوابة اقتصاد فلسطين".
وتبدأ عملية صناعة الدبس وفقاً للسبعينية جرادات بقطف العنب عن أشجار الدوالي، التي تشتهر بلدتها سعير الواقعة إلى الشمال من محافظة الخليل بكروم العنب ذات المساحات الواسعة، على الرغم من تقلص المساحات المزروعة فيه نتيجة الزحف العمراني ومقالع الحجر، وفق ما أفادت به مراسلنا.
وبعد قطف العنب، تبدأ أولى مراحل صناعة الدبس، وهي تنظيفه من الحبيبات غير الصالحة للاستعمال، ومن ثم يتم فضه بالماء لإسقاط الغبار عنه، وتتكرر عملية غسله حتى الوصول إلى عنب خالٍ من الأتربة والغبار، وهو ما يساعد في مراحل متقدمة على سرعة طبخه.
وتلفت إلى أن عملية عصر الدبس هي الأكثر عناءً ومشقة، خاصة وأنها ترفض عصره بواسطة الآلات التي تم ابتكارها مؤخراً، لاعتقادها أن الآلات تسهم في تغيير طعمه، ولكنها ترجع السبب في استخدام الطريقة اليدوية في عصره لاعتبارها موروث ثقافي وتراثي للحفاظ على طريقة الأجداد في صناعة الدبس.
يقول الباحث في شؤون التراث الفلسطيني الدكتور إدريس جرادات ل "بوابة اقتصاد فلسطين": "قديما، كان يتم عصر الدبس عبر عمل حفرة في الصخر، ووضع العنب في كيس مصنوع من الخيش ووضع حجارة فوقه، ويتم عمل قناة في الصخر لإفساح المجال أمام مياهه لتنساب في حفرة مخصصة له".
وأضاف الباحث جرادات لمراسلنا "هذه الطريقة تلاشت في العقدين الأخيرين بسبب استخدام الأواني النحاسية في دعك العنب وعصره، مع بقاء وجود العديد من العائلات في جنوب الخليل تستعين بالطريقة البدائية تلك في عملية إنتاج الدبس، مثل خرب مسافر يطا".
وتعمل الحاجة دعسان بعد انتهائها من عصر العنب، بمساعدة أبنائها وزوجاتهم على تصفية العنب، للتأكد من خلوه من الشوائب أو بزر العنب، عن طريق وضع حطة مصنعة من القماش وتحتها يوضع مصفاة لنقل العصير من إناء لآخر، مكررة عملية التصفية المعروفة ب "الزل" نحو سبع مرات.
وتستغرق عملية عصر الكيلو الواحد من العنب نحو خمس دقائق، هذا يعني أن عصر 200 كغم منه تحتاج ل 14 ساعة متواصلة، مما يتسبب بتعب شديد للعاملين على إنتاج الدبس، سرعان ما يتلاشى تعبهم ويختفي بعد إشعال النيران تحت قدر الدبس معلنين بدء المرحلة الثالثة في إنتاجه، والمسماة ب "السلق".
وتنتهي مرحلة السلق بعد فوران الدبس أول مرة على النار، ليتم بعدها إبعاد النيران من تحت القدر، وتركه حتى صباح اليوم التالي ليركد، لتعاد من جديد مرحلة الزل والتصفية، على طريق الوصول إلى الدبس.
وتعلل الحاجة دعسان طبخ الدبس باستخدام الحطب بأنه يكسبه مذاقاً أشهى، ويحرق كافة أشكال الحموضة التي قد ترافق الدبس جراء وجود بعض أنواع من العنب الذي لم يصل لمرحلة النضج التام، كما أن للنار جوها الخاص في جمع أفراد العائلة حول قدر الدبس، وإعادة شريط ذكريات الماضي.
وفي اليوم الأخير توقِد النار لتَطبخَ الدبس بعد زلِّه، ليصل إلى المرحلة الأخيرة من الجهوزية، تحت قدر الدبس بعد زله نحو الساعة التاسعة صباحاً، وتصل مرحلة النضج الأخيرة في إنتاجه نحو الساعة الثانية عشر من منتصف الليل، أي بعد ست عشر ساعة متواصلة من طبخه.
وعن آلية معرفة النضوج تقول لمراسلنا "يجب أن تكون كثافته كبيرة ولونه مائل إلى اللون الأسود، ويمكن فحصه من خلال وضع كمية قليلة منه في إناء نحاسي، وعمل خطوط في الإناء، فإذا لم يلتقِ الخطان فهذا مؤشر على نضجه، أو من خلال ثبات نقطة منه على أحد الأظافر لمدة دقيقة.
وتضيف، إن عملية إزالة الشوائب لا تتوقف عند مرحلة الزل والتصفية، فأثناء عملية الطبخ يعمل أبنائها على إزالة ما يسمى القوشة، وهي شوائب طارئة على الدبس نتيجة تطاير الرماد عليه، وتنخفض أو ترتفع نسبة القوشة بحسب عدد عمليات الزل والتصفية، قبل وبعد عملية السلق.
وتعلل الحاجة ارتفاع سعر الكيلو غرام الواحد من الدبس، والذي يصل ل 50 شيقل إلى الكميات القليلة التي يتم إنتاجها منه، بالإضافة لارتفاع سعر العنب والذي يصل ل 3 شواقل للكيلو الواحد، وما يرافق مراحل الإنتاج المختلفة من مشقة وعناء للوصول إلى مرحلة النضج.