كتب امين ابو عيشة: البطالة والتخصصات الجامعية
تسعي دول العالم للعمل على التصدي وبشكل مركز لقضايا البطالة، وذلك نظراً لحساسيتها لمجموع فئات المجتمع، فحل معضلة البطالة وتحسين مستويات التشغيل وزيادة الأجور والمرتبات يسهمان وبشكل كبير و فعال في خفض مستويات الفقر والعوز ويعمل دون ريبة على زيادة معدلات النمو، حينها تزداد فرص العدالة ويعم الرخاء الاقتصادي والاجتماعي ويتحقق الاستقرار السياسي.
وتعاني قوة العمل الوطنية في قطاع غزة والضفة الغربية من ارتفاع في معدلات البطالة بل وبقاءها فوق المستوى الطبيعي بكثير فقد سجل المعدل العام لها27 % وذلك حسب بيانات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني للعام 2017، كما تشير بيانات القوى العاملة إلى توزيع 44% من معدل البطالة لقطاع غزة أما نصيب الضفة الغربية من إجمالي معدل البطالة العام فبلغ 18%،. ويرجع هذا التفاوت في معدلات البطالة بين المنطقتين لوجود نمو مرتفع في حجم قوة العمل خلال السنوات الأخيرة وتحديداً في قطاع غزة بشكل خاص وذلك نتيجة للعدد من العوامل أبرزها الانقسام الداخلي الفلسطيني والحصار والدمار لم يقابله بالتوازي والتوازن أي نمو اقتصادي بالوتيرة ذاتها. مما يعني هذا الأمر في عُرف التحليل الاقتصادي عدم مواكبة معدلات التوظيف للزيادات الهائلة في عرض العمل وذلك لسببين في نظري: الأول هو إرتفاع معدلات النمو السكاني و بالتحديد لقطاع غزة مقارنة مع الضفة الغربية من جهه، ومن جانب ثاني تقليص وإنخفاض معدل النمو الاقتصادي وتسجيلة نهاية العام 2017 معدل 0.5% لقطاع غزة مقارنة مع نمو 2.4% للضفة الغربية، مما نتج عنه زيادة الفجوة الركودية وتعمقها بين معدلات النمو من ناحية ومعدلات التوظيف من ناحية أخرى. فمن المقدر أن يحتاج قطاع غزة و الضفة الغربية لتوفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل إضافية بحلول العام 2020 للقضاء على معدلات البطالة التي وصلت نسبتها بنهاية العام 2017 لمعدل 27% وهو ما يتطلب ضرورة مضاعفة مستويات التشغيل وبشكل متزايد، هذا الأمر يعني أن الحكومة والقطاع الخاص مطالبان بتوفير 50 ألف وظيفة إضافية سنوياً لبقاء وثبات معدل البطالة عند مستواه الحالي.كما ويتطلب الأمر وبشكل متوازي منها تحقيق معدلات نمو حقيقية في الناتج المحلي الفلسطيني لا تقل في المتوسط عن 7% سنوياً .
وتتمثل خطورة إشكالية البطالة وهواجسها من وجهة نظري وضخامتها في فلسطين في تمركزها بين الخريجين والباحثين عن العمل لأول مرة, حيث سجلت هذه المعدلات بين شريحة الشباب من عمر 15/ وحتى 30 عاماً 50 % وحتى 60% ، مقارنة مع النسب العالمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي لا تتجاوز حاجز 25% وحتى 30% ، مقابل متوسط عالمي 12 %. وبناءاً على ما سبق
- ضرورة العمل وبشكل جدى على إصلاح استراتيجيات التعليم الجامعي بما يضمن فتح مسارات جديدة ونافعة واغلاق إخرى لو تطلب الأمر ذلك.
- اصلاح السياسات التشغيلية المتبعة وعلى رأس هذه السياسات العمل النشط والتركيز على التأهيل الوظيفي أثناء الدراسة الجامعية.
- العمل على دعم القطاع الخاص وتوزيع المسؤوليات وتحديداً المتعلقة بالتوظيف وإلزام المؤسسات الخاصة ببند المسؤولية المجتمعية.
- اصلاح النظام التعليمي والارتقاء بنوعية التعليم والتدريب، وتحديثها ومراقبتها بغية توفير المهارات المطلوبة للاحتياجات المتطورة لسوق العمل.
- التركيز على التعليم المهني وإزالة النظرة الدنيوية للتعليم المهني والفني، من خلال ادخال التعليم المهني ضمن التعليم العام وتشجيع التدريب المهني خارج أوقات المدرسة لضمان العمل على تخفيض جزء كبير من معدلات البطالة.
- ضرورة التركيز على التخصصات المرتبطة بالقطاعات الرئيسية المشاركة في زيادة معدلات النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة وعلى رأس هذه القطاعات القطاعيين الزراعي والصناعي المولدات الأساسية لعنصر التشغيل ولإجمالي الناتج المحلي .
- العمل على إيجاد مناخ استثماري سليم لتمكين القطاع الخاص و أن يقود العملية التنموية و استيعاب الزيادة في القوة العاملة و إتاحة الفرصة للانتقال التدريجي لموظفي القطاع العام إلى العمل في القطاع الخاص.
- تقنين القبول في بعض التخصصات التي لا فائدة منها، مع بذل الجهود اللازمة لتوعية الطلاب بالوضع الذي تعانيه تلك التخصصات من حيث ارتباطها بالحصول على الوظيفة من عدمه.
- إضافةً إلى أهمية وجود التنسيق بين الجامعات، وكذلك عمل لقاءات دورية بينها، لدعم التعاون والتبادل العلمي بين الأقسام.
ختاماً فإن نشر القوائم المطلوبة لسوق العمل "تخصصات العمل" والغير مطلوبة "تخصصات البطالة" يعد من الأمر الهام و الواجب نشرة وبشكل دوري، وهي خطوة تصحيحيَّة رائدة، يجب أن يُبنى عليها، وأن يتم تطويرها، كما يجب أن يتم ربطها بالمؤسَّسات الحكوميَّة الأخرى ذات العلاقة؛ حتَّى يتمَّ الاستفادة منها بشكل علمي وعملي متواصل والتركيز على التخصصات المطلوبة، إضافة إلى توعية الطلاب وارشادهم بمجالتها، وهم على مقاعد الدراسة وتحديداً الصفوف المتوسطة والثانوية، ليحددوا ميولهم مبكرًا، ويعرفوا المسار الذي سيسيرون فيه مستقبلاً... إن قرارا واحداً أحيانا يوفر الكثير والكثير...