الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
26 نيسان 2018

قطاع غزة.. اقتصاد الحصار والعشرة العجاف

\

أستاذ الاقتصاد – جامعة النجاح الوطنية - فلسطين

لم يكن العام 2007 إلا استكمالا لعقود من الحصار العربي الإسرائيلي على أهلنا في قطاع غزة، حصار اكتملت أركانه بعشرة سنوات عجاف انقضت، أغلقت خلالها المعابر، وقُيّدت حرية الملاحة، ومُنع الأفراد من التنقل لأغراض العمل والدراسة والعلاج، وتم خلالها تقييد تدفق الأموال والتجارة الغزية مع العالم الخارجي، ليسطّر القطاع بكثافته السكانية العالية وصغر مساحته ومحدودية موارده وبكل تناقضاته قصة صمود تحكي مضاضة ظلم ذوي القربى قبل ظلم الاحتلال الغاشم.

بداية الحكاية

بداية الحكاية كانت إبّان الوصاية المصرية على القطاع خلال الفترة (1948 – 1967)، حيث حُرم خلالها المواطن الغزي من الحصول على جواز سفر يمكّنه من الاندماج أو الانفتاح الاقتصادي مع محيطه العربي، ليُستعاض عنه بالوثيقة المصرية التي غالبا ما كان يُمنع حاملها من التنقل أو العبور لدول العالم، حتى للدولة المصرية المُصْدِرة لها.

على عكس ذلك كان وضع فلسطينيّي الضفة الغربية الذين حصلوا خلال تلك الفترة على جوازات سفر أردنية مكنتهم من الدراسة والعمل في الخارج، الأمر الذي زاد من فرص التشغيل والبناء والاستثمار لديهم، لتبدأ الهوة بالاتساع بين المؤشرات الاقتصادية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

استمرت معاناة القطاع خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في ظل القيود المتزايدة على حرية حركة الأفراد والأموال والبضائع، حيث انخفض خلالها نصيب الفرد الغزي من الدخل القومي الإجمالي إلى (60%) من نصيب الفرد في الضفة الغربية، ولم تتجاوز خلالها حصة القطاع (31%) من الدخل القومي في الوقت الذي شكّل فيه القطاع (39%) من مجموع سكان المناطق الفلسطينية المحتلة عام (1967).

ويُذكر هنا أن الاحتلال الإسرائيلي جعل من قطاع غزة سلة استهلاكية لمنتجاته، وسوقا رخيصة للعمالة الفلسطينية لديه، حيث تجاوزت نسبة العمالة الغزية في دولة الاحتلال (55%) من مجموع العمالة الفلسطينية للقطاع، فيما لم تتجاوز تلك النسبة (35%) من عمالة الضفة الغربية، الأمر الذي يشير إلى اعتماد اقتصاد غزة خلال تلك الفترة بشكل شبه مطلق على مصادر التمويل الخارجي المتمثلة بتحويلات العمالة الفلسطينية الغزية من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام (1948)، وبالتالي مزيدا من التبعية الاقتصادية في سوق العمل وفي التجارة الخارجية.

بعد ذلك جاءت أوسلو بإفرازاتها الهزيلة اقتصاديا لتعمق الهوة بين الضفة والقطاع، ولتنشئ في قطاع غزة جيشا من الموظفين في أجهزة ومؤسسات السلطة، وجيشا آخر من العاملين في اقتصاد دولة الاحتلال، منهية بذلك كل مقومات اقتصاد الصمود والانعتاق المبني على قواعد الإنتاج الصناعي والزراعي، الأمر الذي ظهرت نتائجه الكارثية بعد الانقسام.

مؤشرات اقتصاد الحصار

في هذا السياق، لا بد من استعراض أبرز المؤشرات الاقتصادية لقطاع غزة للفترة (2006 - 2007)، ومقارنتها بمؤشرات عشرة سنوات من عمر الحصار، إضافة لاستعراض ومقارنة تلك المؤشرات مع الضفة الغربية. والحديث هنا يتناول المؤشرات الفردية للمواطنين من جهة، ومؤشرات الحسابات القومية من جهة أخرى.

أولا: المؤشرات الفردية:

تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى تدهور وانهيار في منظومة المؤشرات الاقتصادية على مستوى الأفراد في قطاع غزة خلال سنوات الحصار الأخيرة، فقد ارتفعت معدلات البطالة خلال تلك الفترة من (29.7%) إلى (42%)، فيما لم تتجاوز تلك النسبة (18.2%) في الضفة الغربية بداية العام 2017. مع الأخذ بالاعتبار أن (17%) من العمالة الفلسطينية مدفوعة الأجر في الضفة الغربية تعمل في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، فيما بلغت تلك النسبة في قطاع غزة (0%) منذ بداية الحصار عام 2007.

وتجدر الإشارة هنا أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار (التضخم) خلال الفترة (2007 – 2017) بنسبة (30%)، فإن معدل الأجر اليومي للعمالة الفلسطينية في الضفة الغربية ارتفع بنسبة (45%)، فيما انخفضت أجور عمال قطاع غزة بنسبة (5%) خلال نفس الفترة، الأمر الذي يشير لتآكل القوة الشرائية للتدفقات النقدية للفلسطينيين في القطاع، وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر التي وصلت هناك إلى (68%) وفقا لمستويات الدخل، فيما لم تتجاوز تلك النسبة (36%) في الضفة الغربية.

وفي ذات السياق، فإن (70%) من العمال الفلسطينيين في قطاع غزة يتقاضون أجرا دون الحد الأدنى للأجور المقدر بمبلغ (1450 شيكل) شهريا، بينما تبلغ تلك النسبة (17.5%) في الضفة الغربية، علما أن الحد الأدنى للأجور يقل عن خط الفقر بحوالي (1000 شيكل).

وتبرز مشكلة التشغيل في قطاع غزة عند احتساب معدلات العاملين في مؤسسات السلطة الفلسطينية المدنية والعسكرية، حيث يعمل (36.5%) من إجمالي العمالة الفلسطينية لغزة في القطاع العام، فيما تنخفض تلك النسبة إلى (15.4%) للضفة الغربية، وهذه النسب تعكس مدى ضعف وتراجع قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل في قطاع غزة، الأمر الذي أدى لتضخم وترهل الهيكل الوظيفي للقطاع العام كأداة أخيرة لحل مشكلة البطالة هناك.

ثانيا: مؤشرات الحسابات القومية:

لا تقل مؤشرات الحسابات القومية سوءا عن سابقها من المؤشرات، ففي حين ازدادت نسبة سكان قطاع غزة إلى المناطق الفلسطينية من (38%) إلى (39%) خلال الفترة (2006 – 2017)، إلّا أن حصة القطاع من الناتج المحلي الإجمالي تراجعت من (27.2%) إلى (25.5%) خلال نفس الفترة، الأمر الذي أدى إلى اتساع الفجوة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فبعد أن كان نصيب الفرد الغزي يشكل (58%) من نصيب الفرد في الضفة عام 2006، تراجعت تلك النسبة إلى (53%) خلال العام 2016، أي أن نصيب الفرد في الضفة الغربية يصل إلى ضعف نصيب نظيره في القطاع.

رغم الحصار

رغم كل المؤشرات التي أقل ما يمكن أن نصف من خلالها قطاع غزة بأنه منطقة منكوبة اقتصاديا، ورغم البطء الشديد في عملية إعادة الإعمار التي لم تنجز أكثر من (20%) من إجمالي الوحدات السكنية المدمرة خلال الحرب الأخيرة والبالغة (11,000) وحدة سكنية، ناهيك عن أكثر من (5,000) منشأة اقتصادية مدمرة غُيّبت تماما عن مشهد إعادة الإعمار، ورغم انقطاع أدوات تواصل القطاع مع العالم الخارجي، إلا أن سكان غزة سطّروا ملحمة في الصمود والبقاء.

فمن اللافت للانتباه تزايد حجم الإنتاجين الصناعي والزراعي رغم محدودية الموارد الطبيعية وشح مدخلات الإنتاج المطلوبة نتيجة الحصار، فقد ارتفع إجمالي القيمة المضافة المتولدة عن الإنتاج الصناعي من (86) مليون دولار عام 2007 إلى (356) مليون دولار عام 2016، والإنتاج الزراعي من (88) مليون دولار إلى (132) مليون دولار.

أما على صعيد التعليم، فقد سجل قطاع غزة أدنى معدلات أمية على مستوى العالم خلال العام (2016) بنسبة لم تتجاوز (2.9%) في حين تبلغ معدلات الأمية في الوطن العربي (23%) للعام نفسه، هذا إضافة للارتفاع المتزايد في معدلات الالتحاق بالتعليم الجامعي والدراسات العليا.

خلاصة القول رسالة من القطاع مفادها أن جل ما تمكنت دولة الاحتلال من تحقيقه خلال السنوات العشرة العجاف التي ضُربت ولم تزل على غزة لم يتعدّ تشويها لمعالم اللوحة الاقتصادية التي لم تأت على عزيمة شعب قدّس الحرية فقدّسته الحياة، فلا هم نالوا من عزيمته ولا هم أصابوه في مقتل، فالشدائد في عرف الشعب الفلسطيني صقلٌ للعزيمة ومصنعٌ للرجال.

مواضيع ذات صلة